اخبار محلية

من يجرؤ على من استورد وصدّر النيترات؟

المصدر: أساس ميديا

دخل عنصرٌ جديد على خطّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، هو الاستعداد الميداني الذي اُستُكمِلت عناصره للقيام بمحاكاة للحريق الذي سبق الانفجار.

المحاكاة كانت ستتمّ قبل أسابيع قليلة، ثمّ تأجّلت أكثر من مرّة. وهي مرتبطة بشكل أساسي، وفق مطّلعين، بالأحوال المناخية التي يُفترض أن تكون مشابهة تماماً ليوم الانفجار، وهو الأمر الذي يتمّ التنسيق فيه مع مصلحة الأرصاد الجويّة بهدف إجراء المحاكاة في “بيئة وظروف” تتماهى بالكامل مع يوم الرابع من آب 2020.

ومن أجل تنفيذ هذه المحاكاة، التي ستكون الأولى من نوعها في تاريخ القضاء اللبناني، بُنِي مجسّم للعنبر رقم 12 في مرفأ بيروت من أحجار الباطون المستخدمة في البناء على بعد أمتارٍ قليلة من الفجوة الهائلة التي أحدثها انفجار الرابع من آب.
وتمّ الالتزام بتفاصيل “وضعية” العنبر رقم 12 قبل انفجاره، فجُهِّز ببوّابة رئيسية مشابهة لتلك التي قيل إنّها خضعت لعملية تلحيم بهدف سدّ فجوة تُستعمل لسرقة محتويات العنبر ومنها نيترات الأمونيوم (تلحيم دلاية على الباب الرئيس، ووضع قفل رصاصي لها)، إضافة إلى إحداث فجوة في الجدار الجنوبي للعنبر، وسقف من الاترنيت. مع العلم أنّ العنبر لم يكن مجهّزاً، على الرغم من خطورة المواد الموجودة داخله، بمطافئ آليّة تعمل تلقائياً عند حصول حريق.

ومن المتوقّع أن يحضر المحاكاة ممثّلٌ عن النيابة العامة التمييزية ووكلاء المدّعى عليهم والمحقّق العدلي، وستتمّ بسريّة تامّة بعيداً من الإعلام، وسيجري تصويرها لتُضَمّ إلى أوراق القرار الاتهامي.

وتمّ الإعداد اللوجستي للمحاكاة من قبل لجنة مشتركة برئاسة ضابط من الجيش اللبناني، تضمّ ضباط وعناصر من الجيش (الشرطة العسكرية) وشعبة المعلومات والدفاع المدني وأحد القضاة.

وعن الأهميّة التي تكتسبها هذه العملية، وتأثيرها في مسار التحقيق، تقول مصادر قضائية بارزة لـ”أساس”: “لمّا كان انفجار المرفأ هو الأكبر في تاريخ لبنان، واعتبر من الانفجارات غير النووية الأكبر في العالم، فلا شكّ أنّ المحاكاة ستكون فريدة من نوعها. لكن عملياً لا تُعتمَد كدليل حاسم يمكن أن يغيّر مجرى التحقيقات، والأرجح أنّ القاضي البيطار لجأ إليها للاستئناس”.
وتشير المصادر إلى أنّ “أهمّيّتها الأساسية تكمن في “إعادة تمثيل” تفصيليّ لمرحلة التلحيم الأخيرة للباب الرئيسي (التي يفترض أنها قادت إلى حصول الحريق) وذلك بعد أربعة أيام من تلحيم أبواب أخرى للعنبر. وبالتالي التحقّق ممّا إذا كان للتلحيم تأثير مباشر في التسبّب بالحريق بداية، ثمّ الانفجار. وسيتمّ ذلك باستخدام أدوات التلحيم نفسها”.

ووفق المعلومات، ستوضع عيّنات مشابهة لمحتويات العنبر رقم 12 من مفرقعات وزيوت وأسمدة كيمياوية وأكياس النيترات… بهدف إجراء محاكاة افتراضية للانفجار، مع العلم أنّ دخان الحريق ظهر بعد نحو ساعة على مغادرة عمّال التلحيم المكان. وهنا تكمن قطبة مخفيّة في أسباب الانفجار.

وستشكّل هذه العملية بالتأكيد الوجه الآخر للسؤال الأكبر عن سبب حصول الانفجار الهائل، الذي كان المحقّق العدلي قد وضع ثلاثة احتمالات له، ثمّ أقرّ خلال لقائه عدداً من الإعلاميين أنّ واحدة من ثلاث فرضيّات لأسباب الانفجار استُبعدت بنسبة 80%، مشيراً إلى “أنّ التقرير الفنّي الفرنسي الأخير ساعد في استبعاد هذه الفرضية بهذه النسبة الكبيرة” (فرضية الصاروخ).

والفرضيات الثلاث، التي كان حدّدها البيطار سبباً للانفجار، هي:

1- حريق سببه التلحيم.

2- ضربة جوية

3- قنبلة.

وأقرّ أمام الاعلإميين بأنّه استجوب عدداً من العمال خلال عملهم في المرفأ في توقيت حصول الانفجار، مؤكّداً أنّ “أهمية إفاداتهم تكمن في مسألة تقاطع بعضها مع البعض الآخر، لمعرفة إذا كانوا شاهدوا طائرة فوق المرفأ عند حصول الانفجار”.

