مقطوع أو سعره ‘نار’ أو يُباع بالظرف… ‘يا ريت لو بينباع الدوا بالحبّة’!
“كتبت ليلي جرجس في موقع النهار:
منذ أيّام توفيت إحدى السيدات التي تعاني من أمراض مزمنة بعدما تعذّر على أبنائها تأمين أدويتها، أدويتها التي باتت تفوق قدرتهم الشرائية بعد رفع الدعم الجزئيّ عنها. هذه السيدة ماتت لأنّه لم يكن بمقدور أولادها دفع ثمن فاتورتها الدوائية، هذه السيدة ماتت لأنّ هناك سلطة مجرمة وشركات أدوية تبحث عن الربح لا الإنسانية، هذه السيدة ماتت لأنّها تعيش في بلد ينخره الفساد والإهمال والنفوذ… والبقاء للقويّ؟
لم تكن هذه السيدة لتموت لو لم تُحرم من حقّ الحصول على أدويتها الأساسية، لم تكن لتموت لو كانت رواتب أبنائها بالدولار، أو تخوّلهم شراء الأدوية من دون التفكير مرتين. هذه الحادثة التي تُحاسب عليها الرؤوس الكبيرة ستمرّ مرور الكرام كما مرّت غيرها، وسيتناساها الناس بسرعة، وستبقى الحسرة في قلوب أولادها. والأقسى أنّ هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، الناس موجوعة والأدوية إمّا مقطوعة أو ليس بمقدور الجميع الحصول عليها.
مشهد واحد يرافقك في جولتك على الصيدليات، وجوه مكفهرّة، عجز، يأس واستسلام. يحمل المريض الوصفة الطبية ويدور بها من صيدلية إلى أخرى، يحمل صحّته بين يديه ويسأل عن أدويته ويمضي في سبيله. تردّد الجملة نفسها على مسامعه “مقطوع” والبديل “مقطوع” وأصبحنا نتحدّث عن البديل البديل، والموجود بالكاد يكفي لعدد لا يتخطّى أصابع اليد.
لم تبالغ ماريان صاحبة احدى الصيدليات في جلّ الديب بوصف الوضع بـ”الكارثيّ”، فما تراه يومياً كفيل في نقل معاناة مرضاها التي تتخوّف من أن يكون مصير بعضهم مشابه لمصير تلك السيدة. تقول “قسم كبير من الأدوية المزمنة ما زالت مقطوعة على رغم من رفع الدعم الجزئيّ عنها، والبديل مقطوع أيضاً، ما يجعل المواطن معلّقاً بين ما يلائمه والمتوفّر، ولكنّ هذه البدائل لا تناسب كلّ الحالات، فنحن نتحدّث عن الضغط والقلب والسيلان، وهي أدوية حسّاسة ولكلّ مريض حالته الخاصة. لذلك يتواصل المريض مع طبيبه للبحث عن بدائل أخرى نتمنّى أن تكون موجودة، باتت بدائل البدائل الحلّ الوحيد عند بعض المرضى، وصلنا إلى هذه المرحلة من الذلّ الصحّ
ولا تخفي ماريان أنّها تضطر أحياناً كثيرة إلى بيع ظرف من علبة الدواء نتيجة تعذر المريض
عن دفع ثمن العلبة كاملاً، مثل ادوية الالتهابات أو البانادول وغيرها. نحن صيدلية قريبة
من مستشفيات عدّة تستقبل مرضى يحتاجون إلى أدوية مضادة للالتهابات أو أدوية ضرورية بعد الجراحة،
ومعظمها امّا مقطوعة أو بكميات محدودة جداً لا يتخطّى عددها 3 علب، حتى إبر السيلان مقطوعة،
وهذا خطير جداً. لا نعرف حقاً ماذا ينتظرنا، “الله يساعد هالعالم”.
يقف العمّ فؤاد غير مصدّق، هذه زيارته الثالثة بعد تعذّر إيجاد ادوية الضغط البراند
التي كان يأخذها، ومع ذلك وصف له طبيب بديلاً لكنه وفق ما يؤكّده لنا “ليس متوفراً أيضاً،
وهذا الدواء الثاني الذي وصفه لي الطبيب كبديل آخر عن الدواء الأساسي إلّا انّه مقطوع.
