اخبار محلية

اقتحام المنازل والقصور في لبنان وعلى الهواء مباشرةً… متى؟!

بقلم أنطون الفتى – أخبار اليوم

محزن أن يكون المشهد الإعلامي العام في البلد “غير صديق” للمساهمة في إخراج لبنان من أزماته.

فصحيح أن النّجاح في رفع السياسة الى مستوى “كمالات” الحقيقة والعدالة والقيم الإنسانية والأخلاقية، هو عمليّة شديدة التّعقيد والصّعوبة، ولكن الغرق في سيول أكاذيب بعض الضّيوف، قادر على إبقاء البلد سجين ما فيه، الى ما بعد دهور ربما.

كل شيء يزول، عندما تحضر الحقيقة، ومعها العدالة، والقِيَم الإنسانية والأخلاقية. ولا مكان للموضوعية نفسها، عندما تتحوّل الى سلاح يستعمله النّافذون، والمرهِّبون… لقتل الحقيقة، والعدالة، والقِيَم، ولإغراق المجتمعات والشّعوب بكلّ تفاهة، أو تعمية، أو كذب… وأبهى صورة للموضوعيّة القاتلة في بلدنا، هي التوجّه الى أسباب المشكلة، في طريق السّعي للوصول الى الحقائق، رغم أن الجميع يُدرِك أن من يخرّب، لا يمكنه أن يعمّر.

وبالتالي، كيف يمكن طرح سؤال على كاذب، أو منافق، أو مرتكب، أو متورّط… مسؤول عن أزمة مرتبطة بيوميات الناس، في هذا القطاع أو ذاك، في طريق كشف حقيقة ما نحن فيه من أزمات، وسعياً للوصول الى الحلّ العادل، رغم أن البلد كلّه يعلم أن هذا الشخص هو أحد أهمّ المُحتكرين مثلاً، أو الفاسدين، أو…؟

جميلٌ أن تتحمّس بعض وسائل الإعلام أحياناً، للتركيز على قضيّة معيّنة، مثل انفجار مرفأ بيروت، أو التحرّش الجنسي… ولكن البحث عن الحقيقة والعدالة لا يتناسق كثيراً مع “تنكيش” نوعيّة معيّنة من الضّيوف. فمن كان في صفوف الروضة، لا يحسن له دخول قاعة امتحانات البكالوريا. وهذا نقوله من باب الموضوعية نفسها، التي يحرص عليها البعض، بما يفوق تركيزهم على الحقيقة والعدالة.

أمر آخر نلاحظه في إعلامنا، وهو الطلاق الكبير مع جوهر ما يرتبط بأزماتنا.

فالأزمة الإنسانية تزداد، وستزداد أكثر. فأين هي البرامج التلفزيونيّة التي تساعد المرضى مثلاً، على التعامُل مع انقطاعهم عن أدويتهم، أو عن بعضها، والتي تقدّم لهم الإرشادات اللازمة في هذا الإطار، للبقاء بصحة جيّدة؟

وأين هي البرامج التلفزيونية القادرة على إرشاد الناس الى بعض البدائل الغذائية، والطبية، والحياتية… بالتعاون مع أصحاب الاختصاص، بعدما بات شراء الكثير من الأساسيات والضّرورات، أمراً مستحيلاً، أو متعذّراً؟

وأين هي البرامج التلفزيونية التي تخبرنا عن أحوال كبار السنّ في دور العَجَزَة، الذين ما كانوا يتلقّون الرعاية الجسدية والنفسية المناسبة، منذ أيام دولار الـ 1515؟ فهؤلاء لا بدّ من تخصيص مساحات كافية للتقصّي عن أحوالهم حالياً؟

وأين هي البرامج التلفزيونية التي تخبرنا عن أحوال الأولاد في دور الأيتام؟

فهؤلاء كان يُمكن طرح الكثير من الأسئلة عن أوضاعهم، خلال أيام دولار الـ 1515. فماذا عنها اليوم؟

وأين هي البرامج التي تُعنى بشؤون أصحاب الحاجات الخاصّة، وبالمدارس والمراكز المخصّصة للاهتمام بهم؟

هؤلاء كلّهم، لا بدّ من متابعة أحوالهم بما هو أوسع من تقرير إخباري، أو فقرة صغيرة،

أو ربما حلقة واحدة ضمن برنامج، وبما هو أكثر حركة من تقرير إلكتروني، أو مكتوب.

فالإنسان كائن متحرّك، فيه الحياة، والحياة حركة، وليست بطاقة تمويلية،

ولا بعض “الروتوش”. ولا شيء أفضل من برامج تلفزيونية مُتكامِلَة، ومستمرّة،

قادرة على مواكبة ما نحن فيه من كوارث، سعياً للوصول الى المجتمع السّليم.

فهذا هو السبيل الوحيد لاقتحام منازل وقصور السياسيين، والمسؤولين المدنيّين،

على اختلاف مسؤولياتهم، ضمن برامج تلفزيونية أيضاً، وربما مباشرة، وحَمْل كل الجائعين، والفقراء، والمرضى، والمشرّدين…

إليهم، من قِبَل من يقول لهم:”انظروا ما فعلته أيديكم… واستلم أنت هذه الحالة،

وأنت تلك الأخرى، وذلك بدلاً من الاكتفاء بالإضاءة على مسكين يبكي لتأمين قوته، أو علبة دواء، من حين الى آخر؟

صحيح أنه لا حاجة الى أي شهادة بشرية في ما سنقوله الآن. ولكن البابا القديس

يوحنا بولس الثاني كان محقّاً بدعوته الشبيبة الى أن لا تنخدع بما تقدّمه لها وسائل الإعلام.

فالحقيقة ليست تلك “المحمَّرَة” و”المبودَرَة”. والعدالة لا تسكن في أُطُر مركَّبَة نسمّيها شاشات،

أو أجهزة لوحيّة، تقدّم لنا مجتمعات مركَّبَة، تتفاعل معها وفيها “أكثريات”، “كيف ما كان”، و”عاشو ما كان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى