وزير الصحة اللبناني السابق على رأس دراسة علمية سُحبت بسبب التلاعب!
المصدر: ch23
درج: ندى محمد – باحثة في علوم الأحياء في جامعة اكسفورد البريطانية
نعم، جميعنا نخطئ والعلماء أيضاً ليسوا منزهين عن الخطأ ولكن الدقة العلمية وضميرها المهني هو ما يدفع العلم إلى الأمام وما يزيد من معرفتنا ويقصر من المسافة نحو الحقيقة.
فضيحة “علمية” هذه المرة، بطلتها دراسة بحثية “لبنانية” تم نشرها باسم وزارة الصحة اللبنانية ممثلةً بالوزير السابق حمد حسن كما الجامعة اللبنانية، في أيار/ مايو، ليتم سحبها والتراجع عنها راهناً، بعد نشرها، بسبب أخطاء وتلاعب في المعطيات.
هنا عرض لمضمون الدراسة والتراجع عنها بسبب المغالطات البحثية بل والمفبركة التي احتوتها.
إشكالية البرهان: الـ”أفيرمكتين” مثالاً
الـ”أفيرمكتين” هو دواء يستخدم أساساً لعلاج الإصابة بالطفيليات كالعمى النهري وحتى الجرب لدى البشر، إلى أمراض طفيلية كثيرة عند الحيوان. وقد لقي العقار شعبية واسعة مع تفاقم أزمة “كورونا” حول العالم في عدد من الدول منها دول أميركا الجنوبية وحتى دول شرق أوسطية كلبنان، على رغم عدم وجود أدلة علمية كافية تثبت فعاليته في علاج إصابات “كوفيد- 19″، وعلى رغم توصيات منظمة الصحة العالمية بعدم استخدامه كعلاج الوباء، خارج إطار التجارب السريرية.
الدراسة موضع النقاش هنا تتناول تأثيرات استعمال الـ”أفيرمكتين” في النتائج السريرية على عدد من مرضى “كوفيد- 19” في لبنان، وكان قد تقدم القيمون عليها بطلب نشرها في مجلة Viruses العلمية، ليتم نشرها بالفعل اواخر شهر ايار الماضي في المجلة المذكورة. الدراسة التي تحمل اسم وزير الصحة السابق حمد حسن كمؤلف وقيم على الدراسة من بين أسماء أخرى من الجامعة اللبنانية كعلي سماحة وحميد بو صعب (الذي كان قد ترشح لمنصب تمثيل أساتذة الجامعة اللبنانية) ادعت فعالية إيجابية لعقار الـ”أفيرمكتين” في علاج عدد من المصابين بفايروس “كوفيد- 19” في لبنان.
هذه الدراسة تم التراجع عنها وسحبها من النشر بعد طلب من الناشرين ليتبين أنها تحمل ملفات خاطئة لا بل مفبركة بحسب تصريحات نسبت إلى المؤلفين.
فهل يتحمل الوزير حمد حسن وزملاؤه المسؤولية؟ وما تداعيات فضيحة كهذه على البحث العلمي في لبنان؟
هذه ليست المرة الأولى طبعاً التي يتم فيها التراجع عن نشر دراسات لها علاقة بالموضوع عينه، أي فعالية الـ”أفيرمكتين” كعلاج محتمل للإصابة بـ”كوفيد- 19″. وقد حذرت من هذا الموضوع مجلات علمية منها مجلة nature. فقد ظهرت في الفترة الأخيرة دراسات مشبوهة آخرها كان من مصر وأميركا اللاتينية وقد تم سحبها لأسباب شبيهة متعلقة بتهم تلاعب في المعطيات وتلفيق أدلة.
إهمال أم تلاعب بالمعطيات؟
وفقاً لما ذكر على موقع المجلة العلمية ذات الشأن أي Viruses، فإن تحقيقاً قد فتح بالفعل في الموضوع بعد تواصل القيمين على الدراسة بمكتب التحرير بخصوص خطأ بين الملفات المستخدمة للتحليل الإحصائي وتشكيل البيانات. التحقيق الذي أجري على ضوء ذلك أكد الخطأ الذي أبلغ عنه المؤلفون، ليتم سحب الدراسة من النشر من دون تحديد تفاصيل ما حصل.
