بعد ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل قياسي.. هكذا علّقت مصادر مالية
علي زين الدين – الشرق الاوسط
تصاعدت قيمة الدولار الأميركي، بشكل قياسي، مقابل الليرة اللبنانية في الأسواق الموازية، ما أطاح بحزمة الإجراءات التمهيدية لترشيد الدعم على المحروقات، وإقرار البطاقة التمويلية التي اتخذتها السلطات اللبنانية في الأسبوع الماضي.
وفوجئ اللبنانيون بارتفاع سعر الدولار سريعاً ليتخطى عتبة الـ17 ألف ليرة، ويلامس الـ18 ألف ليرة وسط تقديرات بازدياد المضاربات على ضوء موجة شائعات عن لجوء فوري من قبل العديد من المحلات التجارية الكبرى والعادية إلى اعتماد تسعير يقترب من مستوى 20 ألف ليرة للدولار احتياطاً، بينما اختار الكثير منها الإقفال في نهاية الأسبوع تحسباً لتفاقم الفوضى النقدية.
وعدت مصادر مالية ومصرفية لـ«الشرق الأوسط»، تفاعل الأسواق بسلبية بأنها تحسبات تلقائية وبديهية، توازياً مع زيادة المخاطر العامة الناتجة عن التوجه الرسمي إلى استنفاد آخر الاحتياطات بالعملات الصعبة.
فبمعزل عن المبالغ التي سيتم صرفها لتمويل استيراد المحروقات لمدة ثلاثة أشهر، والمقدرة بنحو 500 مليون دولار، فقد سبق، قبل شهر، اعتماد ذريعة «الظروف الاستثنائية»
والتغطية القانونية لتمويل حاجات الكهرباء لنحو ثلاثة أشهر بمبلغ 200 مليون دولار. وثمة مخاوف جدية من اعتمادات مماثلة لتغطية نواقص الأكلاف المترتبة على البطاقة التمويلية وسواها من المصاريف الخارجية الملحة للدولة أو السلع الضرورية، علماً بأن تمويل استيراد القمح والدواء مستمر على سعر 1515 ليرة للدولار.
وفي قراءات المحللين والخبراء، فإن «فتح نافذة التمويل من الاحتياطات الإلزامية للودائع المحررة بالعملات الصعبة،
هو بمنزلة خلع أبواب منزل متهالك وسط رياح عاصفة وشهادة رسمية جديدة بإفلاس الدولة،
بعدما عمدت الحكومة الحالية في أولى مهماتها «الإنقاذية»
إلى إخراج قسري للبنان وأوراقه المالية العامة والخاصة، قبل نحو 15 شهراً،
من الأسواق المالية الدولية عبر تعليق دفع متوجبات سندات الدين الدولية التي
تتوزع تواريخ استحقاقاتها على شرائح حتى عام 2037، ومن دون بذل أي جهود تفاوضية جدية مع الدائنين الخارجيين.
ثم علقت، عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت واستقالة الحكومة،
المفاوضات الخاصة ببرنامج دعم وتمويل مع صندوق النقد الدولي.
وبالإضافة إلى تفاقم التداعيات التي تضرب كامل أوجه الحياة في البلد المنكوب
وتفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية، تلفت المصادر إلى «حقيقة خطر تعريض المدخرات
في المصارف لاندثار شبه تام وتحويلها إلى قيود دفترية معلقة على استعادة
التوازن المالي للدولة المفلسة التي ستضمن الديون الجديدة تلبية لشروط البنك المركزي».
وسألت المصادر المصرفية: «ما يمنع لاحقاً أصحاب القرار في الدولة من التنصل من مسؤولياتهم،
والاستجابة لمقتضيات الأزمات الآخذة بالتمدد إلى الاستقرار الأمني والداخلي الهش»،
في وقت «جاهر البنك المركزي بعجزه التام عن تمويل عجوزات الدولة المالية من احتياطاته الحرة التي
جرى استنفادها بالكامل بطلب من السلطات عينها،
وبما يشمل تغطية الاعتمادات المستندية والتحويلات لدعم مجموعة السلع الاستراتيجية والأساسية».
وباعتبار أن الاحتياطات المتبقية في البنك المركزي
تخص حصراً المودعين في المصارف التي تم تغييبها عن التوجهات المستجدة لتأمين التمويل،
ترى المصادر «أن تكريس قاعدة تمويل الإنفاق العام من المدخرات أساساً عبر
حجز توظيفات البنوك لدى المركزي في الفترة السابقة، ووصولاً إلى الاحتياطي الإلزامي الذي يوازي حالياً
14 في المائة من قيمة الوديعة المحررة بالعملات الصعبة، سيفضي حكماً إلى تبديد أي آمال باستعادة الحقوق المحتجزة».
فالمودعون يعانون أصلاً من اقتطاعات هائلة تقارب 80 في المائة من حساباتهم الدولارية التي تشكل نحو 82 في المائة
من إجمالي الودائع في المصارف، عند تنفيذ عمليات سحب مقيدة بسقوف شهرية أيضاً،
فيما تنحو الودائع بالليرة ومعها الأجور والرواتب إلى ذوبان شبه تام في قيمتها الشرائية،
بحيث أصبح الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة في الشهر،
موازياً لنحو 38 دولاراً فقط، أي نحو 1.25 دولار يومياً.
ومع انتظارهم الثقيل لموعد صرف الحصص الشهرية بواقع 800 دولار شهرياً بدءاً من الشهر المقبل،
سجل أصحاب الحسابات الدولارية، الذين تربو أعدادهم على 800 ألف، خسارات مسبقة تعدت الثلث،
حتى الساعة، من القيمة التبادلية لنصف الحصة الموعودة والموزعة بين 400 دولار نقداً (بنكنوت)
و400 دولار يتم صرفها بالليرة على سعر 12 ألف ليرة لكل دولار. بينما أشارت
مصادر مصرفية إلى اجتماع جديد بين حاكمية المركزي ووفد جمعية المصارف مطلع الأسبوع المقبل
مخصص لاستكمال الاتفاق على الترتيبات الخاصة بالصرف، مع التشديد على التزام المواعيد المحددة بالتعميم رقم 158،
وحفظ حق الحصة الشهرية في حال اضطرار بعض المصارف إلى تأخير الصرف لأسباب تقنية أو ذات علاقة بتوفير السيولة النقدية.