الحريري إلى الشارع.. لا حكومة!
بقلم عبدالله قمح – lebanon debate
النقاشات السياسية السائدة في البلاد لا توحي بأجواء لتأليف حكومة، بل بحملات إنتخابية. ما يُخاض أقرب إلى عملية تصفية حسابات أو إلغاء أو تعزيز مواقع ومكاسب وتحقيق أهداف، منه إلى تأليف حكومة “إنقاذ”. إذاً، هو مناخ انتخابات في السياسة والمال والإقتصاد، وفي ظلّه تنمو وتزدهر الرشاوى الدولاريّة والتشريعيّة و تتساقط إحتمالات تأليف حكومة جديدة تباعاً. الخلاصة: “لا حكومة”.
لا زال رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، يخوض الإختبارات والتجارب، وما زال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، يُراهن على فكرة مفادها أن الحريري لن يخذله، فيُغامر بمزيدٍ من توفير سبل رعايته ومدّه بالدعم المفتوح على قاعدة أنه سيمضي إلى تأليف حكومة في نهاية الأمر. الحريري الذي خذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأمل منه برّي أن يؤلّف كُرمى له!
في هذا الوقت المستقطع يتفرّغ رئيس تيّار “المستقبل”، لإجراء تبديلات تكتيكية على صعيد حضوره على الجبهات. في الحالة الراهنة، إنتقل في مواجهة “التيّار الوطني الحرّ” من الصالونات إلى “الشوارع”. منذ الأمس، نشطت الدعوات عبر “واتس آب” لإقفال الطرقات بدءً من حلول عطلة نهاية الأسبوع. وفي مؤشر واضح حول ضلوع “أزرق” بما يجري التحضير له، ظهر أن غالبية الدعوات يجري تناقلها ضمن المناطق ذات التواجد المستقبلي. هؤلاء الذين يتحضّرون لممارسة الشغب بذريعة العَوَز ووقوع المسؤولية في الإنهيار وعدم تأليف الحكومة على العهد وتيّاره السياسي، يتناسون الخدمات التي يوفّرها الحريري نفسه في مجال تفليت عِجل الإنهيار على إمّه، يصبح أن لا من مجال لإعفائهم من تهمة السعي وراء تأمين “أهداف سياسية يمكن تقريشها في السياسة”.
إذاً الحريري يعود إلى لعبة الشارع لتعزيز حضوره، ولهذا تفسير واحد: عدم رضاه على نتائج “خلوة البيّاضة” وعلى ما مُرّر إليه من “شروحات نتائج” عبر قناة النائب علي حسن خليل، في أعقاب انتهاء الجولة الثانية من “مفاوضات الفجر”، لذا يطمح إلى قطع الطريق على الجولة الثالثة المتوقع حصولها خلال عطلة نهاية الأسبوع، من خلال الإستفادة من قطع الشوارع!
أمر آخر، أن الحريري يُراهن على استثمار المزيد من عوامل انعدام الثقة بين حركة “أمل” و”التيار الوطني الحرّ”. طبعاً هو يعلم أن “عين التينة” إلى جانبه، لكنه يريد أن يأخذها في مشروع المواجهة الإعلامية “الخامد” بين الطرفين منذ مدة. فهم بيت الوسط أن الأمور “جافة” بين النائب علي حسين خليل وجبران باسيل، ولولا وجود الخليل الثاني لانفرط عقد لقاءات البياضة منذ زمن، لذا يجد “فريق الحريري” مجالاً للمناورة. وللحقيقة، أسدى النائب خليل خدمة للحريري. أثارت حفيظته تسريبات صباحية مصدرها “التيار الوطني الحر” حيال أجواء اجتماع البياضة الذي عُقد ليل الثلاثاء ـ الأربعاء.
كان الإتفاق المبدئي ألّا يُسرّب التيار (أو غيره) أية أجواء على صلة باللقاء و ما تم طرحه وتناوله خلاله،
فأخلّ بالوعد. إستنسب خليل فرصة مسائية للردّ، أي حين فرغ من اجتماعه بالحريري في بيت الوسط،
لينفي بإسم “الثنائي الشيعي” مضمون التسريب العوني، أو أن تكون الكرة في ملعب الحريري.
في الواقع، تسريب النفي من حيث مضمونه يخدم الحريري ويسايره إلى أبعد حدود
بعدما أبدى امتعاضه منه وحاول البناء عليه في ترتيب ظروف محاولة تنصّل جديدة من أي تفاهمات “خليلية ـ باسيلية”،
وادعاء أن التيار “يُبرغث”، ما حوّل المعاون السياسي للرئيس نبيه بري بنظر الفريق العوني إلى “وديعة حريرية”
في اجتماعات البياضة، ما أرخى مزيداً من العوامل السلبية وإنعدام الثقة والتشنّج التي قد تؤدي إلى تطيير الجلسة الثالثة.
ومع أن خليل قد انطلق في النفي من وضعية “الثنائي الشيعي”، يتبيّن أن “حزب الله”،
لم يكن على بيّنة من الذي جرى، إنما لم يكن موافقاً على طبيعة الرّد، لسبب يعود إلى تموضعه الوسطي بين عين التينة ـ
ميرنا الشالوحي، أو بين البياضة و بيت الوسط،
وهو ما يعزّز اتهام التيار لـ”حسن خليل”
بأنه يستخدم
عادةً “Slogan” الثنائي الشيعي لاستهداف “التيار الوطني”،
وإشاعة أجواء عبر الإعلام توحي بأن الضاحية ممتعضة وغير راضية عن “التيار” وليست على سوية مع “البيّاضة” في ما له صلة بملف تأليف الحكومة.
هنا، عودة إلى مسار الإستفادة الإنتخابية أيضاً. في العادة، تتأزم العلاقة بين عين التينة وميرنا الشالوحي في مواسم الإنتخابات.
حدث ذلك خلال العام الماضي وبقي الأمر على درجة من التوتر إلى حين إعلان نتائج صناديق الإقتراع.
يبدو أن ثمة مصلحة لمعاودة تكرار المعزوفة ذاتها الآن، في ظل ملاحظة ارتفاع درجات السخونة بين الطرفين.
الطرفان لهما مصلحة ظاهرة في “التنقير” إنتخابياً على بعضهم بعضاً. “التيار الوطني”،
يبحث عن خصوم لتعزيز موقعه وتنمية الفكرة المستدامة بأنه مُستهدف ويُحافظ على الوجود المسيحي في الدولة،
وحركة “أمل” تبحث عن المشاجرة الإنتخابية ما دام افتعال المشاكل ضمن البيئة الشيعية أمراً غير مرغوب.
ثمة أمر آخر، ذات صلة بطبيعة التركيبة بين حسن خليل وجبران باسيل.
ثمة من يرمي بأثقال التشنجات الدائمة والعلاقة غير المستقرّة وفقدان الكيمياء بينهما إلى طبيعة طموحاتهما المستقبلية
التي قد تضعهما كندّين أو كطرفين يقفان وجهاً لوجه، لذا لا بدّ من حالة “السخونة” أن تطبع علاقتهما وأن تستمرّ.