هل يفعلها السيّد؟
بقلم عبدالله قمح – lebanon debate
بات اللعب على المكشوف. واشنطن أطلقت العِنان لأدواتها الداخلية لممارسة المزيد من الحصار. الردّ على “قافلات النفط” الإيرانية المتجهة نحو لبنان واستطراداً “إعلان” السيد حسن نصرالله، يتمّ وفق التالي: “تهييج” قطاع النفط وصولاً إلى حد “تجفيف” السوق من المحروقات لغايات تتجاوز عبور “ممر الفيلة” الداخلي.
في المقابل، أطلق “حزب الله” المسودة الأولى لاستدراج عروض التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية
مدخلاً “بلوكات النفط” في معادلة “كسر الحصار”.
فجأة، أُوقف يوم أمس العمل بمضمون “إتفاقية نفط بعبدا” التي
نصّت على تغطية مصرف لبنان الجزء الباقي من استيراد المحروقات،
على أساس 8000 ليرة (أُعيد لاحقاً التراجع عن قرار وقف العمل)، ماذا كانت نتيجة هذا “التخبيص”؟
إعتكاف موزعي النفط عن التسليم، ورفض المحطات بيع ما لديها
على أساس تسعيرة الـ3900 ورفض المستوردين الخضوع لمنطق الـ3900، ورفض وزارة الطاقة مشروع رفع “نصف دعم”،
وعطفاً على هذا كله، أعلن “سوق الزفت الأسود” الإضراب عن تزويد
أي ليتر من “الذهب الأخضر” سواء للمولدات أو الأفران! هذا يعني بالتالي اشتداد أزمة الوقود حتى يوم الأربعاء المقبل،
ودفع البلاد نحو الغرق بعتمة شاملة وممارسة الضغط والإبتزاز بحق الدولة لدفعها نحو القبول بـ”الفريش دولار”
عملةً للبيع، وزيادة حجم المسؤوليات على “حزب الله” على قاعدة: “هاتِ نرى ماذا ستفعل مازوتاتك يا سيد حسن!”.
على هذا النحو، يبدو أن الأمور تتجه نحو اتساع رقعة المواجهة كلما اقتربت
سفن الوقود الإيرانية من الشواطئ اللبنانية. على هذه القاعدة، تُريد واشنطن،
ولأجل كبح جماح الحزب، استخدام أدواتها الداخلية على قوة الإنتاج القصوى.
عملياً، تُعدّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي العتيدة أولى ضحايا هذه الحرب.
ثمة قوى دفع خلفية تعمل على كبح تقدّم ميقاتي صوب تأليف حكومة بالتعاون والتجانس مع رئيس الجمهورية ميشال عون،
بذريعة “سلبيات” توفرت من جراء الإعلان عن قدوم “السفن الايرانية”.
يُراد هنا تحميل الحزب كلفة أسباب السقوط الذي تدفع نحوه واشنطن ظناً منها أنها تُعمّق من فاتورة الدفع اللاحقة.
بعيداً عن ذلك، يُمارس “حزب الله” الهدوء المشروع في عملية مقاربة الأمور.
جاء خطاب السيد نصرالله غروب الأحد، كأصرح تعبير عن الراحة النفسية
والذهنية التي تعتري الحزب. من جملة ما أعلنه نصرالله كان الإستعداد للخوض في مجال التنقيب عن النفط في البلوكات اللبنانية “المسلوبة”.
عملياً، ما كان نصرالله ليعبر “خط الطول”
هذا إلاّ عندما رأى تخلّي الدولة عن مسؤولياتها تجاه حقوقها التي يُعربد فيها العدو الإسرائيلي، ويتصرّف على أساس أنها حق مشروع له
في الواقع، يعتري ملف ترسيم الحدود البحرية الذي ترعاه الولايات المتحدة الجمود
منذ الربيع المنصرم. لم يعد سراً أن واشنطن تستخدم هذا الملف تحديداً لابتزاز الجانب اللبناني
للقبول بأفكارها المستندة إلى منحه في أقصى الحالات 860 كلومتراً مربعاً بحرياً بدل أكثر من 2200 كلم2 تقع إلى الجنوب من الخط 29،
يقول الجانب اللبناني أنها حق مشروع له إستناداً إلى القوانين الدولية. في الطريق إلى ذلك،
تُمارس واشنطن من خلال تجميد مسار المفاوضات غير المباشرة، “التعمية السياسية
” لإتاحة الفرصة أمام العدو لأقصى استفادة ممكنة وترك الحرية له في استخدام حقل “كاريش” المتنازع عليه من الجانب اللبناني.
