مُهرّبو الأموال و”اللاعبون الكبار” شركاء “كارتيل العار”… لا لوائح ولا من يُرسِلون
بقلم خالد ابو شقرا – نداء الوطن
التبادل التلقائي للمعلومات حول الحسابات المالية مع 96 دولة الذي أعلنت عنه سويسرا سيكون “سيفاً” ذا حدين “ينحر” اللبنانيين من الجهتين. فمن جهة لم ينجز لبنان بعد المتطلبات الدولية المتعلقة بالسرية وأمن البيانات، التي تخوله الاستفادة من كشف الحسابات وملاحقة المتهربين في الداخل ومحاسبتهم. ومن جهة ثانية سيؤدي التزام لبنان بتسليم البيانات الداخلية إلى ملاحقة المغتربين في دولهم في الخارج ممن يملكون حسابات محجوزة في المصارف اللبنانية.
مرة جديدة سيضيّع لبنان فرصة كشف الأموال غير الشرعية المهربة التي ستقدمها سويسرا الشهر القادم “على طبق من ذهب” لتبادل المعلومات حول الحسابات المالية. إذ وفقاً لبيان صادر عن “إدارة الضرائب الفيدرالية” مطلع هذا الأسبوع، ستسلم سويسرا معلومات حول 3.3 ملايين حساب لـ96 دولة حول العالم. الأمر الذي يسمح للسلطات الضريبية في الدول المشاركة بالتحقق مما إذا كان دافعو الضرائب قد أعلنوا عن حساباتهم المالية في الخارج بشكل صحيح في تصريحاتهم الضريبية.
لبنان لن يستفيد هذا العام من التبادل التلقائي للمعلومات لعدم “إيفائه بالمتطلبات الدولية المتعلقة بالسرية وأمن البيانات”، يقول رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) المحامي كريم ضاهر. فـ”المرحلة الثالثة والنهائية من مشروع التعاون ما زالت عالقة في وزارة المالية منذ أكثر من عامين. حيث أقر من خطة العمل 6 نقاط من أصل 9 تضمن استفادة لبنان من تلقي المعلومات المالية بين الدول المشاركة في المعاهدة”
التبادل التلقائي للمعلومات MCAA، الذي دخل حيز التنفيذ في سويسرا في كانون الثاني من العام 2017، أتى لتذليل العقبات التقنية التي رافقت التبادل الضريبي غب الطلب في المعاهدة متعددة الاطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي، التي تضم أكثر من 160 دولة حول العالم. ومن وقتها تقوم المصارف في نهاية حزيران بتجميع المعلومات عن العام السابق لصالح الدولة. على أن تسلمها الأخيرة إلى الدول الشريكة في الفترة الممتدة من أيلول ولغاية نهاية العام. فتعطى كل المعلومات التي تختص بالمودعين على أساس محل الاقامة الضريبية في البلدان المنتسبة إلى المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات. بيد أن آلية التبادل هذه محكومة بقيود صارمة تحمي المودعين والدول على حد سواء
وتحول دون رفع المودعين دعاوى قانونية في وجه الدول. ومن هنا قام كل من “المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات”، و”منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” (OECD) بوضع شروط تسمح للبلد بتلقي المعلومات المالية من دول ثانية. وفي حال عدم الالتزام بها أو تطبيقها “يتاح للبلد المشارك إعطاء المعلومات لكن لا يسمح له بان يتلقاها”، و”هذا هو واقع لبنان”، بحسب ضاهر. إذ إنه لم ينجز إلا مرحلتين من أصل ثلاث مطلوبة وهما:- إقرار مجموعة من القوانين، عرفت بقوانين الضرورة المالية، في العام 2015 تحت التهديد بفصل لبنان عن النظام المصرفي العالمي ووقف التحويلات ووضعه على اللائحة السوداء. ومنها: القانون 44 لمكافحة الفساد وتبييض الاموال.
