“حقوق السحب الخاصة”…
المصدر: نداء الوطن
قد تكون حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة (SDR) التي ينوي “صندوق النقد الدولي” توزيعها على الأعضاء من دون شروط، صغيرة؛ إنما الأكيد مفعولها سيكون كبيراً في حال أحسن استعمالها. أمّا إذا أُدخلت “دهاليز” المركزي، وأخضعت لتقديرات “الحاكم” المحكوم بالموافقات الإستثنائية والإستنسابية في الصرف والتحويل، فستتبخر في غضون فترة قصيرة وتذهب أدراج مئات الملايين التي سبقتها.
“نداء الوطن” استعرضت مع خبراء إقتصاديين وماليين ومصرفيين الطرق الأمثل لاستعمال المساعدة. حيث من المنتظر أن يحصل لبنان على 850 مليون دولار، في أيلول القادم بعد تصويت مجلس المدراء التنفيذيين في “الصندوق” بالموافقة على إقتراح المديرة العامة بتوزيع أنصبة الدول من “SDR” في نهاية شهر آب.
رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي قال: “إذا لم يتخذ قرار سياسي جدي بكيفية استعمال هذه المساعدة، فستضاف “حقوق السحب الخاصة” حكماً على احتياطيات العملات الأجنبية في مصرف لبنان وتستنزف بالطريقة نفسها التي أدت إلى خسارة المليارات على الهدر والدعم والتهريب. وعليه المفروض التفكير بالطريقة الأمثل للإستفادة من هذه “المنّة” بحسب الأولويات. جزء من المبلغ يجب أن يذهب برأيه إلى الأسر الفقيرة، بشرط تحييده عن الزبائنية السياسية، وبشكل مخالف لطريقة التعاطي التي تمت مع قرض البنك الدولي. فالقرض الأخير الذي كان من المفترض أن يعطى البارحة قبل اليوم، ما زال معلقاً بسبب عدم تطبيق السلطة شروط البنك الدولي لجهة المراقبة الجدية في صرف الأموال. وعليه فان استخدام جزء من مساعدة الصندوق لمساعدة الأسر قد تفتح الباب واسعاً أمام الزبائنية بسبب عدم وجود أي شروط على المساعدة؛ وهذا ما لا ينفع. من جهة أخرى من الممكن استخدام جزء من المبلغ لانشاء صندوق دعم لاستيراد المواد الأولية لقطاعات الإنتاج الأساسية. ومن الضروري تخصيص جزء لمشاريع استثمارية ضرورية في هذا الظرف، مثل: إنشاء معمل صغير للكهرباء بكلفة 500 مليون دولار. أو تطوير شبكة النقل العام المشترك وتقديمها للمواطنين بكلفة معقولة ونوعية جيدة. وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه مع ارتفاع أكلاف النقل الخاص، وسيطرة الزبائنية والفساد على قطاع النقل من جهة، وعجز المواطنين عن تحمل ارتفاع أسعار المحروقات وصيانة السيارات من جهة أخرى. هناك العديد من الأفكار الخلاقة والمنتجة والمفيدة إنما يبقى الأهم برأي رياشي إخراج هذا الموضوع إلى دائرة الضوء، والضغط باتجاه تحديد آليات صرف الأموال وعدم هدرها في “كواليس” التوظيف السياسي واستمرار معادلة الدعم القائمة.
