فاجعة التليل… الحريري يلعب بالنار
بقلم عبدالله قمح – lebanon debate
فجر أمس الأحد، ومن خارج الحسابات السياسية، وبينما كان سعد الحريري يغطّ في نومٍ عميق تاركاً أهالي عكّار لمصيرهم، انفجرت خزانات محروقات “مقرصنة” في بلدة التليل كان الجيش قد أفرغ الجزء الأكبر من محتواها خلال الليلة نفسها. استيقظَ “الشيخ سعد” على هول خبر الجثث التي افترشت الرمال على درب السعي وراء ليترات قليلة من البنزين أو المازوت، وانباء تُشير بمعظمها إلى علم نوابه ورعايتهم لبعض السفهاء، وبضلوعهم في عمليات التخزين والقرصنة. ماذا فعل رئيس الحكومة السابق ورئيس تيار “المستقبل” الذي كان مكلّفاً تأليف الحكومة والذي يُعدّ نفسه مرشحاً طبيعياً ودائماً لها؟ تناول هاتفه وبدأ التغريد، مثله مثل أي ناشط إلكتروني. بدل الاكتفاء باصدار بيان تعزية ودعوة لمحاسبة المسؤولين، فضّل اللعب بالنار وفتح البازار السياسي على مصراعيه تجاه العهد، والتعليق على الحدث كهاوٍ لا كمسؤول ونائب لثلاث دورات ومثلها رئيساً للحكومة وكزعيم لتيار سياسي وطائفي وهلم جرّاً!
عند هذا المشهد، يمكن القول أن الحريري استهوى تجاهل الوقائع ومضى نحو تحريفها لخدمة أجندة سياسية وانتخابية ومذهبية معينة، أو قد يكون علم بحقيقة ما كان يحصل –أو كان يعلم- ففضّل اعتماد أفضل وسيلة للدفاع عن نفسه وتياره الا وهي الهجوم على غيره، أي واقعاً مارس عملية التعمية المقصودة على الوقائع المتجمّعة من خلال افتعال اشتباك ذات لون سياسي – طائفي مع “التيار الوطني الحر” في أمر يُقصد منه تشتيت الأنظار حول حقيقة ما جرى وإخفاء أي معالم ذات صلة ولتضليل التحقيقات، إلى جانب ممارسة تعمية من نوع تغييب أي إشارة حول ضلوع تيّاره في مسائل كان “يتبجح” في رفضها بل وإسقاط حصرية ممارستها على “حزب الله”، كقضية التهريب إلى سوريا التي بات ثابتاً أن رجالات التيار الازرق ومفاتيحه الإنتخابية، ضالعون بها إلى حدود الغرق في بيع “الوقود المنهوب” في سوريا سواء للدولة –النظام- أو لغيرها.
كل ما تقدّم قد يكون صحيحاً، والصحيح أكثر أن الرئيس الحريري، الفاقد أساساً للسيطرة على نوابه ومسؤوليه، فاقدٌ بنفس الوقت وبذات القدر، للقدرة على المحاسبة. أمرٌ كالذي حصل في عكار، وإن وقع في دولة ما وثبت حتى ولو بالتلميح أو بالإشارة، وجود علاقة لمسؤول حزبي معين أو آخر سياسي، لكان استُدعيَ إلى التحقيق فوراً، بدايةً لدى حزبه ثم حوّل لاحقاً إلى القضاء. ماذا فعل الحريري أمام هول ما الكارثة ومع بروز معطيات تُشير إلى ضلوع أفراد من كتلته؟ افتعل اشتباكاً سياسياً، وحوّل المعركة من قضية أمن إجتماعي استباحته جماعته، إلى قضية نزاع سياسي على العهد والصلاحيات، أي العهد ذاته الذي ساهم لوصوله حيث هو حالياً.
دعك من كل ذلك. هنا، أين موقعة الجيش من كل الذي حصل؟ ثمة أسئلة تُطرح، لعلّ أبرزها هذا التزامن بين “فاجعة التليل” و إطلاق الجيش لحملة ملاحقة المحتكرين للمحروقات والسارقين لأموال الناس وحقوقهم. دون أدنى شك، إن ما حدث في التليل كان له وقع الصدمة على الجيش، ولعله تشظّى من جراء ما رأى. ربما، ما كان الجيش يحسب أنه في طريقه إلى مواجهة من هذا النوع، وهذا خطأ. في إمكان هذه الشلة، أي جماعة المحتكرين وتجار السوق السوداء ومن لفّ لفيفهم، لا أن يحرقوا صهريجاً أو خزاناً في قرية إذا تم دهمه ووضع اليد عليه، وإنما إحراق البلد اي اعتماد سلاح السلم الأهلي لدفع المسؤولين إلى التراجع.
