“أرنب” القاضي بيطار… هل سيخرجه في الوقت المناسب؟
بقلم رضوان مرتضى – الاخبار
قد يصل المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار في الساعات المقبلة إلى حائط مسدود إذا ما قرر المجلس النيابي عدم تلبية طلبه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب، وإذا رفضت المراجع الإدارية منح أذونات الملاحقة. فهل ينهي طلبه ملاحقة الوزراء كمدعى عليهم مشواره في ملف التحقيق أم أن لديه خطة بديلة للمواجهة؟
لم يَخَفِ المحقّق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار من «قِطّ مذبوح»، بخلاف ما فعل سلَفه القاضي فادي صوّان. يعلمُ القاضي بيطار، الذي قبِل بالمهمة الموكلة إليه بعد تردد، أنّه داخلٌ على حقل ألغامٍ قد يُطيحه في أي لحظة وأنه مُقدمٌ على مهمة انتحارية. لذلك فهو لن يتراجع. لقد حسَمَ خياره «بالوقوف في صفّ أهالي الضحايا». ورغم الاتهامات التي تُكال له بتسييس التحقيق، إلا أنّه لا يكترث لها منطلقاً من قاعدة أنّ كُلَّ من علِمَ من المسؤولين بأمر نيترات الأمونيوم التي كانت في العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت، وانفجرت يوم 4 آب 2020، وكان يملك القدرة على التغيير أو القيام بفعل ما، فإنّه قد رضي بالمخاطرة بأرواح أكثر من مئتي بريء قُتلوا نتيجة الانفجار.
لا يخفى على عارفي بيطار الغضب الذي يعبّر عنه تجاه «الطبقة السياسية»، ونقمته على الحال التي وصلت إليها البلاد «بفعل الفساد».
ينكبُّ القاضي على دراسة ملف الانفجار منذ أربعة أشهر ونصف شهر، خلُص فيها إلى رسم معالم تقريبية لما جرى. تمكن المحقق العدلي من كتابة قصة الباخرة «روسوس» منذ يوم ولادتها إلى يوم غرقها، مروراً برسوّها في مرفأ بيروت وتفريغ شحنة نيترات الأمونيوم منها. كذلك استطاع تحديد كيفية دخول النيترات والجهة التي تقف خلف إدخالها، كما توصّل إلى ما يُشبه الجزم بالإجابة عن سؤال أساسي: هل دخلت النيترات بمؤامرة، أم شاء القضاء والقدر ذلك. لدى المحقق العدلي يقينٌ راسخ بأنّه مهما تكن النتيجة، سواء إذا تبيّن أنّ التفجير نتيجة لعمل مدبّر أو أنّه ناجم عن حريق وقع بالصدفة، فإنّ ذلك لا يُلغي أبداً مسؤولية الوزراء المسؤولين والإداريين والموظفين والضباط المكلّفين بالأمن، لكونهم لو قاموا بواجبهم عبر إبعاد المفرقعات والمواد المشتعلة عن نيترات الأمونيوم في العنبر الرقم 12، لحالوا دون وقوع المجزرة. لذلك خلُص المحقق العدلي إلى طلب ملاحقة قادة أمنيين وضباط ووزراء يشتبه في إهمالهم أمر النيترات، مع علمهم بالخطر الشديد التي تُشكّله ورضوا بالمخاطرة. فقد طلب بيطار رفع الحصانات عن نواب وطلب أذونات ملاحقة لقادة أمنيين؛ بينهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. لا يجد الرجل حرجاً في المسّ بأحد. ليس هناك آلهة بالنسبة إليه. ويُعزّز رباطة جأشه بالموقف الشعبي المؤيد له بعد قراره الادعاء على الوزراء والقادة الأمنيين.
