الجيش يتلقّى المساعدات: الأفضلية للمتزوّج!
المصدر: المدن
مَرَّ الجيش اللبناني بمراحل طَوَّرَ فيها من امكانياته على المستوى الاقتصادي، وخاصة في ما يتعلّق بالإنفاق على الغذاء. وحين أُلغِيَت الخدمة العسكرية الإلزامية، أو ما كان يُعرَف بخدمة العَلَم، أصبح الإنفاق أكبر، إذ كانت ترتيبات الخدمة العسكرية ونفقاتها، تشغل حيّزًا كبيرًا من موازنة الجيش. وعلى الأثَر، حظي العسكريون بطعام وغذاء وفيرين، سواء على مستوى الثكنات والمراكز أو على مستوى الحصص الغذائية التي يحق للعسكري أخذها إلى منزله. كما أن الكشف الصحي على جودة الطعام قد تطوَّر.
مع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد مع تدهور سعر صرف الليرة، حافَظَ الجيش على الجانب الصحي لموضوع الغذاء، لكنه فقد القدرة على تلبية حاجاته بالصورة التي كانت عليها سابقًا. ما استدعى تطبيق حالة التقشف، بدءًا من وقف استعمال اللحوم. وتراكمت الأزمات حتى بات الجيش بحاجة لمساعدات غذائية، لها أثر سلبي على العسكر، بالتوازي مع أثرها الإيجابي المتعلّق بسد النقص، وإن مؤقتًا.
تخطّى سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز الـ19 ألف ليرة، محطّمًا بذلك ما تبقّى من قدرة شرائية لرواتب العسكريين، بمن فيهم كبار الضبّاط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ راتب الجندي نحو مليون و300 ألف ليرة شهريًا، أي ما يوازي 68 دولاراً، وبذلك، يصبح الأجر اليومي للجندي نحو 3 دولارات. أما راتب الضابط، فيتراوح بين 4 مليون و500 ألف ليرة، و6 مليون ليرة شهريًا، أي ما يوازي 237 دولاراً شهريًا ونحو 8 دولارات يوميًا.
رواتب العسكريين أصبحت إسمية. هي أشبه ببدل تطوُّع على غرار ما تعطيه جمعيات المجتمع المدني لمتطوّعيها، كمبادرة منها لعدم تكبيدهم تكاليف لقاء تنقّلهم وطعامهم أثناء عملهم. وهذا الواقع، أحدَثَ تغييرًا في بعض السلوكيات والعادات التي كانت تُعتَبَر رفاهية. إذ أن الكثير من العسكريين، كانوا يتناولون بعض الوجبات الجاهزة إذا لم يرغبوا بتناول الوجبة المقررة في مكان الخدمة، واليوم لم يعد بمقدور أحد التفريط بالمال لقاء الوجبات الجاهزة. والالتزام بالوجبة المقررة، هو الخيار الأجدى والأوفر.
لا تملك الدولة إمكانية تقديم المساعدة لجيشها، فلم يكن أمام الجيش إلا المساعدات الخارجية. ومن هنا يمكن النظر إلى الجولة التي قام بها قائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا. ومن المنظار نفسه، استجابت مصر وقطر، فأرسلت الأولى سفينة حربية تحمل 300 طن من المساعدات الغذائية، كهبة من القوات المسلحة المصرية، بعد التنسيق مع قيادة الجيش اللبناني، فيما وصلت إلى بيروت طائرة قطرية إلى مطار بيروت على متنها 70 ألف طن من المواد الغذائية، هي جزء من شحنات شهرية مماثلة، ستستمر لمدة عام.
الحصول على المساعدات “أمر ضروري وملحّ”، تقول مصادر عسكرية خلال حديث لـ”المدن”. لكن هذا الواقع “يخلّف يأسًا لدى العسكر. وكان قائد الجيش قد حذّر منذ بداية الأزمة من الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور، لما لها من انعكاس سلبي على الجانب النفسي للعسكريين. علمًا أن الأزمة لن تؤثّر على الجانب التنظيمي للجيش. لذا لا داعي للقلق حول وحدة الجيش والخوف من إمكانية انقسامه أو انفراط عقده”، تشير المصادر.
الاطمئنان على الجانب التنظيمي، “لا يعني عدم الذهاب نحو كارثة على مستوى تأمين الحاجات الغذائية. فهذه المساعدات مؤقتة، ويتعيَّن على الجيش البحث عن سبل للحصول على المساعدات”.
من الناحية المعنوية، لا يمكن للعسكري أن يتحمَّل تبعات انتظار مساعدة غذائية شهرية قد لا تكفيه فعليًا لآخر الشهر. لذلك تعمل قيادة الجيش على تقديم المساعدات بعد لحظ الوضع الاجتماعي لكل عسكري فـ”العسكري المتزوّج له أفضلية والأعزب يُراعى وضعه الاجتماعي”، أي يُنظَر إلى الوضع الاجتماعي لعائلته وما اذا كان يعيش مع والديه، بالإضافة إلى الحالة الصحية والاجتماعية للوالدين.. وما إلى ذلك من مؤشرات تساعد في تقدير الحاجة الفعلية للعسكري. على أنّ الخلاصة هي الحاجة للمساعدات الغذائية بالإضافة إلى المحروقات التي تشكّل عنصرًا آخر من عناصر الأزمة، إذ “يقف العسكري ذليلًا في الطوابير أمام المحطّات، ولا تكفيه الكمية التي يحصل عليها، للوصول إلى مركز خدمته والعودة إلى منزله. والحل؟ لا أحد يسأل عنه”.