وحدهم المغتربون و”الحزب” سيتنعّمون بالكهرباء!
المصدر: نداء الوطن
الكهرباء “بالشبر والنذور” والموتور “يُقنن” والعتمة آتية آتية… فماذا عن الحلول؟ الأمن أصبح ذاتياً أو يكاد. المياه بالقطّارة والسيترنات “تروح وتجيء” ومياه الشرب نشتريها بعرق الجبين لأن مياههم “عكرة”. والبنزين أصبح مثل العملة الخضراء نادراً. أصبحنا “نعلك” الحياة كما “يعلكون” هم الحلول. وفجأة يخرج من يتكلم عن إنجازات كهربائية وعن “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” الذي يتبع جبران باسيل ويقيم في قلب المؤسسة الرسمية بلا وجه حق و”يشفط” مليارات سنوياً والنواب لا يعرفون عنه شيئاً. والحلّ؟ طاقة شمسية بديلة؟
“قرفنا”. هذا في المختصر المفيد. وماذا بعد؟ هل نُركّب صحناً لحفظ الطاقة لإكتفاءٍ كهربائي ذاتي؟ الأسعار طبعاً نار لكننا بحاجة الى حلٍّ، الى حلول، الى نجدة من مكان ما، خصوصاً أن وزير الطاقة يطل في كل مرة ويُحدثنا عن عتمة دامسة لا بُدّ آتية، ونحن مدركون ذلك “بلا جميلته” . ونعرف أن السلفة الإستثنائية من مالنا ستنتهي “فعاليتها” بعد شهر أو إثنين ونكون قد دفعنا الثمن مرتين بعد دفوعات من اللحم الحيّ لأعوام وأعوام.
نبحث عن شركات تبيعنا في هذا الوقت الصعب طاقة شمسية. نتصل. هناك شركات أقفلت أبوابها وهواتفها أصبحت “خارج الخدمة”. شركة عز الدين للطاقة الشمسية موجودة في الجنوب. والطلبات التي تتلقاها من مواطنين للإستفهام والإستفسار كثيرة. ومروى عز الدين إبنة صاحب الشركة واضحة: “الطاقة البديلة أصبحت الحل البديل الوحيد بالنسبة الى اللبنانيين في بلد منهار” وتشرح “الطلبات أقل من قبل لكنها الآن أكثر من عامين مضيا. لذا الناس يسألون كثيراً عن حلول، خصوصاً المرضى الذين يحتاجون الى أوكسيجين. والطلبات هي من أجل توليد الكهرباء أو تسخين المياه. ونحن، بحكم وجودنا في الجنوب، نعمل أكثر من سوانا لأن هناك عملة خضراء في المنطقة أكثر من سواها من مناطق، فمغتربو الجنوب أعدادهم كبيرة، وعناصر “حزب الله” كثر،وهذه العملة غير موجودة مبدئياً إلا مع هاتين المجموعتين. تضيف: نحن لا نقبل إلا كاش (نقداً) وبالعملة الخضراء، لا بالليرة اللبنانية ولا بالـ”شيك” ولا حتى بسعر الصرف اليومي، لأننا نشتري المواد الأولية بالدولار ونُصنّع محلياً”.
شركة عز الدين قديمة. لكنها، كما كل الشركات الأخرى، تعاني. وهذا طبيعي في بلد “على كفّ عفريت”. وهي تشتري الأنابيب الخاصة بمد الطاقة من الصين أما بقية المواد فمن بلد المنشأ. ماذا عن الكلفة؟ تجيب مروى: “تتراوح أسعار طاقة التسخين بين 400 و900 دولار. أما تركيب طاقة توليد الكهرباء فتبدأ بسعر 2500 دولار لخمسة أمبيرات. وهناك مهندسون يحددون لزوم كل بيت من الكهرباء وكم براد فيه وكم يستهلك عادة”.