عملياً، ما حصل أثّر إلى حدٍّ ما على المؤسسة العسكرية. باتت هذه الأخيرة تحسب تحركاتها بدقة، صحيح أن التحقيقات لم تثبت إلى حينه أن ما جرى كناية عن حادث مفتعل، لكن تزامنه مع الإجراءات الأمنية وربطه ببعض الحوادث والمعطيات الماثلة على الخزان المنفجر يبقى احتمالاً قائماً.
بيان يوم السبت والذي أُبلغ خلاله بعزم اليرزة على التمدّد صوب المحتكرين ودهم أوكارهم مثّل عملياً إشارة جادة
نحو القضاء على هذه الآفة. من الطبيعي أن يستدرج فعلٌ كهذا مواجهات كذلك عزم “الرعاية”
السياسية التي كانت تتحرك على المكشوف. مع ذلك قرّر الجيش المضي قدماً، متجاهلاً التهويل.
قد تبدو للوهلة الأولى أن حادثة التليل/عكار قد تكون وقعت من جراء نزاع حدث على أفضلية من يحصل على الكمية الباقية
التي تركها الجيش في الخزانات بسبب عدم قدرته على إفراغها. وللحقيقة ما كان يجدر على الجيش فتح بازار التوزيع.
قد يكون ذلك صحيحاً، إنما لا يمكن تجاهل توفّر “نية ما” لافتعال حادث كرد فعل على ضبط الجيش لمئات الآلاف
من الليترات التي تساوي في الواقع مئات الآلاف من الدولارات.
قد تكون ثمة رغبة لدى أحدهم ما في منع الجيش من استئناف مهام التنقيب عن النفط المخبئ تحت الإسفلت.
أحدٌ آخر من المعنيين، ينظر إلى القضية عن كونها عملية استهداف طالت الجيش بطريقة غير مباشرة لردعه.
قد يكون ذلك صحيحاً أيضاً، نظراً للوقائع الميدانية.
قد يسأل سائل: من أين حصل “التاجر المحتكر” على كل هذه الكمية من المحروقات؟
الجواب يتموضع في نقطتين: إما أن الحظوة السياسية مكّنته من “شفط” الوقود المدعوم،
أو أن قاطعاً للطرق برتبة نائب “مهرّب” تتقاطع المعلومات الأمنية حول امتلاكه “عصابة”
تقوم بمصادرة شحنات المحروقات المتجهة إلى عكار عن طريق البداوي، وتغيير وجهة سيرها إلى حيث “المصب”.
ثمة قضية أساسية ، هي إشارة واضحة حول عمق تقطر الكارتيلات في الجسد اللبناني،
قضية على نحو إبراز قوة هؤلاء وسطوتهم على الدولة وأجهزتها وأحزابها وتياراتها،
إشارةٌ إلى مدى اتساع رقعة نفوذهم، إشارةٌ إلى الثمن الذي قد يُدفع من أجل إنهاء ظاهرة هؤلاء.
إنها إشارةٌ أدق إلى الثمن الذي قد يتكبده اللبنانيون في حال أرادوا إنشاء دولة حديثة خالية من المحتكرين.
قد تبدو للبعض، إشارةٌ إلى حرب أهلية جديدة في حال تجرأ أحد ما على “الدق” بسطوة هؤلاء ونفوذهم.
إلى أن يخرج التحقيق إلى العلن، تبقى جميع الفرضيات مطروحة، من الحادث المفتعل إلى العرضي.
الذي يجدر أن يحصل منذ الآن وصاعداً عدم الإكتفاء بـ”خزانات التليل” والتمدّد إلى خزانات أخرى،
أي عملياً الشروع في حرب واسعة لإنهاء هذه الآفة، واستغلال الحادثة في إسقاط “الأسماء المزروعة في الأحزاب”
والحامية لنهج التهريب. لا يجدر أن يكون يوم 15 آب نهاراً للحزن. اكتفينا أحزاناً في هذا البلد.