السيّد حسمها: فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة؟
كريستال خوري – اساس ميديا
قال الأمين العامّ لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير: “سليمان فرنجيه وقف معنا في الانتخابات، وقال لن أنزل إلى المجلس النيابي إذا ما نزلتوا، علماً أنّه لو نزل من دوننا مع بعض الحلفاء الآخرين كان بإمكانه أن يصبح رئيساً للجمهورية، وهذا ما لا يجب أن يُنسَى، وهذا موقف أخلاقي كبير جدّاً جدّاً جدّاً، وكبير لدينا أيضاً”.
في خطاب وصفه بـ”المفصليّ”، وخصّصه لعرض مضبطة اتّهاميّة بحقّ “القوات” على خلفيّة أحداث الطيّونة – عين الرمّانة، تقصّد نصر الله أن يوجّه هذه الرسالة الطيّبة إلى الحليف القديم سليمان فرنجية. الأهمّ أنّ التذكير بما فعله القطب الزغرتاويّ عشيّة الاستحقاق الرئاسي الأخير، جاء من خارج السياق، وكان بالإمكان إغفاله أو تجاوزه أو حتى عدم ذكره، ما دامت الأحداث الأمنيّة قد فرضت مساراً ذا طابع حادّ في المواجهة مع “القوات”، لا يستدعي أبداً نبش الأوراق الرئاسية بتعقيداتها.
لكنّ نصر الله تقصّد تضمين خطابه إشارة بالغة الأهميّة إلى الحليف الزغرتاويّ في توقيت سياسيّ شديد الحساسيّة، ووسط مسارين متّصلين بالوسط المسيحيّ:
– الأوّل يرتبط بالمواجهة المباشرة مع “القوات” التي قد تؤثّر على الشارع المسيحي إذا لم يُحسِن حلفاء “الحزب” توظيفها بشكل معاكس يحول دون استفادة الخصم منها للقضم من طبق جمهورَيْ “التيار الوطني الحر” و”المردة”.
– الثاني يتّصل بالتوتّر الخفيّ – المعلن في العلاقة مع الفريق العونيّ الذي ارتفع منسوبه بشكل فاقع مع الخيار المناقض الذي قرّرت الرئاسة الأولى سلوكه إزاء تحقيقات المرفأ وفي دعم المحقّق العدليّ القاضي طارق البيطار
كثيرة هي الشواهد التي تدلّ بالوجه الشرعيّ على أنّ أداء المحقّق العدليّ راكم المزيد من القضايا الخلافيّة بين حليفيْ تفاهم مار مخايل، ووضع كلّاً منهما على ضفّة مقابلة، بحيث صار الالتقاء بينهما صعباً جدّاً ويحتاج إلى الكثير من المجهود. في الواقع، بيّنت التطوّرات أنّ انحياز الفريق العونيّ إلى جانب المحقّق العدليّ زاد في أذهان الحزب من نسبة الشكوك في علاقته بـ”التيار الوطني الحر”، وتحديداً برئيسه جبران باسيل، (وهي بالأساس معتلّة ويشوبها الحذر وتناقض المصالح)، في ضوء ما يتسرّب للحزب عن إمكانيّة تضمين القرار الظنّيّ اتّهاماً صريحاً لـ”حزب الله” بالوقوف خلف انفجار الرابع من آب… ومع ذلك، لم يبدِ الفريق العونيّ أيّ تجاوب مع اعتراض “حزب الله” على سلوك المحقّق العدليّ. لا بل أصرّ على دعمه، وهو جانب من الغطاء السياسيّ، الذي يتظلّل به البيطار، إلى جانب المظلّة الدوليّة التي توفّرها كلٌّ من باريس وواشنطن بشكل يثير الارتياب، وفق مقاربة “الحزب” لهذا الملفّ
المعركة الرئاسية الباكرة
على خطٍّ موازٍ، دفع انتقال القوّات من وضعيّة القتال السياسي إلى القتال الميداني، وفق اتّهام “الحزب”، إلى تفكير هذا الأخير مليّاً في مستقبل علاقته بالشارع المسيحيّ وبحلفائه من زاوية العمل على تقوية مكانتيْهما لدى الرأي العامّ من باب التصدّي لتمدّد القوات.
