ما الذي يُقلق “حزب الله” من تحقيقات البيطار؟
بقلم غادة حلاوي – نداء الوطن
لم يعد خافياً توجّس “حزب الله” من المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، لا سيما بعدما رفضت محكمة الاستئناف طلبات إقصاء القاضي البيطار عن القضية وردّت الدعاوى المقدمة من ثلاثة نواب، لكفّ يده. إستأنف البيطار تحقيقاته من حيث توقفت، فما الذي يُقلق “حزب الله” من تحقيقات البيطار وكيف يفكر حيالها؟
بعيداً من رواية مسؤول الامن والارتباط الحاج وفيق صفا التي شاعت في أروقة العدلية والتي يرفض “حزب الله” لغاية اليوم التعليق عليها، كما يرفض الحديث بالمباشر عن قضية المرفأ والتحقيقات التي يجريها البيطار، لكن من يعرف “حزب الله” وكيفية مقاربته للأمور له ان يستنتج عدم اطمئنانه لسيرها، وقد يكون بالتأكيد ابلغ المعنيين بهواجسه ولفت الانتباه الى وجود خلل في التعاطي القضائي في القضية فضلاً عن الاستنسابية. جهات قضائية في مواقع مسؤولة تعرف تحفظات “الحزب” كما القاضي البيطار الذي وقبل ان تتناهى لمسامعه ملاحظات “حزب الله”، سمع من زملاء له في السلك القضائي ملاحظات على “اجراءاته غير القانونية مع الاشخاص الذين يستدعيهم او يدعي عليهم، قبل حتى ان يستمع الى افادتهم”. خوف بعض القضاء على البيطار مرده بالنسبة إليهم يعود إلى “تماهيه العاطفي” مع اهالي الشهداء الى حد إغفال الاسس القانونية، والتصرف بكيدية مع السياسيين لا سيما بعد عودته الى التحقيق مجدداً في القضية.
هذا في الشق المتعلق بالقضاء، اما لناحية “حزب الله”، فقد يكون في ذهنه ان ما يفعله البيطار هو التلطي خلف ستار من القنابل الدخانية اسمه علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر وغيرهم، بينما الهدف الحقيقي هو الانتهاء بإصدار قرار ظني يتهم “حزب الله” بالتسبب بانفجار المرفأ. هو اذا اتهام سياسي يتخوف منه “حزب الله” الذي بات يسجل ملاحظات على تحقيقات البيطار لارتكازها على الاستنسابية وغياب الشروط القانونية ووحدة المعايير.
طال صبر “حزب الله” على البيطار ايماناً منه بامكانية ان يصوّب عمله القضائي ويحصره ضمن اطر قانونية وقضائية وتحت قواعد قوس المحكمة وليس بالسياسة، فعمله القضائي المسيس لن يواجه الا بالسياسة. لدى “حزب الله” على ما يبدو ما يكفي من القناعة ان التحقيق سلك مسلكاً بعيداً في السياسة وأخذ منحى من التسييس، غرضه الاوحد الوصول الى قرار ظني ضده قبيل موعد الانتخابات النيابية، ما يلحق الضرر بـ”الحزب” وبحلفائه، فلمصلحة من تحقيق مثل هذه الغاية؟ اذا حصل فهو سيصب حتماً في مصلحة مرشحي مؤسسات المجتمع المدني وNGOs ومصلحة السفارة الاميركية، التي تتدخل في التحقيق بشكل ثابت ومؤكد، ما يعزز توجس “حزب الله” وقلقه من “اداء البيطار الاقرب من السياسة والبعيد عن القضاء”، ولذا فان كل ما يفعله حتى اليوم ليس سوى ستار دخاني او قنابل دخانية معروفة الهدف.
كأن “حزب الله” على يقين أن البيطار كان ينوي توقيف مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في المحكمة،
رغم قربه من كل الاطياف السياسية وعلاقاته الاجنبية والعربية، الا ان البيطار اراد ايصال رسالة
في السياسة مضمونها يقول اني اوقف من عيّنه “حزب الله” في منصبه،
تماماً كما ينوي توقيف الخليل وفنيانوس وزعيتر للقضاء عليهم انتخابياً.
لكن السؤال الجوهري ماذا بعدما استأنف البيطار تحقيقاته من حيث توقفت؟ من ملاحظات “الحزب” وتحفظاته
يمكن التوقع أن تداعيات انفجار المرفأ السياسية، توشك ان تكون شبيهة بتلك التداعيات التي حصلت
على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005. ثمة شعور لدى “حزب الله” ان البيطار خرج
عن الاصول القانونية وبات يتصرف باستنسابية وكيدية سياسية وتماهٍ مع اهالي الشهداء،
بعيداً من اتباع الاصول القانونية للقضية. مجريات التحقيق التي يتبعها البيطار
ورد الفعل السياسي حيالها تنذر بان الامور تتجه نحو مشكل كبير وقنبلة سياسية
من العيار الثقيل، انفجارها سيقود البلاد الى الاجواء ذاتها التي اعقبت انفجار العام 2005 وقيام المحكمة الدولية،
ذلك أن المطلوب النيل من “حزب الله” على عتبة انطلاق الانتخابات النيابية، سياسياً واخلاقياً،
والنيل من حلفائه سياسياً واخلاقياً وانتخابياً وهو ما لا يمكن السكوت عنه.
سؤال آخر جوهري، هل سيتم تدارك ما يقوم به البيطار تلافياً لأزمة؟ والجواب تعبر عنه معطيات مصادر قضائية تجزم
بان المحقق العدلي سيعدّل سلوكه، خصوصاً وان المطلوبين من قبله سيتخلفون عن الحضور مجدداً،
ما يجعله مجبراً على البحث عن مخرج يثبت عدم وجود نية مسبقة لتوقيفهم.
ذلك ان البيطار ورغم كل التأييد المحلي والدولي الذي حصده الا انه سيكون مضطراً للتعاطي بمرونة والتزام
الاسس القانونية لتأمين سير التحقيقات، خاصة وان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حسمها بالامس
بالركون الى الدستور الذي “يقول إن محاكمة الرؤساء والوزراء تتم أمام محكمة خاصة”،
وإذ أكد على مصداقية المحقق العدلي فقد لفت نظره لوجود “فارق بين الشعبوية وتطبيق الدستور”،
بما يخفي اعتباره ان البيطار تعاطى بشعبوية اكثر مما التزم بتطبيق الدستور.