قائد الجيش يَطلُب ووزيرة الدفاع توقِّع.. وميشال عون “يكوِّع”!
ملاك عقيل – اساس ميديا
السبب الأساس لهذه الخطوة، الأولى من نوعها في العهد الحالي، هو رفض الرئيس دياب انعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال و”التقنين” في توقيع المراسيم، ومنها التعيينات، بموجب الموافقات الاستثنائية التي تصدر حاملة توقيعيْ رئيسيْ الجمهورية والحكومة.
أطاحت الأزمة بالمدّة المعقولة لتصريف الأعمال، مهدِّدةً بتسلّل التمديد إلى المؤسسات الأمنيّة والعسكرية والقضائية. وآخر النماذج إحالة الأعضاء غير الحَكَميين السبعة في مجلس القضاء الأعلى إلى التقاعد، وتعذّر تعيين بدلاء عنهم في ظل حكومة تصريف الأعمال على الرغم من الدور المحوري للمجلس في هذه المرحلة.
أمّا في الأمن والعسكر فالتمنّع عن توقيع مراسيم تعيين ضبّاط يحلّون مكان مَن أُحيلوا إلى التقاعد يؤسّس لحالات “تمديد” ضمن السلك قد تتوسّع لتطول باقي الأجهزة الأمنيّة. وهو الأمر المرجّح بسبب الِفخاخ التي تحاصِر مفاوضات تأليف الحكومة، فيما مسار ولادتها سيتطلّب وقتاً طويلاً قبل أن يوضع بند التعيينات على الطاولة.
وأوّل مَن قد يشملهم التمديد في الجيش، في حال عدم تشكيل حكومة قريباً، هو نائب رئيس الأركان للعمليّات ورئيس الوفد المكلّف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية العميد بسّام ياسين الذي يُحال إلى التقاعد في تشرين الأول المقبل (يحتاج تعيينه إلى مرسوم)، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع العميد محمود الأسمر الذي يُحال إلى التقاعد في شباط 2022.
هذا التمديد المتوقّع في ظل الأزمة القائمة تحكمه قبل أيّ شيء آخر الاعتبارات الطائفية نفسها. التمديد للضابط “الكاثوليكي” اللواء شامية سيستدرِج تمديداً للضابط الشيعي العميد ياسين والضابط السنّي العميد الأسمر…! واقعٌ أفرزته على مدى عقود ممارساتُ المنظومة السياسية التي كان السلك العسكري والأمنيّ متلقّياً لها فحسب.
يُشهَد للضابط اللواء شامية أنّه من خيرة الضبّاط، ومعروف بكفايته وانضباطيّته، وقد برز دوره بشكل أوسع في مرحلة ما بعد تفجير مرفأ بيروت.
وقد عُيّن شامية في نيسان 2019. وقبل إحالته إلى التقاعد يوم الجمعة الماضي، وقّعت وزيرة الدفاع مرسوم تأجيل تسريحه بموجب المادة 55 من قانون الدفاع، التي تجيز لوزير الدفاع أن “يتّخذ قراراً، بناءً على اقتراح قائد الجيش، يؤجِّل بموجبه تسريح العسكريين المتطوّعين، بمن فيهم الضباط، حتى لو بلغوا السنّ القانونية، وذلك في بعض الحالات المُحدّدة حصراً، وهي الحرب أو عندما تكون حالة الطوارئ مُعلنةً في البلاد أو عندما يكون الجيش مكلّفاً بحفظ الأمن”.
وتفيد المعلومات أنّه أمام واقع تعذّر التعيين أصرّ قائد الجيش على إبقائه في موقعه. حتى إنّ ثمّة مَن يجزم أنّ العماد عون كان سيطلب تأجيل تسريحه، حتى لو كان التعيين متاحاً، على خلفيّة الظروف الاستثنائية القائمة و”حاجته إلى دوره”.
طَلَبَ القائد ولبَّت وزيرة الدفاع الطلب ووقّعت. لكن ماذا عن موقف رئيس الجمهورية، الذي شكّل منذ عودته من المنفى عام 2005 رأس حربة في مواجهة التمديد لأيّ ضابط، و”معاركه” في رفض التمديد لقائد الجيش السابق جان قهوجي، ومدير الاستخبارات الأسبق العميد إدمون فاضل، ومدير الاستخبارات السابق العميد طوني منصور، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، ورؤساء الأركان، شاهدة على ذلك.
