تفاصيلٌ عن “جلب الغاز المصري إلى لبنان”… وما علاقة قانون قيصر؟
المصدر: عربي بوست
نشر موقع “عربي بوست” مقالاً تحت عنوان: “جلب الغاز المصري إلى لبنان.. قطع للطريق على إيران أم قرار لفك العزلة اللبنانية؟”
وجاء في المقال:
أدى إعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، عن إنطلاق السفينة الإيرانية المحملة بالمحروقات لمصلحة المستشفيات والأفران اللبنانية، واعتباره السفن المحملة بالنفط “سيادة لبنانية”، إلى خلط أوراق الإقليم السياسية والعسكرية والنفطية.
مقابل ذلك جاء إعلان السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا في حديث متلفز يوم الخميس آب 2021 أن “هناك اتصالات مع البنك الدولي ومصر والأردن لحل أزمة الطاقة في لبنان، مؤكدة أن “خطة حل الطاقة تُبحث منذ عدة أسابيع مع جهات دولية وإقليمية عديدة كرد على السفينة الإيرانية”.
كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد تلقى اتصالاً هاتفياً من السفيرة شيا أبلغته فيه أنّها “تلقّت قراراً من إدارة بلدها بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائيّة من الأردن عبر سوريا، وذلك عبر تسهيل نقل الغاز المصري إلى طرابلس شمالي لبنان، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا”.
ولفتت السفيرة شيا إلى أن “الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”.
سياسياً، يعتبر مصدر دبلوماسي عربي مطلع لـ”عربي بوست” أن “موافقة واشنطن جلب الكهرباء التي سينتجها الأردن من الغاز المصري عبر سوريا إلى لبنان، خطوة من شأنها التخفيف من تبعات قانون قيصر المفروضة على النظام السوري”.
وأكد المصدر ذاته أن “هناك مفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وإجراء الصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”.
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن “جدية واشنطن باستجلاب الغاز للبنان لحل الأزمة الكهربائية التي يعاني منها لبنان تبدو جدية، لأن واشنطن تخالف للمرة الأولى شروط منح أي قرض عبر البنك الدولي للبنان دون إجراء إصلاحات حكومية سريعة، وخاصة أن الأميركيين يجرون مفاوضات سريعة مع البنك الدولي لتمرير قرض يهدف لإصلاح خط الأنابيب المعطلة في سوريا، والثانية لتكاليف تشغيل المعامل الكهربائية على الغاز بعد أن تحولت للفيول والمازوت”.
ويرى المصدر ذاته أن “المشكلة المالية في هذا الملف كانت تواجه الأردن ولبنان،
وأن موضوع السفينة الإيرانية سرّع إنجاز هذه الفكرة التي كانت تدرس جدياً في أروقة الإدارة الأمريكية منذ أشهر؛
بناء على توصية أجراها معاون وزير الخارجية السابق ديفيد هيل في تقريره الذي رفعه لوزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن”.
ووفقاً لهذا المصدر، فإن “هذا الموضوع كان موضع نقاش أجري بين وزير النفط السوري بسام طعمة،
مع وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي في يحزيران الماضي”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “موافقة واشنطن مقرونة باستثناء لبنان من العقوبات الدولية
المفروضة على سوريا بسبب الحرب السورية القائمة والتي تحظر القيام بأي تعاملات مالية أو تجارية مع النظام في سوريا”.
مع العلم أن “لبنان كان يُفاوض المصريين منذ منذ مدة لاستجرار الطاقة والغاز عبر الأردن وسوريا،
لكنّ المفاوضات توقفت بسبب العقوبات الأميركية على سوريا وقانون قيصر”.
وقد سعى لبنان بعد ذلك إلى الحصول على استثناء من العقوبات،
نظراً للظروف الاقتصادية والإنسانية التي يمر بها ووضع قطاع الكهرباء.
يعتقد مصدر دبلوماسي غربي أن “المشروع الأميركي باستجرار الغاز للبنان عبر مصر والأردن
مروراً بسوريا لا يتوقف على ربط لبنان بأنابيب الغاز المصري عبر الأردن وسوريا،
بل يستمر لربط شبكة كهربائية تبدأ من الأردن مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان”.
ومن خلال هذه الشبكة، يضيف المصدر: “سيتمكّن لبنان من الاستفادة من التيار الكهربائي الذي سيولّده الأردن بالاستفادة
من الغاز المصري وتحويل معامل الكهرباء تدريجياً لتعمل على الغاز الطبيعي المستورد
عبر الأنابيب بدل الفيول والمازوت، والتي تحولت في لبنان عبر سنوات طويلة لمافيات فساد وتوزيع أرباحٍ بين أطراف مختلفة”.
وفي هذا الإطار، يؤكد مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون أنّ “تأمين الغاز للمعامل
بحاجة إلى إصلاح خط الغاز الحالي من الأردن عبر سوريا إلى دير عمار،
ويحتاج حوالي السنة، وأن بناء خط من دير عمار باتجاه الزهراني مروراً بمعامل الكهرباء في مناطق الذوق والجية وسلعاتا، يتطلب حوالي السنتين”.