ولكن بحسب تقرير لـBBC بعنوان الـ”إفيرميكتن: كيف ابتكر العلم الزائف دواء معجزة لكوفيد”، وذكرت فيه الدراسة “اللبنانية” المسحوبة في سياق الحديث عن الدراسات “المشبوهة” والتي تناولت الـ”إفيرمكتين” كعلاج لـ”كوفيد- 19″، وتمت الإشارة إلى تلاعب في المعطيات بحيث أن تفاصيل 11 مريضاً، تم نسخها ولصقها مراراً، ما يشير إلى أن عدداً من المرضى المذكورين في الدراسة لا وجود لهم في الأصل بل تم اختلاق معطياتهم.
كما نقلت الـBBC تصريحاً عن لسان القيمين على الدراسة يقول إن “مجموعة البيانات الأصلية تم التلاعب بها أو تخريبها أو إدخالها من طريق الخطأ في الملف” بحسب ما ذكر الموقع.
وفي هذا الإطار، تصريحٌ لعلي سماحة، الذي يقف خلف الدراسة كمؤلف أساسي، بأن الخطأ قد تم اكتشافه بعد مراجعة مسودة البيانات ليتبين أن أحد الملفات التي كانت مخصصة لتدريب مساعد باحث، أُرسل من طريق الخطأ للتحليل! وقد أقدموا على طلب سحب الدراسة من باب الشفافية.
إذاً المشكلة هنا خطأ في الملفات وخلط في ما بينها! إذا تجاهلنا فرضية التلاعب بالمعطيات (لا سمح الله)، هل هذا يعني أن أياً من مؤلفي الدراسة الستة عشر، من بينهم وزير الصحة نفسه، لم يلتفت إلى خطأ فادح كهذا قبل ذلك؟ هل الإهمال المسؤول الأول إذاً؟
البحث العلمي… مسؤولية
نعم، جميعنا نخطئ والعلماء أيضاً ليسوا منزهين عن الخطأ ولكن الدقة العلمية وضميرها المهني هو ما يدفع العلم إلى الأمام وما يزيد من معرفتنا ويقصر من المسافة نحو الحقيقة. وبالتالي هناك ضرورة ملحة على الباحث تستدعي مراجعة المعطيات العلمية بدقة قبل نشرها. ذلك لما لها من تبعات ليس على مجرى البحث العلمي وحسب، بل على حياة أشخاص سوف تبنى على أبحاث كهذه لتحديد بروتوكولات علاجهم وحقائق علمية سوف تنحرف عن المسار بسبب معطيات مزورة عن قصد أو عن غير قصد.
المقلق أكثر هو أن أخطاء كهذه تهدد صدقية البحث العلمي في لبنان أمام العالم، وصدقية المؤسسات المسؤولة والمرتبطة به. في هذه الحالة، فإن موقع صدقية وزارة الصحة كما الجامعة اللبنانية العلمي والبحثي من بين مؤسسات أخرى، يبدو على المحك. فكيف إذا سُمح بأن تتكرر الأخطاء؟! فهل نحن في موقع تحمل تبعات كهذه بخاصة في بلد البحث العلمي فيه يصارع الموت نتيجة إهمال الدولة والفساد وغياب الدعم المادي؟
في بلد أصبح يعد من الدول الأكثر فشلاً وفساداً حول العالم، حوادث من هذا النوع ستضيف شبهة حول لبنان كمصدر غير موثوق علمياً وستضعنا في خانة البلدان التي لا يمكن الاعتماد عليها للحصول على بيانات. في لبنان علماء صادقون يعملون جاهدين وبالإمكانات القليلة، لكي نتقدم ولو مقدار قدم إلى الأمام، ومن غير العدل أن “يروح الصالح بعزا الطالح” رأفةً بما تبقى من بحث علمي في لبنان.