ولعلّ هذين الاعتبارين هما اللذان أمليا على نصر الله سحب ورقة سليمان فرنجية
ووضعها باكراً على الطاولة، ما قد يؤدّي إلى تحريك مياه الاستحقاق الرئاسي,
ولو أنّه بقي حوالي 12 شهراً على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. لكنّ تذكير نصر الله
بوفاء القطب الزغرتاوي في هذا التوقيت بالذات وضمن المسار المتوتّر في العلاقة مع الفريق العونيّ،
قد يرسم أكثر من سيناريو.
في الواقع، انطلق الكلام عن خليفة ميشال عون في اليوم الثاني من تسلّم الأخير
سدّة الرئاسة نتيجة سلوكه الذي أوحى بأنّ عهده يهدف فقط إلى تمهيد الطريق أمام ترئيس باسيل.
ولعلّ هذا السبب هو الذي دفع معارضي العهد إلى وصفه بـ”الأكثر فشلاً”،
بعدما صبّت سياسات رئيس التيّار جميعها في خانة واحدة هي إعادة إنتاج التسويات
ذاتها التي أتت بالعماد عون رئيساً للجمهورية، ولو أنّ إسقاطها شبه مستحيل.
وعلى مسافة سنة من خروج الرئيس عون من قصر بعبدا، ثمّة مَن يقول إنّ لـ”حزب الله”
مصلحة في أن يتولّى المجلس الحالي مهمّة انتخاب خلف للرئيس عون ما دام مجلس العام 2022 ليس مضمون النتائج من حيث الأغلبيّة
لكن كيف السبيل إلى ذلك؟
لطالما تصرّف فرنجية وكأنّه رئيس “مع وقف التنفيذ”، متأكّداً من أنّ جلوسه على كرسي بعبدا
سيتحقّق لحظة يحسم “الحزب” خياره. ولطالما تصرّف الأخير على أساس أنّ “زعل” جبران باسيل خطّ أحمر، ليس محبّةً به،
بل لأنّ الأخير هو الأشطر في سياسة الابتزاز لدرجة استعداده أن يأخذ الشارع المسيحي
إلى ضفّة الخصومة مع الحزب في حال أقفل الأخير أذنيه على مطالب رئيس “التيار الوطني الحر”.
أكثر من مرّة، بلغت ملعقة الرئاسة فم فرنجية، وسُحِبت في اللحظات الأخيرة. أقلّه هكذا يعتقد.
في العام 2004، قبيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ظنّ أنّه سيكون خليفة إميل لحود،
لكنّ التمديد للأخير أعاده إلى صفوف المرشّحين الدائمين. في العام 2015،
حين قرّر سعد الحريري التفاهم معه، شعر بأنّ لقب فخامة الرئيس صار في الجيبة، لكنّ ميشال عون عاد وسحبه منه.
اليوم، ثمّة مَن يعتقد أنّ الظروف الإقليميّة لم تعُد “تعاديه”، وقد تسمح له بأن يكون “مرشّح المرشّحين”،
لكن يُفترض أن يسهِّل الطريق على حلفائه من خلال تقديم نفسه زعيماً مسيحيّاً ذا ثقل تمثيليّ.
وهنا لا بدّ من خوض الاستحقاق النيابي بجدارة ليخرج منه رئيساً لكتلة نيابية وازنة تسمح
بتجاوز القدرة التعطيليّة للكتلتين الخصمين الكبيرتين، التيّار والقوات، أو أن ينجح بالسياسة في كسب واحدة من هاتين الكتلتين..
فأيّ السيناريوَيْن سيحقّق؟ أم هو الشغور الاستنزافيّ؟
الأرجح أنّ باسيل سيتسلّح بهذه الخطة، ويبذل “ما بقي” من جهده وهو ليس بكثير لحرمانه منها للمرّة الثالثة على التوالي؟