ويرى بيضون أنّ “تشغيل المعامل على الغاز يوفر أكثر 400 مليون دولار سنوياً، تكفي لتغطية تكلفة الخط”.
هذا المشروع، حسب المتحدث، كان قد وُضِع على الرفّ منذ اندلاع ثورتيْ سوريا ومصر سنة 2011،
وتضرّر خطوط نقل الغاز، ثمّ تجميد صيانة الأنابيب بسبب العقوبات الأميركيّة المفروضة على سوريا.
والآن، عاد الملف إلى الواجهة من زاوية الاهتمام المصري بتقديم هذا النوع من الدعم للبنان،
في ظل الانهيار المالي الذي تمرّ به البلاد، فيما كان ملفّ العقوبات على سوريا آخر العراقيل التي تحول دون دخول الخطة حيّز التنفيذ.
ويرى خلدون الشريف، المستشار السابق لرئيس الحكومة اللبنانية، أن “القرار الأميركي لاستجرار
الغاز للبنان عبر مصر والأردن يهدف إلى تفعيل مشروع الخط العربي، كخطوة على طريق ربطه بحقول الإنتاج في الخليج،
بعد ربط الخط بالسوق الأوروبيّة بحسب الخطة الأساسيّة، لفتح أبواب التصدير بكميات
أكبر وكلفة أقل بالنسبة لدول الخليج العربي، وتخفيف مخاطر الصراع على مساحات النفوذ البحريّة على طرق إمداد المحروقات”.
ويعتقد الشريف في حديث مع “عربي بوست” أنه من” المرجح ربط الخط العربي للغاز بالعراق مستقبلاً،
والذي سيعني إعادة ترابط العراق الاقتصادي والمالي بمحيطه العربي، وإبعاده
عن إيران في قطاعيْ الكهرباء والغاز المكرر بالتحديد، كما يجري حالياً، وهذه المسألة تشكل أولويّة استراتيجيّة بالنسبة للأميركيين”.
وأشار المتحدث إلى أن “الجزء الأهم من المشروع كان يفترض أن يتم في المرحلة اللاحقة،
عبر ربط هذه الشبكة بحقول الغاز في العراق والسعوديّة من جهتيْ الشرق والجنوب،
وبأسواق الغاز في أوروبا من جهة الشمال عبر وصل الشبكة بخط الغاز المعروف بخط نابوكو”.
ويؤكد المحلل السياسي منير الربيع لـ”عربي بوست” أنه “لا يمكن اعتبار الإعلان الأميركي تعبيراً
عن خفة أو ضعف أو رد فعل على القرار الإيراني، وفي حال كان هناك نوع من غض النظر عن إيصال باخرة النفط الإيرانية إلى لبنان،
فالأرجح أنه فخ يشبه الفخاخ التي كانت تنصب للبنان طوال السنوات الماضية عبر اتباع سياسة
غض النظر وإطالة “الحبل للغرق” في الانهيار أكثر فأكثر”.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أن “خط الغاز المصري-الأردني يرتبط بأنابيب الغاز الإسرائيلية،
وحصول لبنان على هذا الغاز يعني ضمنياً علاقة “غازية” غير مباشرة بإسرائيل،
والأهم من ذلك أن قرار إيصال الغاز إلى لبنان لا بد أن يمرّ عبر سوريا مع استثنائه من قانون قيصر”.
ويرى الربيع أن “الكرة باتت في ملعب النظام السوري، الذي يمكنه الاستفادة من ذلك في مجالين،
الحصول على اعتراف أميركي، واستثنائه من العقوبات، وتحقيق مكاسب مالية، والمجال الثاني هو التطبيع مع عدد من الدول العربية”.
وإذا وافق النظام السوري، يكون ذلك عنواناً لمواجهة النفط الإيراني بالتشبيك مع خط الغاز الإسرائيلي
، وهذا لا بد أن تكون له تبعات سياسية على المدى الأبعد.
أما إذا رفض نظام الأسد ذلك، فهناك قدرة على إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية
غير الخاضعة لسيطرة النظام، أي أراضي الجولان المحتل.
ويشير الربيع إلى أنه “تبرز هناك سابقة أساسية تتعلق بإيصال النفط السعودي إلى لبنان
عبر الجولان منذ عام 1967 إلى عام 1975، أي بعد إغلاق قناة السويس إثر حرب 67، ولم يفتح خط التابلاين إلا بعد إعادة فتح قناة السويس”.
ويرى الربيع أن “التوقيت الأميركي الذي يشير للإعلان عن هذه الخطوة هو ردّ واضح المعالم يتجلى
في إتيان حزب الله بإيران أكثر فأكثر إلى لبنان، ودفع إسرائيل إلى الانخراط أكثر في اليوميات اللبنانية”.