ملاك عقيل – اساس ميديا

يُجمع أكثر من مرجع قانونيّ على أنّ التركيز على مسار التقصير في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وإغفال أو تأخير ملاحقة المسؤولين عن الإتيان بالنيترات وتخزينها، لا يفيدان التحقيق، بل يُخشى أن يحرفا الانتباه عن المسار الواجب اتّباعه للوصول إلى الحقيقة والعدالة، لأنّ التحقيق ينبغي أن يذهب في الأساس وأن تكون أولويّته البحث عمّن جاء بالنيترات، ومَن خزّنها طوال هذه السنوات، ومَن فجّرها، وكيف تفجّرت. فهنا قلب الجريمة، لأنّ نواةً صلبةً “فوق سياسية”، قادرة أمنيّاً وميدانياً، هي التي تمكّنت من “حماية” النيترات في المرفأ. وبالتالي فإنّ إدانة المقصّرين أو تبرئتهم لن تأتي بالعدالة للضحايا وذويهم. فهنا مربط الفرس في البحث والتنقيب ومراكمة الجهود لمعرفة كامل الحقيقة.
يؤكّد مرجع قانوني رفيع لـ”أساس” أنّه يجب عدم إيهام الرأي العام بأنّ التحقيق مع النواب والوزراء هو الفيصل الحاسم في تفجير المرفأ. بل إنّ العامل الحاسم هو تحديد هويّة الجهة أو الأشخاص الذين أدخلوا وخزّنوا النيترات واستخدموها ونقلوا منها مئات الأطنان، وكانوا مسؤولين عن إبقائها ومنع معالجتها، سواء بالبيع أو الإتلاف.

ويسأل المرجع: هل يمكن للمحقّق في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار البحث عن القوّة “الما فوق سياسية”، التي تمكّنت على مدى هذه السنوات من التصرّف بالنيترات، التي أعمت القوى الأمنيّة أعينها عنها، فيما يتقاذف القضاة الأوراق المتعلّقة بها، فتمرّ السنوات، وتبقى النيترات؟ وكيف يمكن أن يبقى العنبر رقم 12 خارج الرقابة وبلا كاميرات؟ ولماذا كان معزولاً عن منشآت المرفأ الأخرى؟ وهل يكفي الإهمال للوصول إلى هذا الفعل الدقيق والمنظّم لحفظ هذه الموادّ وبهذه الكمّيّات وطوال هذه المدة في قلب بيروت؟

كيف تمكّنت هذه القوّة القاهرة من ترسيم الحدود للرؤساء والوزراء في التعامل مع النيترات، كما حصل مع رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب، الذي قرّر ثمّ ألغى زيارته للمرفأ بعد تقريرين متناقضين، جاء أوّلهما صحيحاً وثانيهما مضلِّلاً؟ ثم مَن هو المسؤول عن هذا التضليل؟ ومَن يستطيع أن يكون بهذا التأثير المباشر على رئيس الحكومة، حتى أفضى إلى حماية النيترات وتفجير بيروت؟

الأهمّ في هذا النقاش: مَن له مصلحة في جلب النيترات، بالقرار القضائي الآثم الذي قضى بإنزالها إلى أرض المرفأ، على الرغم من مخالفته القوانين الدولية والمحلية وجميع معايير السلامة؟ ومَن الذي يحتاج إلى النيترات باستخداماتها “التفجيرية”، ويستطيع أن يخرجها من المرفأ بالأطنان على عين القوى الأمنيّة والجمارك؟ ألا يجب البحث في هذه المساحة لإضاءة الأنوار أمام العدالة؟ أليس البحثُ عن المستفيد من قواعد عمل التحقيق الأساسية؟!
ومع سلوك هذا المنحى في التحقيق، والتوجّه نحو “الرؤوس الكبيرة”، كما يجري تصويرها للرأي العام، من رؤساء ووزراء، والابتعاد عن البحث في المسؤوليّات المباشرة عن الجريمة، يُخشى أن نصل إلى محاكمة صوريّة، يخرج منها المسؤولون الفعليّون عن هذه الجريمة “أبرياء”، كما سبق أن خرج الضبّاط الأربعة في محاكمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليصبح أحدهم نائباً. فيما يتوهّم الرأي العام أنّه يرى محاكمة “المسؤولين” عن جريمة العصر..



ويرى مرجع قانوني أنّ القاضي البيطار يطرح نظرية “القصد الاحتمالي” في ورقة الطلب، وهي ادّعاء جنائي، وتستند إلى افتراض أن يكون المُدَّعى عليهم قد علموا وتوقّعوا المخاطر الناجمة عن النيترات، وقبلوا المخاطرة بتركها بدون إزالة، معتبراً أنّ هذه النظرية لا تمتلك عناصر الصمود والتماسك من الناحية العملية والقانونية.

ويشير المرجع القانوني إلى أنّ القضاء اللبناني لا يمكنه أن يكون المرجع في التحقيق في جريمة تفجير المرفأ لأنّه هو نفسه القضاء الذي أمر قضاتُه، بالتتابع، بإنزال النيترات إلى أرض المرفأ، وهو القضاء نفسه الذي أمر بإغلاق الفجوة، وهو الذي حقّق مع مَن أغلق الفجوة، على الرغم من أنّه هو الذي أعطى الأمر بالتلحيم، فكيف يسأل عن سبب التلحيم بهذه الطريقة أو تلك، مؤكّداً أنّ القضاء اللبناني مسؤول عمّا جرى، ولا يمكنه أن يتولّى التحقيق.



أسئلة كثيرة تتزاحم وتثير القلق حول مسار العدالة، خاصة أنّ البعض يعمل على تسييس هذه الملفّات وتحويلها إلى أدوات استقطاب وتحريض طائفي وسياسي، وتحويل جريمة تفجير المرفأ إلى قضية شعبوية تستثمرها التيارات السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة، في حملة تستهدف العدالة وتستثمر في دماء الضحايا، وهذا دأب ساسة التدمير والتفجير في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى