حسان دياب Wanted: سيناريو الجاهليّة 2؟!
ملاك عقيل – اساس ميديا
“الموقع بالموقع والبادئ أظلم”. هي المعادلة التي تعكس جزءاً من الصراع المفتوح بين المحقّق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار والمدّعى عليهم حتّى الآن في القضية.
وبعد بيان نادي رؤساء الحكومات السابقين رفضاً لمذكّرة الإحضار التي سطّرها البيطار بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، استنفرت “الجبهات” الداعمة على مستوى الطائفة من خلال موقف مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان الذي ثبّت الرابط بين “الرئاستين” ربطاً بأداء المحقّق العدلي، بالإشارة إلى أنّ “موقع رئاسة الحكومة لا يقلّ أبداً أهمّيّةً وقدراً عن أيّ موقع رئاسيّ آخر، واحترامه واجب”. وفي السياق الدفاعي نفسه صدر بيان “اللقاء التشاوري”.
أمّا على المستوى السياسي فقد أرسلت الأمانة العامة لمجلس النواب كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية يُفيد بأنّ “ورقة الإحضار هي إجراء لا يعود اختصاصه إلى القضاء العدلي، وهو موضوع ملاحقة أمام المجلس النيابي تمهيداً للسير بالإجراءات اللازمة”.
وهذا يعني، بمفهوم كتاب مجلس النواب، أن لا قيمة قانونية لإجراء البيطار بحقّ دياب، الذي استند إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو يقطع الطريق على احتمال صدور مذكّرة توقيف غيابية بحقّه، ويفرِّغها مسبقاً من مضمونها.
قانوناً يتولّى المحامي العام التمييزي الناظر في القضية القاضي غسان الخوري تنفيذ المُذكّرة بحقّ دياب بالطلب من الضابطة العدلية التي يُحدّدها أن تحضره من منزله أو من السراي الحكومي.
ووفق نصّ المذكّرة “كلّ مأمور قوّة مسلّحة مكلّفٌ بإحضار الشخص الوارد اسمه في الورقة إلى دائرة المحقّق العدلي لأجل استنطاقه واستجوابه، ويمكن عند الاقتضاء الاستعانة بالقوّة المسلّحة الموجودة في أقرب مكان لإنفاذ الورقة النافذة في جميع الأراضي اللبنانية، وعلى الضابط العدلي إحضار الموقوف بمهلة أقصاها 24 ساعة تحت طائلة المسؤولية”. مع العلم أنّ القاضي الخوري كان رفض إعطاء الإذن بملاحقة اللواء عباس إبراهيم واللواء طوني صليبا المدّعى عليهما في القضية.
لا يمكن توقّع سيناريو مشابه لسيناريو “الجاهليّة” حين كُلِّفت القوى الأمنيّة بإحضار الوزير السابق وئام وهاب، وكادت المواجهة أن تؤدّي إلى وقوع مجزرة، لكن بالسياسة هذا ما يحصل فعلاً من خلال “إطلاق النار” السياسي على أداء البيطار “المشبوه”، برأي فريق سياسي كبير.
في الواقع، بات التحقيق في انفجار المرفأ أمام مشهد سوريالي، إذ إنّ أيّ اجتماع أمنيّ أو اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع بات يضمّ ثلاثة مطلوبين للعدالة تقف الحصانات أمام مثولهم أمام المحقّق العدلي، إضافة إلى ما لا يقلّ عن ثلاثة “مشتبه” بهم لعلمهم بوجود النيترات لم يستدعِهم البيطار بعد إلى التحقيق، وعلى رأسهم ميشال عون.
ويعتبر الفاصل الزمني بين صدور المذكّرة وتحديد موعد الاستجواب في 20 أيلول المقبل بعيداً نسبيّاً، وهذا ما ينزع صفة “العجلة” عن المثول أمام القاضي، ربّما لإعطاء دياب الوقت الكافي لكي “يُدبّر رأسه”.
لكنّ المعطيات تؤكّد أنّ دياب، مدعوماً من حماة الموقع، لن يمثل أمام البيطار.
وفيما تردّدت معلومات عن توجّه النيابة العامّة التمييزية إلى ردّ مذكّرة الإحضار لكون دياب في سدّة المسؤولية ومحصّناً دستورياً، والأجهزة الأمنيّة هي تحت سلطته، فإنّ مصادر قضائية بارزة تؤكّد لـ”أساس” أنّ “النيابة العامّة ملزمة بالتنفيذ قبل 24 أو 48 ساعة من يوم الجلسة، وفي هذه الحال تطلب عادة من قوى الأمن الداخلي، كضابطة عدلية، القيام بالمهمّة. لكن أمام موقف مجلس النواب أمس تستطيع النيابة العامّة، وعلى الطريقة اللبنانية ومن دون قاعدة قانونية، الاستناد إلى هذا الموقف لتتريّث بالردّ لكون الملف موضع ملاحقة أمام مجلس النواب صاحب الاختصاص وفق ردّ الأمانة العامة”.
وترافقت خطوة البيطار مجدّداً مع سلسلة مؤشّرات تدلّل على ثغرات في التحقيق وشوائب في صدقيّته،
إنْ لناحية تسريب نصّ المذكّرة بشكلها الأصلي، أو لقاء المحقّق العدلي وفد أهالي الضحايا قبل
إصداره مذكّرة الإحضار بوقت قليل، ثمّ خروج وليام نون شقيق الشهيد جو نون معلناً
“عن قرار حلو وبيعجب خاطركم ستسمعونه قريباً من المحقّق العدلي الذي وعدنا أنّه بصدد اتّخاذ كل الإجراءات اللازمة لاستكمال التحقيق”.