قانونيّاً، لطالما تسلّح عون، النائب ثمّ الرئيس، بفتاوى مستشاره القانوني سليم جريصاتي،
ليدعّم رأيه بعدم جواز التمديد لأيّ ضابط مهما علا شأنه. وقد سلّم جريصاتي بأنّ “سنّ تسريح الضبّاط الحُكمي
محدّدة في المادة 56 من قانون الدفاع الوطني بموجب جدول رقمي لكلّ فئة من الضبّاط لا يقبل أيّ اجتهاد”.
أمّا المادة 55، برأيه، فلا يمكن تفسيرها إلا حصراً لأنّ المبدأ هو التسريح الحُكمي.
هو واقعٌ قانوني تسلّح به ميشال عون لخوض معاركه السياسية في رفض التمديد للضبّاط.
لكن اليوم، بتنسيقٍ مع وزيرة الدفاع وقائد الجيش، قُضي الأمر، “وعلى السكت”
مُدِّد لشامية من دون جلبة. أمّا الرئيس حسان دياب، الرافض أصلاً لأيّ تعيين،
فعَلِم متأخّراً بتوقيع عكر قرار تأجيل التسريح… لذا المسألة برمّتها لا تهمّه.
وحين سُئل رئيس الجمهورية عن سبب مخالفته لمبدأ أساسي لطالما تمسّك به،
تبنّى وجهة النظر القائلة بأنّه في ظل صعوبة تعيين البديل لا يجب السماح للشغور بالتسلّل إلى المجلس العسكري
لانعكاس ذلك على مسار التصويت الذي سينتج عنه خلل طائفي لمصلحة المسلمين،
ولأنّ غياب أيّ عضو عن اجتماعات المجلس العسكري في ظل شغور مقعدٍ واحدٍ سيُفقده نصابه.
يُذكر أنّ نصاب الحضور في المجلس العسكري هو 5 من 6 أعضاء.
وتُتّخذ القرارات بأكثرية أصوات 4 من 6 أو 3 من 5، وصوت قائد الجيش عند التعادل هو المُرَجِّح.
ويُعيَّن أعضاء المجلس العسكري بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء،
وتتمّ ترقيتهم بمرسوم آخر إلى رتبة لواء. ويتألّف المجلس العسكري من ستّة أعضاء برئاسة قائد الجيش،
وعضوية كلّ من رئيس الأركان (درزي)، المدير العامّ للإدارة (شيعي)، المفتّش العامّ (أرثوذكسي)،
الأمين العامّ للمجلس الأعلى للدفاع (سنّي)، وضابط عامّ (كاثوليكي).
وفي ما يخصّ الحالات الثلاث التي أشارت إليها المادة 55 لتأجيل التسريح، فإنّ حالة الطوارئ التي
أُعلِنت في بيروت بعد انفجار 4 آب، والمُمدَّدة أكثر من مرّة بموجب موافقة استثنائية من الرئيسين عون ودياب،
لم تعد قائمة بدءاً من بداية العام الحالي، لكنّ الجيش لا يزال مكلّفاً بتسلّم الهبات والمساعدات،
وتوزيعها، وحماية محيط مرفأ بيروت. إذاً لسنا أمام حالة حرب ولا حالة طوارئ. هذا بالقانون.
أمّا على أرض الواقع فنحن في ظلّ “جهنّم” حقيقي!!!
يُشار إلى أنّ الجيش مكلّف أصلاً بحفظ الأمن بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 1 الصادر في 28/11/1991،
وبإمكان رئيس الجمهورية أو قائد الجيش أو وزيرة الدفاع التذرّع بهذا القرار لتبرير تأجيل التسريح.
لكنّ جريصاتي نفسه، من ضمن “باقة” فتواه، كان قلّل من تأثير هذا المعطى، حيث اعتبر،
في دراسة منشورة له في جريدة النهار عام 2015، أنّ “الاتّكاء على هذا القرار يعني إمكان تأجيل تسريح أيّ ضابط أو عسكري
منذ العام 1991″، سائلاً “هل هذا ما قصده المشترع، وهل هذه مروحة الصلاحيات
المتاحة لوزير الدفاع الوطني بناءً على اقتراح قائد الجيش؟!!”.
على الرغم من ذلك، “كوَّع” رئيس الجمهورية، وسار عكس سير قناعاته، فاتحاً المجال أمام “تمديدات”
بالجملة قد لا تتوقّف عند العميدين في الجيش بسّام ياسين ومحمود الأسمر،
بل قد تطول ضبّاطاً في أجهزة أمنيّة أخرى،
وأوّلهم رئيس الإدارة المركزية في مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي العميد سعيد فواز،
الذي يُحال إلى التقاعد آخر تموز المقبل، ونائب المدير العام لأمن الدولة العميد سمير سنان،
الذي يُحال إلى التقاعد في تشرين الثاني المقبل.