هناك مئات الإتصالات يومياً غير أن من يستطيع تركيب طاقة توليد الكهرباء الآن يفترض أن يكون مقتدراً. فليس جميع الناس يستطيعون اليوم تكبّد دفع مبلغ 2500 دولار وطلوع. ناهيكم أن البطاريات المستخدمة باهظة الثمن وتحتاج الى تغيير كل ثلاث سنوات. وتوليد الطاقة عبر الطاقة الشمسية يكون بطيئاً ويتطلب تعاوناً مشتركاً بين الطاقة الكهربائية العادية ونور الشمس لتعبئة البطاريات. يعني لا بديل نهائياً عن الدولة وطاقتها ولو المشلولة. لذا ما تلاحظه شركة عز الدين وسواها من شركات أن اللبنانيين يعمدون أكثر الى التركيز على طاقة تسخين المياه لا مدّ الطاقة. وهذا معناه “راوح مكانك” كهربائياً للناس الذين يعيشون على “قدّن”.
ما رأي مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون؟ هل الطاقة البديلة الحل البديل؟ وهل جبران باسيل (الوزير الوصي على الطاقة من خلال وزراء التيار أو الحلفاء أو المستشارين منذ 13 سنة) مسؤول ايضاً عن عدم إستخدامها بشكل صحيح في الوقت الصحيح؟ يجيب: “طالما كان القطاع الكهربائي ورقة سياسية بين يدي جبران باسيل وهو طالما أطلق مواقف رائعة في مسألة الطاقة البديلة والمصادر المتجددة فظننا أننا سنتنعم بها لكن ما أخّر تطبيقها عدم وجود الهيئة الناظمة القادرة على وضع المعايير والشروط والتراخيص. جبران باسيل أراد دائماً التحكًم باللعبة في شكل كامل. فلم يُعيّن هيئة ناظمة مصراً على تغيير القانون كي تُصبح هذه الهيئة بلا صلاحيات. عطل وزير الطاقة طوال 13 عاماً تطبيق القانون. وطالما كانت وتبقى مشكلة وزارة الطاقة عدم قدرتها على الإنفتاح واعتبار الوزير أنه ملك في وزارته و”الآمر الناهي” فيها. هو أراد دائماً أن يجري كل المناقصات على طريقته “إستناداً الى مصلحته فيها” مستعيناً بالمركز اللبناني لحفظ الطاقة. هذا المركز هو جمعية خاصة مقيمة في مبنى الوزارة وتخضع الى وزير الطاقة. خلق جبران باسيل كياناً غير قانوني يعمل تحت إشرافه وحده وراح يُرتّب عبره المناقصات “على ذوقه”. وعلى ذوق جبران باسيل جرت مناقصة إنتاج الطاقة من الرياح عام 2014 وكلف بها الوزير السابق سيزار أبو خليل للتفاوض مع الشركات وعاد وأجرى مناقصة إنتاج الطاقة من الشمس ولم نعرف علام أصبحت عليه الأمور. الوزير أراد هيئة ناظمة للفساد. وهذا لبّ الأزمة”.
فلنسأل مجدداً: هل معنى كل هذا الكلام أن الطاقة البديلة لا يمكن أن تكون هي أيضاً حلاً بديلاً؟ يجيب غسان بيضون: “حسنة هذه الطاقة أننا يمكننا أن نستمدها في كل لبنان، في الساحل والجبل والسهول، لأن لبنان بلد مشمس. ويمكننا ان نحصل من خلالها على ألف واط لكن سوء الإدارة وإقحام باسيل الحلول الكهربائية في حساباته كورقة سياسية حوّلت الأهداف وعرتها من أبعادها”. لكن “معاليه” يردد أن “العلة” ليست فيه بل في مجلس الوزراء الذي عرقل خططه دائماً؟ يجيب مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه: “لم يتقدم باسيل في البداية باقتراح او بطلب إلا وأخذ الموافقة عليه لكن مجلس الوزراء دوّن في بعض الخطط نص “وفقاً للمعايير والقوانين” وهذا ما لا يعجب باسيل الذي يعتبر القوانين قديمة أما فكره فمتقدم، متطور”.
ماذا إذاً عن الحلّ في ظل كل هذا السواد؟ يتحدث بيضون “عن القانون رقم 129 الذي ينتهي في 30 نيسان 2022 الذي أعطى الحق لمجلس الوزراء بمنح التراخيص والإمتيازات للشركات لمدة ثلاث سنوات، لإنتاج طاقة بديلة متجددة. ويستطرد: أحدهم سعى الى إستخدام هذا الحق فأتاه الدرك ومنعوه وطالبوه بالحصول على ترخيص. إتصل بوزير الطاقة الحالي فدعاه الى تقديم طلب. هو يحاول ربط الأمر به وهذا خطأ. إنهم يريدون حصر كل المواضيع بهم حتى ولو كانت قانونية ليستفيدوا منها بدل تشجيع الناس عليها”.