لكن، في المقابل، يؤخذ على بيطار عدم اقترابه من قيادة الجيش الحالية حتى في مسألة الإهمال، مع العلم بأنّ من مهام الجيش حفظ الأمن ومواجهة أي خطر يُهدد الأمن القومي، فكيف إذا كان الخطر يتجسّد بقنبلة وزنها 2700 طن جاثمة في قلب بيروت منذ سنوات. يُنقل عن المحقق العدلي ردّه بأنه يستند في ادعائه إلى وجود مستندات تثبّت معرفة المسؤول المدعى عليه بأمر النيترات، ولم يقم بما يحول دون وقوع الانفجار، رغم وجود صلاحيات تسمح له بذلك. ولذا انطلق من مراسلة صادرة عن الأمن العام عام 2014 للوصول إلى وزراء الداخلية والمالية والأشغال. لكنه لم يجد ما يُثبت أن قائد الجيش الحالي، ومدير استخباراته (السابق) طوني منصور كانا يعرفان بوجود النيترات. ربما يصح فيهما، في تلك الحالة، أن «المصيبة» تكمن في كونهما يعلمان بوجود النيترات في المرفأ، ولم يحرّكا ساكناً، أسوة بباقي المسؤولين. أما «المصيبة الأعظم»، فهي في أن قائد الجيش الحالي ومدير المخابرات السابق لم يكونا يعلمان بوجود 2700 طن من المواد القابلة للانفجار في مرفأ بيروت، طوال سنتين و5 أشهر، وهي المدة التي تفصل بين تسلمهما مهامهما وتاريخ وقوع الانفجار، رغم أن تلك المدة شهدت، وخاصة في السنة الأخيرة التي سبقت الكارثة، الكثير من الأخذ والرد بين الأمن والقضاء بشأن محتويات العنبر الرقم 12. كذلك يؤخذ على بيطار أيضاً اختياره مسؤولين من لون سياسيٍّ واحد للادعاء عليهم، علماً بأنّ مصادر مطّلعة على التحقيق تؤكد أنّ المحقق العدلي بصدد الادعاء على مسؤولين آخرين، بينهم رؤساء حكومات، «إذا بيّنت التحقيقات مسؤوليتهم».
كذلك يخشى المراقبون لأداء بيطار من أن يؤخذ بعاطفته التي لا تخفى على أحد وضعفه أمام أهالي الضحايا الذين فقدوا أعزاءهم. ويُتخوّف من أن يكون قد رسم الرأي العام سقفاً لم يُرِد المحقق العدلي النزول تحته. فهل يكون ادّعاؤه على الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية من هذا الباب، أم أنه لمس فعلاً أنّ هناك مسؤولية وإهمالاً. وقد توقف كثيرون عند مصطلح «ملاحقة» الذي أورده بيطار في طلبات رفع الحصانة النيابية التي بعث بها إلى البرلمان، على اعتبار أنّ ذلك يعني حُكماً وجود اقتناع لدى المحقق العدلي بتورّط الذين يطلب رفع الحصانة عنهم بالإهمال وأنّ هناك نية لتوقيفهم. كما تعتبر جهات سياسية متضررة من الادعاء أنّ من كان «يسيّر» تحقيق القاضي ميدانياً هو فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي يُحسب سياسياً على خصومها. وبالتالي، فإنها تتخوّف من توجيه التحقيق باتجاه أو ضد شخص أو فئة بعينها.
هناك مسألة أخرى يجدر التوقف عندها. يقبع خلف القضبان عددٌ من الموقوفين قاموا بواجبهم بإبلاغ رؤسائهم بأمر النيترات. ورغم ذلك، دُكّوا في السجن. نعمة البراكس كان الرجل الأول الذي أبلغ أمن الدولة بأمر النيترات، محذّراً من خطرها، بعدما يئس من تقاعس الباقين. موقوف آخر أرسل عشرات المراسلات في هذا الخصوص، بينما هناك قاضٍ لا يزال يسرح ويمرح مع أنه اتخذ قرار الحجز على السفينة وإنزال النيترات وتعيين حارس قضائي عليها، ما تسبّب في كل اللغط الذي سبق الانفجار لجهة أنّ موظفين ومسؤولين كانوا يعتبرون أن أمر المواد المحجوزة ليس من شأنهم لأنها مشمولة بقرار قضائي.
لقد تسلّم المحقق العدلي عدة تقارير من المحققين الفرنسيين، لكنه لم يتسلّم التقرير النهائي بعد، إذ يُفترض أن يتسلّمه في أيلول المقبل. التقرير الأول اعتمد على مصادر مفتوحة لتحصيل المعلومات، منها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حيث كان أقرب إلى تحليل إعلامي. التقرير الثاني تضمّن الخلاصات الفنية الأولية. التقرير الثالث كان تقرير الخبرة الذي تسلّمه قبل أسابيع، والذي نفى فرضية وجود عمل إرهابي ليرجّح الخلاصات التي توصّل إليها خبراء المتفجرات اللبنانيون. ويُنتظر وصول التقرير الفني النهائي المفصّل في أيلول، على أن يُصدر بعده القاضي بيطار قراره الظني.