المسألة خطيرة فنحن نعرّض حياتنا للخطر. صفقات “ماشية” والأدوية المصنوعة في لبنان أسعارها ليست
ارحم بكثير في بعض انواعها، والأقسى أنّها غير متوفرة أيضاً إلّا بكميات محدودة جداً،
وعلينا أن نبحث عن الموجود ومدى ملاءمته صحّة كلّ مريض، يعني كارثة”.
في حين أكّد صاحب صيدلية أخرى أنّ “بعض الناس تخلّت عن ادويتها الأساسية بسبب
ارتفاع أسعارها وتتشاور مع طبيبها لإيجاد بدائل مناسبة لحالتها الصحية. ولكن لا أخفي
أن الناس مصدومة من أسعار الأدوية بعد رفع الدعم الجزئيّ عنها، صحيح أنهم سمعوا
بالتسعيرة الجديدة إلّا أنّهم على أرض الواقع عندما يشترون الدواء يتلقون الصفعة الحقيقية”.
مضيفاً “اسعار المضادات الحيوية أو بعض أدوية السكري والضغط وصل إلى 600 ألف بعد
أن كان سعرها لا يتعدى الـ100 ألف. كما انّ 90% يطلب اعطاءه البديل خصوصاً أدوية المضادات الحيوية لعدم قدرته على الدفع.
أمّا المشكلة الكبرى فتتمثّل بعدم تسليم الأدوية المزمنة بعد رفع الدعم الجزئيّ عنها،
ونعيش على الوعود بتسليم البضاعة. وباتت فاتورة المريض الذي يعاني امراضاً
مزمناً تتفاوت بين مليون ونصف والمليونين. أضف إلى الأنسولين وادوات
فحص السكري التي تعتبر شبه معدومة وتُسلم بالقطارة، فعلاً الحالة الصحية أصبحت صادمة وموجعة.
في حين يشرح المواطن جورج معاناته ورحلة البحث عن ادوية زوجته التي تعاني من السرطان.
عندما بدأت الأزمة “سعيت إلى تأمين أدويتها خوفاً من انقطاعها، وفعلاً نجحت في تأمين
كمية تكفيها للأشهر المقبلة من دون خوف. لكنّ الأدوية التي كانت كلفتها 203 آلاف
أصبحت اليوم تصل إلى 140 ألفاً، وهي مقطوعة مثل دواء حماية المعدة.
حتى البانادول كنتُ أحصل على ظرف واحد وليس علبة لتأمين حاجة اكبر عدد من المرضى،
أمّا اليوم باتت بعض الأدوية متوفّرة إلّا أنّ سعرها تضاعف وأحيانا زاد سعره ثلاث مرات.
برأي جورج ان “الأدوية السرطانية ما زالت مدعومة لكن كلّ ما هو متعلّق
بها مثل حماية المعدة وغيرها من الأدوية غير مدعومة، وعليك إمّا توظيف
علاقاتك واتصالاتك لتأمينها أو البحث عن بدائل ليست موجودة او ملائمة دائماً”. ويختم قائلاً “اذا معك مصاري بتعيش بهيدا البلد بس”.
وبينما نجول على الصيدليات، صادفنا مواطناً سيتينيّاً، غسان عوض،
يخرج من الصيدلية وعلى وجهه معالم الهمّ والقلق، نبادره بالسؤال عمّا يبحث؟
واذا وجد أدويته؟
ليعترف لنا أنّ “عليّ تناول دواء lamictal 100mg حبتين صباحاً و يبلغ سعره 275 ألفاً، ودواء آخر مقطوع لتطول لائحة بأربعة أو خمسة أدوية، امّا غير متوفرة او سعرها مرتفع”.
غادر غسان من دون شراء أيّ دواء، طلب منها الاحتفاظ بعلبة حتى يؤمّن مبلغ 300 ألفاً ويعود إليها،
خصوصاً أنّ الدواء الرئيسيّ هو لكهرباء الرأس ولا يمكن الاستغناء عنه،
بالإضافة الى دواء السكّري Glucophage . هو الذي يواظب على تناول الدواء من 1994 لكنّها المرة الاولى التي يصل فيها الى هذه المرحلة.
هذه عيّنة صغيرة من مأساة ومعاناة المرضى الذين كُتب عليهم إمّا ان يشحذوا المال للحفاظ
على صحّتهم، أو يتركوا لمصيرهم المجهول مع أدوية بديلة كثيرة منها غير موجود أو ينقطعون عن العلاج “يخليها ع الله”