ويبرز أيضاً تمنّع البيطار حتّى الآن عن الاستماع إلى رئيس الجمهورية الذي سبق
أن أعلن في 30 تموز الفائت، بعد لقائه مدّعي عام التمييز المُتنحّي عن
القضية القاضي غسان عويدات، “استعداده المطلق للإدلاء بإفادته في قضية انفجار المرفأ، إذا رغب المحقّق العدلي بالاستماع إليه”.
يَعلم البيطار أنّ ردّة الفعل على مستوى الطائفة السنّيّة ومرجعيّاتها ستكون
هي نفسها حتى لو كان عبد الرحيم مراد مكان حسان دياب في السراي! مشكلة الأخير ستكون كيفيّة التعاطي
معه في حال صدور مراسيم حكومة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، إذ سيخسر مبدئياً
“غطاء أخصامه” ممّن يدعمونه اليوم تحت عنوان حماية موقع رئاسة الحكومة.
وقد رَفَعَ نادي رؤساء الحكومات السابقين السقف إلى حدّه الأقصى بعد إصدار البيطار مذكّرة الإحضار،
التي تشكّل إجراءً غير مسبوق في تاريخ لبنان، وذلك بتوجيهه اتّهاماً غير مسبوق أيضاً إلى رئيس الجمهورية
باحتمال التسبّب بالقتل باعتبار “أنّ مدّة الخمسة عشر يوماً التي علم فيها ميشال عون بوجود نيترات الأمونيوم
قبل الانفجار هي مدّة زمنية كافية لتفكيك قنبلة نووية، فكيف الحال بالنسبة إلى هذه الموادّ القابلة للتفجير…
وبالتالي تقاعَسَ فخامته، وامتنع عن القيام بأيّ عمل ذي قيمة عمليّة للحؤول دون حصول تلك الكارثة”.
وما كان يُقال في الكواليس بات حديث الساعة وعلناً لدى هذا الفريق السياسي:
لماذا جرّ حسان دياب إلى التحقيق كمدّعى عليه مع وزراء سابقين وليس رئيس الجمهورية
“الذي كان يعلم”، ومعه قائد الجيش الحالي ووزراء الدفاع ووزراء العدل السابقون والحاليون..؟
وبلغ مستوى الكباش حدّ اعتبار نادي رؤساء الحكومات السابقين إجراء المحقّق العدلي “إعلاناً مفضوحاً عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا”.
وهذا الموقف ردّت عليه رئاسة الجمهورية بتأخير يومٍ واحدٍ، مذكِّرة بأنّ عون
“وضع نفسه بتصرّف المحقّق العدلي، وبأنّ العدالة لا تنال من أيّ موقع دستوري إذا مورست
من جانب المرجع المختصّ”. وحَمَلت على “ارتفاع الخطوط المذهبية والطائفية لدى كلّ
مساءلة كما جرى مع رؤساء الحكومات بتضامن بعضهم مع البعض الآخر بحجّة استهداف الموقع الدستوري الثالث”.
والمفارقة أنّ رئاسة الجمهورية تخوض كباشاً مع الرئيس المكلّف تشكيل
حكومة نجيب ميقاتي، أحد أعضاء “النادي” الذي يتّهم الرئيس عون صراحةً بالتسبّب بانفجار المرفأ.
وبغضّ النظر عن الغبار السياسي الكثيف الذي يحيط بتحقيقات المرفأ،
توضح مصادر قضائية لـ”أساس” أنّ “الموظف من الفئة الخامسة تستوجب ملاحقته في الجرائم العادية
أمام القضاء العدلي أخذ الإذن بالملاحقة، فهل يُعقَل ألّا يحتاج استجواب رئيس حكومة
إلى هذا الإذن، وهل حصانته أقلّ من حصانة موظف فئة خامسة؟ مع العلم أنّ هناك أصولاً خاصة
دستورية لمحاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء،
تماماً كما لرئيس الجمهورية أصول خاصة لملاحقته، وكما للقضاة محكمتهم الخاصة”.
وردّاً على سؤال عن الفوارق التي تميّز تعاطي المحقّق العدلي مع رئيس الحكومة
ومع القادة الأمنيّين، توضح المصادر: “في موضوع اللواء عباس إبراهيم واللواء طوني صليبا صلاحيّة المحقّق العدلي ثابتة،
ولا أحد ينازعه عليها، لكنّه بالمقابل لم يحصل على الإذن بالملاحقة
وانتهى الأمر هنا. أمّا في ما يتعلّق برئيس الحكومة فالأمر مرتبط أوّلاً بالصلاحية، فيما المحقّق العدلي يعتبر الجرم عاديّاً ويدخل ضمن صلاحيّته”.
وفي السياق نفسه، تقول المصادر “هناك خطأ كبير في انطلاقة التحقيق الجزائي في القضية من معادلة:
“هل علمت أو لم تعلم؟ وماذا فعلت حين علمت أو وصلك مستند؟”
. فادّعاء البيطار قائم ليس فقط على الإهمال، بل على القصد الاحتمالي بالقتل،
فهل الجرم الجزائي يكون مبنيّاً على مراسلات توثّق تكوّن قنبلة بحجم انفجار غير نووي؟؟
وحتّى إذا سلّمنا بهذه المعادلة، أفلم يكن واجباً التحقيق مع رأس الهرم أوّلاً، أي رئيس الجمهورية”.