لا يزال من المبكر «الحكم» على ما يقوم به المحقق العدلي، لكن السؤال الأساسي الذي ينبغي أن يُطرح حالياً، هو: ماذا سيفعل القاضي بيطار لو اصطدم بالحصانات النيابية والأمنية؟ هل يُطيح ذلك الملف، أم أن الدعم الشعبي سيكون سنداً وعوناً له للمواجهة؟ هل سيتوقف الملف بمجرد قرار وزير الداخلية منع منح الإذن بملاحقة مسؤول أمني ورفض المجلس النيابي رفع الحصانة النيابية، أم أنّ لدى المحقق العدلي «أرنباً» سيُخرجه في الوقت المناسب؟
رسائل بيطار إلى المجلس النيابي: وزراء سابقون مشتبه فيهم
أرسل المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، القاضي طارق بيطار، بواسطة النيابة العامة التمييزية وعبر وزارة العدل، عدداً من الكتب إلى المجلس النيابي، يطلب فيها رفع الحصانة النيابية عن النواب نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل. اعتبر المحقق العدلي أنّ انفجار الرابع من آب 2020 نتج من أسباب عدة تضافرت في ما بينها، قد يكون بينها امتناع مسؤولين لبنانيين تولّوا مهام وزارية عن ممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم بغية إبعاد خطر الإنفجار الحاصل على الرغم من علمهم بوجود المواد الشديدة الخطورة في مرفأ بيروت.
ففي طلب رفع الحصانة النيابية عن المشنوق، اعتبر المحقق العدلي أنّه قد تكون ثمة شبهة بأنّ المشنوق، أثناء توليه مهمته كوزير داخلية قد تبلّغ في الشهر الخامس من عام 2014 كتاباً من الأمن العام اللبناني بوجود الباخرة التجارية «روسوس» في مرفأ بيروت، وبأنّه يُحظر مغادرتها المرفأ بسبب إلقاء حجز احتياطي عليها، وأنّ قرار الحجز قد جاء بعد إفراغ حمولتها وإبقاء على متنها أطنان عدة من المواد الشديدة الخطورة من نوع نيترات الأمونيوم العالي الكثافة. ورأى القاضي بيطار بأنّ الشبهة بأنّ المشنوق «لم يُقدِم على أي فعل من شأنه أن يُبعد الخطر الذي قد تُحدثه هذه المواد على الأماكن السكنية القريبة منها، كما لم يتحقق من المواد التي جرى تفريغها من السفينة، وذلك على الرغم من تمتعه بالسلطات والصلاحيات اللازمة التي تُخوّله ذلك، لا سيما أنه يقع في صلب مهامه السهر على حفظ النظام والأمن فضلاً عن أنّه يرأس مجلس الأمن المركزي، الأمر الذي يُثير شبهة جدية حول توقعه أن يتسبب وجود تلك المواد في المرفأ بالقرب من الأماكن السكنية، بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبِلَ بالمخاطرة من خلال امتناعه عن إجراء ما يلزم لدرء الخطر». وقد ضمّن البيطار كتابه نسخة عن المراسلة التي أُرسلت إلى الوزير المشنوق.
أما بالنسبة إلى النائب غازي زعيتر، فاعتبر المحقق العدلي أنه كان، بصفته وزيراً للأشغال العامة والنقل، يتمتع بالسلطات والصلاحيات اللازمة التي تخوّله القيام بما يحول دون وقوع التفجير لاحقاً، لا سيما أن مديرية النقل البري والبحري تخضع لسلطته مباشرة، علماً أن رئيس الميناء التابع لهذه المديرية قد جرى تعيينه حارساً قضائياً على النيترات. بالتالي أضحى بذلك للوزير المذكور سلطة مباشرة على هذه المواد المخزنة في العنبر رقم 12. كما أن وزير الأشغال يتمتع بسلطة الإشراف على أعمال اللجنة المؤقتة لهيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت التي تتولى إدارة الميناء.
أما بالنسبة إلى النائب علي حسن خليل، فقد رأى القاضي بيطار احتمال أن تكون هناك شبهة بأن وزير المال السابق «امتنع عن القيام بفعل من شأنه أن يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على المرفأ والأماكن السكنية القريبة منها، على الرغم من امتلاكه سلطة وصلاحية تخوله معالجة موضوع النيترات الذي انقضى على وجوده في المرفأ فترة طويلة بحيث أصبح بضاعة متروكة بحسب قانون الجمارك، إذ إنه وبصفته وزيراً للمالية يتولى شؤون الجمارك، ويرتبط به المجلس الأعلى للجمارك الذي يشرف على إدارة الجمارك، كما تخضع لسلطته الضابطة الجمركية كقوة عامة مسلحة في إدارة الجمارك، والتي حددت صلاحيتها في المادة 1 من المرسوم الرقم 1802 تاریخ 27/2/1979، الأمر الذي قد يثير شبهة حول توقعه أن يعيب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الأماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن إجراء ما يلزم لدرء الخطر». وبناءً على ما تقدّم، طلب بيطار من المجلس النيابي رفع الحصانة عن النواب الثلاثة، لملاحقتهم بصفتهم الوزارية السابقة والتحقيق معهم كمدعى عليهم.