يتردد دائماً إسم “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” في كل ما له علاقة بكهرباء لبنان. وما يلفت هو أن هذا المركز دشن قبل أقل من شهرين موقعه الإلكتروني حيث يتحدث عن إنجازاته وما الذي أبقاه في دينامية كل الأعوام الماضية “what keeps us busy all year long”. نضحك أم نبكي؟ كلهم يستعرضون إنجازات غير موجودة واللبنانيون في “العتمة”. وهنا نتذكر حين وقف نائب “حزب الله” حسن فضل الله في 2017 ليسأل: “نحن النواب لا نعرف شيئاً عن تلك الجمعية (جمعية المركز اللبناني لحفظ الطاقة) التي قدمت لها الحكومة اللبنانية هبة 6 مليارات ليرة خلال 10 أعوام” (ولا تزال تستفيد). النائب لا يعرف عن الجمعية لقاء دورها في الطاقة المتجددة شيئاً. تُرى هل سأل عنها جبران باسيل؟ نشك.
نعود الى الوراء، الى حين أطلق باسيل مشروع أول حقل شمسي (كما سماه) في لبنان فوق نهر بيروت لإنتاج الكهرباء. يومها قال: ان أولوية الكهرباء ستكون للمناطق المحيطة بالنهر كبرج حمود. نسأل سكان برج حمود ما إذا كانوا في نعيم؟ الجواب حاسم: نحن في العتمة الدامسة.
مشاريع وخطط ومواقف وآراء واستراتيجيات أتحفونا بها “كهربائياً” ونتيجتها “كهربة أعصاب” الناس. نعود لنبحث في هذا الوقت الصعب عن حلول بديلة تنجينا من حكم العتمة غير القابل في قاموسهم للإستئناف. مرجعٌ معني في شؤون الطاقة يستذكر يوم جرى تكليف وزير الطاقة السابق سيزار أبو خليل التفاوض مع الشركات حول خطة “إنتاج الكهرباء من الرياح”. يومها رست دفاتر الشروط على ثلاث شركات، إلتزمت وزارة الكهرباء شراء الكيلواط منها بسعر 9,9 سنتات، على أن يرتفع السعر مع “تي في آ” الى عشرة، لمدة عشرين عاماَ، علماً أن سعر الكيلواط في مصر من الرياح لا يتعدى الثلاثة سنتات وفي البرتغال أربعة. حتى هذا التكليف لم ينفذ على الرغم من أنه ليس لمصلحة لبنان. لماذا؟ ببساطة شديدة لأن الشركات الممولة رأت أنه لا يحق لأي وزير الإلتزام بمدة عشرين سنة. والإلتزام يحتاج الى ضمان مصرف لبنان وقانون من مجلس النواب خشية حصول طعن به لاحقاً. هذا معناه أن “الكهرباء” كانت وتستمر “شاطرة” في الحكي وفي التخطيط “الأعرج”. وهذا هو بيت القصيد في مصابنا.
والحلّ؟ نسأل مجدداً. ثمة شركة تقول أنها تركب طاقة كهربائية متجددة مدعومة من مصرف لبنان. نتصل. الخط مقطوع. فالدعم لم يعد موجوداً. والعملة الخضراء غير متوافرة أيضاً. والطاقة المتجددة البديلة بحاجة الى دولارات مفقودة. يبقى حلّ، إما الإستعانة بمغترب أو بعنصر من “حزب الله” ليمدكم بالعملة الخضراء، وبالتالي بإكسير تحطيم حلقة العتمة من خلال تركيب مولد طاقة كهربائية شمسية. ألم يقل “السيد”: “إذا لم توفر الدولة المحروقات فسنأتي بها من إيران؟”. وإذا لم تأتِ بالكهرباء فسيأتون بها من “أوراقهم الخضر”! فالحزب الذي له أمنه الذاتي وحده القادر على تأمين الأمن الكهربائي لعناصره بسعر يبدأ بألفين وخمسمئة دولار أميركي عدّاً ونقداً. هذا هو لبنان الجديد.