الخبير الإقتصادي جان طويلة الذي يؤكد على أهمية تعزيز الإستثمار في الإنتاج، يعتبر أن الأولوية للإنقاذ الإجتماعي وقطع الطريق أمام الفوضى المتصاعدة، أقله حتى موعد الإنتخابات النيابية. فانطلاقاً من أن “استثمارات اليوم هي وظائف الغد”، يعتبر طويلة ان الإستثمارات لن تنفع إن لم يبق مجتمع. وبرأيه أن جمع المبلغ من الصندوق المقدّر بين 850 و900 مليون دولار، مع إعادة جدولة قروض البنك الدولي المقدرة بنحو 500 مليون دولار، مع ضخ مصرف لبنان مليار دولار، تؤمن جميعها نحو 2.4 مليار دولار. أهمية هذا المبلغ أنه يؤمن لأغلبية العائلات اللبنانية المسجلة بطريقة نظامية على منصة IMPACT مبلغ 250 دولاراً شهرياً تكفي جميع متطلباتهم الحياتية الأساسية، ويؤدي إلى رفع الدعم بشكل كلي، وتوقف التهريب، والحد من احتكار التجار، وتوفير جميع السلع في الأسواق. وبحسب طويلة فان “هذه الآلية تبطّئ الإرتفاعات الجنونية في سعر الصرف وتساعد على الصمود لمنتصف العام القادم. ذلك أن سرعة تطور الإنهيار، تشي بامكانية الغرق في الفوضى غير المحسوبة في غضون فترة قصيرة إن لم يتم تدارك الوضع. وهذا بالطبع سيكون لمصلحة السياسيين “المستقتلين” لبقاء الوضع كما هو عليه للمحافظة على سلطتهم ونفوذهم و”تطيير” الإنتخابات. ومن وجهة نظر طويلة فانه “كان من الممكن للبنان الإستفادة بمبلغ أكبر بكثير من 850 مليون دولار لو كان يوجد دولة قادرة وموثوقة من المجتمع الدولي. حيث أن كبريات الدول ستخصص حصتها من “وحدات السحب الخاصة” المقدرة قيمتها بعشرات المليارات لمساعدة الدولة المحتاجة، إلا لبنان مع الأسف لن يستفيد منها بسبب فشل السلطة الحاكمة.
إنطلاقاً من المخاوف المشروعة بحتمية استخدام السلطة للأموال المتأتية لإطالة عمر الأزمة بالطريقة نفسها المتبعة اليوم، يعتبر عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين اللبنانيين بول أبي نصر أن “الطريقة الأمثل لاستخدام هذه الاموال تكون باستثمارها في مشاريع الطاقة المتجددة عبر الإقراض. فاتاحة المجال امام المصانع والجامعات والمدارس والفنادق والمستشفيات والمؤسسات الكبيرة… الحصول على قروض مدعومة بصفر في المئة فائدة من أجل إنشاء وتركيب وحدات إنتاج على الطاقة النظيفة، يحقق مجموعة من الأهداف المترابطة تعود بالكثير من الفائدة على الإقتصاد. أبرزها:
– المحافظة على أساس المبلغ. ذلك أن هذه الاموال لن تصرف بل ستستثمر في مشاريع منتجة. وذلك على عكس ما إذا تم استخدامها في دعم شراء المحروقات التي يذهب نصفها تهريباً، والنصف الآخر يحرق في المولدات من دون خلق أي قيمة مضافة للمستقبل. فنعود ونغرق في غضون أشهر قليلة بمشكلة نقص المحروقات نفسها.
– تأمين الكهرباء 24/24 لمؤسسات الإنتاج والخدمات بكلفة قليلة.
– تقديم مجموعة من الإجراءات التنموية التي تلاقي استحسان المؤسسات الدولية المانحة في سلة واحدة، وهي: الطاقة المتجددة، قروض للقطاعات الخاصة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، اللامركزية في إنتاج الطاقة، عدم استخدام هذه الأموال في الدعم العشوائي.
– إمكانية الحصول على دعم إضافي من قبل الدول التي ستخصص جزءاً أو كل حصتها من حقوق السحب الخاصة لمساعدة الدول النامية والمحتاجة، في حال استخدام الأموال بالطريقة الأمثل.
– تخفيف الضغط عن شبكة الكهرباء. ما يعني، تقليص الخسارة التقنية وتحقيق وفر في الإنتاج بما لا يقل عن 25 في المئة.
– التوفير باستيراد الفيول.
– إرسال إشارات إلى كل الدول التي تريد إعادة تخصيص وحداتها reallocation بجدية الجانب اللبناني، واستعداده لقبول مساعدات إضافية لن تذهب على الهدر ومشاريع الدعم الفاشلة.
مهما تعددت واختلفت الآراء حول طرق استخدام وحدات السحب الخاصة، فان الجميع متفق على عدم وضعها في “سلة” الدولة “المفخوتة”. فاينما وظفت بعيداً عن الزبائنية السياسية ستخلق قيمة مضافة تفيد المجتمع والإقتصاد.