ثمة قضية أخرى من الواجب طرحها. ففيما لو وافق الجانب السياسي اللبناني وتجاهل مسارات
“التخبيص” التي يقوم بها مقرّبون من القصر، وذهب نحو توقيع التعديلات على المرسوم 6433 وثبّت حق لبنان،
لكان وضع حداً للعربدة الإسرائيلية ووفّر على “حزب الله” مسؤولية عدم الخوض في هذا المجال
لا ريب أن المفاوضات غير المباشرة متوقفة حالياً. وفي اعتقاد
مصادر مطلعة على المسار، فإن الجمود الذي يعتريها قد يطول.. بهذا المعنى، وحين لمسَ الحزب تفريطاً سياسياً بأمرٍ سيادي جزء منه بتواطؤ
مع الغرب الأميركي، وتدخلاً أميركياً سلبياً يشكّل عامل ضغط إضافي على الجانب اللبناني لدفعه صوب التراجع عن شروطه، نصح المعنيين
بالإسراع في إنجاز ما اتُفق عليه حين تشكّل الوفد اللبناني العسكري التقني المفاوض، وإلا فالحزب سيبدي جهوزيةً للتدخل بما معناه تطبيق نظرية
“سفن المحروقات” على بلوكات “النفط”. وفي الحقيقة، إن ما شرع بإعلانه نصرالله
على الملأ غروب الأحد، وهو بالمناسبة كلام حقيقي وليس من قبيل التهويل،
سبق وأُبلغ في مجالس خاصة على نحوٍ صريح وواضح، ولم يكن من داعِ لإعلانه على الملأ إلاّ بعد ملاحظة مدى “التفريط الرسمي” في الثروات،
وبعدما ظهر أن الأمور قد أُقفلت نهائياً حتى اندفع السيد نصرالله صوب تبنّي
هذا المستوى من الوضوح ومن الكلام “النوعي”. ويُقال أن أحد الدوافع الأساسية التي أملته ليس مرتبطاً
بـ”كسر الحصار” فحسب، إنما ملاحظة محاولات أميركية لتطيير الملف وجعله لقمةً سائغة للأنياب الإسرائيلية.
أساساً مسار “قرصنة” حقوق لبنان النفطية بدأ منذ أن أعلنت شركة “توتال” خلو البلوك رقم 4 من الكميات الإقتصادية
في أعقاب عمليات استكشافية أجرتها. حينذاك، أدرك أكثر من طرف محلي أن هذا الإعلان يخفي بين طياته أسباباً
ودوافع تأتي من خلفية مقايضة “الإستخراج اللبناني” بقضايا سياسية عالقة، وقد تأكد ذلك حين
زار رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بيروت في أيلول الفائت. حينها فاتح من التقاهم السماح لشركة “eni” الإيطالية إحدى الشركات المكوّنة لتحالف توتال ـ نوفاتك الفائز بمناقصة التنقيب
عن النفط في البلوك رقم 4، إعادة التنقيب وبشكل مستقل في البلوك المذكور،
وهي إشارة تكفي لدحض مزاعم “توتال” حول خلو البلوك من الكميات الإقتصادية،
وتؤكد المعطيات التي راجت في بيروت حول امتلاك الإستخبارات الفرنسية تقريراً فنياً يُظهر وجود نفط،
وهو ما كان السبب في اندفاعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاحقاً صوب بيروت عبر مبادرة سياسية ـ
إقتصادية أُريد منها إعادة تركيب السلطة التنفيذية، ونيل مكتسبات تتيح لباريس الإستفادة
هناك سبب آخر لا يقل أهمية يُعدّ دافعاً للسيد نصرالله لطرح احتمالات التنقيب بمعاونة من شركة إيرانية،
تتصل بتوافر معلومات “حقيقية” حول اندفاعة أميركية لإعادة استنهاض “طاولة مفاوضات الناقورة”،
مشروطة بإدخال تعديلات على الوفد العسكري التقني المفاوض، وإزالة الصفة العسكرية واستبدالها بالسياسة.