– إصدار القانون 55 في العام 2016 الذي ألغى السرية المصرفية لغير المقيمين،
وسمح بتبادل المعلومات وفقاً لآلية التبادل غب الطلب والتلقائي. ووضع القانون 55 الآلية التي تلزم المصارف
باعطاء المعلومة للإدارة الضريبية اللبنانية حتى من دون أن تكون هناك موافقة من العميل،
مقابل حق الاعتراض في ظرف 3 أشهر أمام مجلس شورى الدولة. على أن يأخذ الاخير قراره بسرعة
بقيت المرحلة الثالثة والاخيرة، التي لا يمكن تجاوزها إلا عندما تعطي الدولة
ضمانات أن المعلومة التي تحصل عليها عن العميل المقيم على أراضيها ستتم المحافظة على سريتها بشكل مطلق ولن يتم افشاؤها.
وأن يكون الاشخاص الذين يتلقونها مؤتمنين. هذه الآلية التي تشبه “المراسيم التطبيقية”
جرت عرقلتها ولم يتم تنفيذها لسبب واضح، وهو أنه “ليس من مصلحة الطبقة السياسية
فضح من يملك حسابات في الخارج، وتحديداً بعد الفترة التي أعقبت ثورة 17 تشرين”، برأي ضاهر،
“ذلك أن جزءاً كبيراً من المنظومة يملك حسابات في الخارج. وهناك شبهات بعدم تسديد
ضرائبهم بالنسبة لايراد رؤوس الأموال المنقولة. ما يعني أن تهربهم من دفع الضرائب
لا يرتب اتهامهم بجنحة سنداً للمرسوم الاشتراعي 83/156، ومعاقبتهم بالحبس لـ 3 سنوات
ودفع الغرامات، إنما ملاحقتهم جزائياً بتهمة تبييض الأموال. خصوصاً من بعد إعطاء المشرع
تعريفاً للتهرب الضريبي بموجب المادة 57 من قانون الموازنة 144/2019. حيث يكفي أن يكون
المتهم قد هرب أمواله إلى الخارج من دون دفع الضرائب، ليعتبر الجرم تبييضاً للأموال وتطبيق
القانون 44 عليه. أي حجز الاموال في لبنان والخارج واعطاء الحق للدولة بالمطالبة باستردادها.
لغاية الانتهاء من تطبيق شروط الاستفادة من التبادل التلقائي للمعلومات المالية
سيبقى لبنان يعطي المعلومات عن المودعين لديه لـ64 دولة من أصل 160 دولة منتسبة
إلى المنتدى العالمي، ولا يحصل على أي معلومة عن حسابات المقيمين ضريبياً لديه في الخارج.
وهذه الدول الـ64 تضم كل المراكز المالية والملاذات الضريبية حول العالم.
الطامة الكبرى تتمثل بان “هناك الكثير من اللبنانيين المقيمين في دول الاغتراب
ويملكون حسابات في لبنان تتم ملاحقتهم بتهم التهرب الضريبي بناء على هذه المعلومات”،
بحسب ضاهر. و”حتى لو كانوا متهربين ضريبياً فان كشف حساباتهم في لبنان أدى إلى
ملاحقتهم من قبل الإدارات الضريبية في الدول المقيمين فيها وتطبيق عقوبات مالية كبيرة جداً عليهم. في المقابل فان أموالهم
محتجزة في المصارف اللبنانية ويتقاضونها بأقل من قيمتها الحقيقية بـ85 في المئة”.
المفارقة أن لبنان الذي يزوّد الإدارات الضريبية في الدول بمعلومات تسمح لها لملاحقة المتهربين ضريبياً
ممنوع عليه لغاية اللحظة أن يتلقى أي معلومات تسمح له بملاحقة مهربي الاموال بمليارات الدولارات
الموضوعة في مصارف هذه الدول. و”المطلوب من وزارة المالية اليوم قبل الغد الانتهاء من خطة
العمل ليسمح للبنان بالاستفادة من تبادل المعلومات”، يقول ضاهر. ذلك أنه إذا كان من الصعب
تثبيت تهم الفساد على بعض الطبقة الحاكمة الذين تدور حولهم الشبهات، فانه من السهل الايقاع
بهم عن طريق التهرب الضريبي. وهذه الطريقة أسميتها “طريقة آل كابوني” الذي سقط بعد
ملاحقته ضريبياً. فهل ينزع السياسيون الستر الأخير الواقي عنهم؟