البخاري يُحرّض على لبنانيي الخليج؟
المصدر: ليبانون ديبايت
يعشق السفير وليد البخاري إفتعال الجلبة! منذ تاريخ تعيينه سفيراً للمملكة العربية السعودية في لبنان، ما انفكّ عن تحويل أي مسألة صغيرة إلى قضية رأي عام.
أحياناً، سقطات بعض المسؤولين تؤدي للسفير البخاري خدمة جليلة. المسألة تتجاوز صراحة الوزير جورج قرداحي أو الوزير السابق شربل وهبي. في الواقع هما لا يهمّان البخاري، إلاّ في استخدام ما صدر عنهما في سياق تأجيج الشرخ اللبناني السعودي واستخدام ما تقدّم في سياق تبرير الأزمة بين لبنان والسعودية ولتقديم الحجج في الاستمرار في مقاطعة لبنان. في النهاية ذاك السفير يبحث عن “المشاكل” ولعله عُيّن في لبنان لهذا الهدف طالما أن هذا البلد قد خرج من دائرة إهتمام المملكة (كما يقولون).
اللافت في هذا المسار، أو الشيء الذي لا يجب تجاوزه قط، أنه وفي كل مرّة يحضر البخاري إلى لبنان قادماً من المملكة، يفتعل أزمةً أو يخلق أزمةً من لا شيء. يتكرّر هذا السيناريو على نحوٍ مريب وفاقع، ما حدا بمراقبين للإعتقاد بأن صاحب السعادة “يغوى” إحاطة قدومه في كل مرّة بعناصر تشويقية تزيد من الجذب الإعلامي، وربما ذلك يفيده في مسار تكريس نفسه كحالةٍ سعودية خاصة في لبنان، أو إظهار مدى قدرته على التأثير في العلاقة أو لأجل تحريك بعض أصدقاء المملكة من المحرجين الذين لا يعبّرون دورياً عن حسن السلوك تجاه المملكة. و لا لبس هنا، من أن يكون “نموذج البخاري” واحد من مجموعة مميزة عن باقي السفراء السعوديين الذين خدموا في بيروت بفعل كمية الإستفزاز التي يضخّها في البلد، ومدى قدرته على جذب عناصر حيوية تعمل في خدمة المملكة واستيعاب آخرين تواقين لأداء فروض الطاعة السياسية.
في الواقع، يستفيد سفير مملكة الخير من “جيش إعلامي” جرار أقرب إلى كتبة التقارير منه إلى صحافيين. أناس، “شاطرين” في نبش التصريحات الخاصة بالسياسيين وإسقاطها في غير زمانها ومكانها لافتعال مشكلة، تماماً كما حدث مع الوزير قرداحي.
قبل مدّة وحيزة، وصف مرجع سياسي عتيق أحد الصحافيين بأنه “جاسوس” يعمل لمصلحة السفير البخاري! سمّى ذاك الصحافي بالاسم، وقد وصل إلى قناعته تلك بعد تسريب محضر لقاء كان ذلك الصحافي مشاركاً فيه. إذاً بعض السفراء في لبنان ومنهم السفير السعودي طبعاً، يجنّدون الصحافيين وآخرين، ويوظفونهم في خدمة أجندة معينة.
نحن نتحدث هنا عن أذرع إعلامية نشطة، عن “كتيبة جواسيس” تشبه فروع الـNGO’s، تتحرك عن الإشارة أو وفق المصلحة، يريدهم السفير وسواه من السفراء “خداماً” لأداء وظيفة معينة: تحريك الرأي العام. يحدث ذلك عبر شنّ هجمات إعلامية مكثفة عبر وسائل إعلام واستدراج مواقف من قبل شخصيات سياسية، ما يتيح لهم خلق “حالة من الهلع والارباك السياسيين” تستدرج ردود فعل متنوعة. حدث ذلك حين “زحط” الوزير وهبي، بسؤال وتكرر حدوثه حين عبّر وزير الإعلام الحالي، عن رأيه بمسألة إقليمية بصراحة.
