“المقبلون على تجميع الدولارات قد يخسرون”..
المصدر: النهار
لا شك في أن أزمة لبنان الاقتصادية والاجتماعية والمالية شغلت أذهان اللبنانيين ودفعتهم، إذا كانوا من الشباب، إلى التفكير في #الهجرة لاكتساب سبل العيش أولاً ومن ثم العمل على ترسيخ اسس للازدهار والاستقرار في المستقبل.
وخسارة لبنان نحو 200 ألف شاب وشابة يتمتعون بالصحة وفي حالات كثيرة بمواهب مهنية طبية وهندسية وتعليمية ومعلوماتية، وهؤلاء من ركائز المستقبل لو قيِّض لهم الانضمام إلى اجيال المنتجين في لبنان، لكن الحكم لم يلتفت إلى هؤلاء إلا عندما وفّر رفيق الحريري المنح التعليمية الجامعية لـ 35 ألف طالب وطالبة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
اللبنانيون المنشغلون بمختلف جوانب الازمة يبحثون عن المستقبل بمحاكمة الماضي ولا يجدون سبيلاً لتعويض ما فاتهم او مجالات للعمل المجدي في لبنان، وبالتالي تكاثرت تعليقات الكتّاب سواء كانوا من فئة الملمّين بعلوم الاقتصاد والمال أم غيرهم. فالهمّ الاقتصادي والمالي والاجتماعي طغى على توقعات الشباب اللبناني، وتعددت الآراء حول معالجة الازمة ولم يكن بينها برنامج واضح لتعديل نسق الحكم واهدافه، والنسق السائد تخلت عنه بلدان متطورة منذ عشرات السنين. ربما لا يعرف اللبنانيون ان قائد سنغافورة – لي كوان يو – زار لبنان اوائل الستينات واعتبر ان نظامه السيادي والاقتصادي هو ما يريد تحقيقه، لكنه بالفعل والتصميم تجاوز كل ما حلمنا بتحقيقه، وسنغافورة بلد صغير نسبيًا تختلط فيه الاديان والاصول،
ومع ذلك ومع نسبة انخفاض عدد سكانه مقارنة بالبلدان الرئيسية في العالم،
اصبح معدل دخل الفرد في سنغافورة يضاهي ما يتحقق للسويسري والالماني،
وهذا المعدل هو الثالث عالميًا، والمعدل الاعلى في العالم هو للنروج البلد المنتج للنفط وعدد سكانه لا يتجاوز الـ 8 ملايين،
ومع ذلك يبلغ احتياط الصندوق السيادي 1.4 تريليون دولار،
اي ما يكفي لتأمين دخل سنوي مربح لجميع المواطنين في حال استمرار النظام النقدي العالمي.
لكن الاوروبيين، والاميركيين، واليابانيين جميعهم يخشون تفجر ازمة مالية دولية تتجاوز مفاعيلها ازمة عام 2008،
وفي لبنان لم نقرأ لمحلل واحد تقييما للخطر الداهم الذي قد يؤدي إلى تعثّر الدولار كعملة دولية، ولهذا السبب ندرج التحذير الآتي:
كتلة ديون البنوك المركزية، الناتجة من طبع تريليونات المقترضات لمعالجة آثار ازمة 2008 بدأت تشكل في حجمها
وتوسعها خطرًا على مستقبل الاقتصاد العالمي، ونكتفي هنا بعرض امكان تفجر ازمة تطيح الدولار كعملة احتياط وتسديد قيم المبادلات التجارية.
الدين المترتب على البنوك المركزية والناتج من طباعة العملة، وبخاصة منها الدولار، يضاهي الـ 30 تريليون دولار،
والتريليون يساوي ألف مليار دولار، وبالتالي اصبحت الولايات المتحدة مدينة بسبب تريليونات اصدارات الدولار بأكثر
من دخلها القومي الذي كان يُعتبر بناسه يوازي نسبة 25% من الانتاج العالمي للدول الصناعية.
ولأجل توضيح مخاطرهذا الدين، نفيد بان لدى الصين سندات دين اميركية تستحق على مدى سنوات تبلغ 3 تريليونات دولار، اي ما يفوق حجم الدخل السنوي الاميركي.
والصين بسبب نجاحها المالي والتكنولوجي أصبحت محط محاولات الحد من توسعها والتطاول على مؤسساتها،
وقد تأخذ محاولات الولايات المتحدة لتقزيم دور الصين الاقتصادي والدولي مستويات عدائية تجعل الصين تقدِم
على تسويق 30% من السندات الأميركية خلال أقرب وقت لاستحقاقاتها، فتسهم في انخفاض قيمة هذه
السندات وتحطم صورة الولايات المتحدة كدولة تُعدّ عملتها أساس احتياطات الدول الصناعية.
في حال انهيار سعر صرف الدولار، الذي تبلغ نسبة اعتماده في الاقتصاد العالمي 60% لتسديد مستحقات التجارة الدولية،
سيواجه العالم ازمة مستحكمة لن يكون بالإمكان معالجتها بالتسيير الكمّي الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي للازمة المقبلة.
يجب ان يسعى لبنان إلى التحوّط من امكان تفجر ازمة الديون الاميركية ودور الدولار،
ولن يكون لنا من فرص سوى الاحتياط الذهبي الذي سترتفع قيمته بقوة بعد انهيار الدولار،
والمقبلون على تجميع الدولارات قد يخسرون أكثر مما حققوا من ارباح حتى تاريخه.