إذاً نحن ببساطة أمام سفير يتدخل بشؤون البلاد السياسية ويدير مجموعات من الصحافيين والمفكرين ويؤثر على سياسيين ما ينافي بنود إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي لا بدّ أن تكون المرجع لأداء السفير – أي سفير.
تتعاظم القضية أو تأخذ أشكالاً أخرى ملتوية حين يتحول السفير، أي سفير كان، إلى مصدر للريبة أو الخطر، إلى مصدر للوشاية أو التحريض على رعايا البلد الذي يستضيفه. توصيف كهذا ينطبق على ما ارتكبه البخاري أمس الأول، حين أعاد تغريد خبر منقول عن موقع إخباري سعودي يفيد بأن اللبنانيين العاملين في القنوات السعودية، قد يواجهون خطر الإستبعاد بسبب تصريحات الوزير قرداحي. بالمعنى العلمي، تعدّ إعادة التغريد (ولو جرى حذفها لاحقاً) تبياناً لهذا الكلام أو التوجه، وتعتبر أداةً للإبتزاز. فهل التحريض بهذا الشكل، يُعدّ إبداءاً للرأي أم تدخلاً سافراً في شؤون بلد وتحريض على سكانه؟ وهل نحن هنا أمام سفير أم شخص يسعى خلف الإنتقام؟
طالما أن القضية عميقة إلى هذا الحد، إذاً يمكن فتح قوس لدراسة ما وراء خلفية البخاري الفكرية أو أهدافه. في النتيجة هو يتواجد في بيروت لتمكين الحصار السياسي/الإقتصادي/التجاري السعودي على لبنان، وهذا يتقاطع طبعاً مع حصار مماثل تؤدي دوره الولايات المتحدة بإتقان. ثمة قضية أخرى لا مجال لإخفاء معالمها تتعلق بإفراط السعودية في الحساسية عند ذكر الملف اليمني. في النتيجة المملكة “تتحسّس” من تناول الحوثيين أو ذكر دورهم أو تناول ارتكابها في اليمن، وتحسّسهم ذا قد يكون نابعاً من الاخفاق أو بسبب التقدم الحوثي، وقد تكون إثارة الغبار السياسي في لبنان أو افتعال أزمات من لا شيء نظرياً، تأتي في خدمة المسعى السعودي للربط بين الساحتين اليمنية و اللبنانية.. في النتيجة، لم يعد سراً أن الرياض طرحت منذ مدة على “حزب الله” عبر وسيط، الربط بين الساحتين بمعنى تقديم تنازلات في اليمن تقابلها أخرى في بيروت.
ثمة قضيةٌ موازية لا بدّ من الإضاءة عليها دوماً وتتصل بالضغط السعودي في لبنان. وإن أخذنا الواقعية السياسية، قد تكون المملكة تقرّ بعجزها أو بصعوبة إيجاد حل لقضية الحزب في لبنان، لذلك تعمل على زيادة منسوب الضغط عليه، تارةً عبر افتعال أزمات سياسية على شاكلة “الكبتاغون”، وتارةً أخرى عبر استغلال كلام مسؤولين وإسقاطه على الحزب أو تحميله مسؤوليته للتأثير عليه، بشدة، والشقّ الأخير هنا لا بدّ أنه ينفع –بالنسبة إلى المملكة- في زيادة الضغط الشعبي على الحزب عبر تحميله نتائج التمادي السعودي في حصار لبنان وتعميق أزماته، ولما لا ؟ قد تكون المملكة تبحث، حتى في الأسباب الصغيرة أو تلك التافهة أحياناً، عن تأمين تنازل ولو محدود من جانب “حزب الله” ينفع تصريفه في صنعاء وليس في بيروت، وكله في سبيل إنعاش الأزمة اليمنية وتعزيز موقع السعودية فيها.
وعليه، لا بدّ أن السفير السعودي سيمضي في هذا الاتجاه ولن يتوقف. بالأمس علي بركات و شربل وهبي واليوم جورج قرداحي وربما غداً آخرين، لما لا؟