اقتصاد

هل التطبيقات مسؤولة عن ارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان؟

 “تطبيقات سعر صرف الدولار هي السبب في ارتفاعه” حجة إضافية تحاول من خلالها السلطة اللبنانية التملص من مسؤولياتها عن انهيار العملة الوطنية. فخلال فترة قياسية، تمكنت هذه التطبيقات من ترسيخ سلطتها في توجيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء والتأثير في سلوك الأفراد لناحية الإقبال على البيع أو الشراء. وجاء اقتراح “الطلب من المتاجر الرقمية حظر التطبيقات” ليعزز الاعتقاد السائد لدى العامة بأن هناك مؤامرة لرفع سعر الدولار، كما أن هناك جهات مؤثرة تتحكم بالسوق صعوداً وهبوطاً. وبين هذا وذاك، تطفو إشكاليتين على السطح: الأولى تقنية؛ واستكشاف مدى توافر القدرة على ضبط هذه التطبيقات وحظرها من أجل إعادة التوازن إلى السوق والحد من العامل النفسي المؤثر. في مقابل إشكالية أخرى، ترتبط بالإجابة عن العوامل الكامنة وراء ارتفاع سعر صرف الدولار: “هل هي عوامل ظرفية ناتجة من التطبيقات؟ أم أنها بنيوية بسبب حجم الدين وتراجع الاحتياطات بالعملة الأجنبية؟”.

لثلاثة عقود من الزمن، بقي سعر صرف الليرة اللبنانية ثابت عند مستوى 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. وفي 2019 بدأت الحقيقة بالظهور، ليتضح أن الليرة ليست بألف خير، ليبلغ الدولار عتبة 25 ألف ليرة لبنانية في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وصولاً إلى تحميل التطبيقات الذكية مسؤولية تحديد سعر صرف الدولار في السوق الموازية

يؤكد الخبير الاقتصادي كمال حمدان أن “المشكلة أعمق من مجرد الادعاء بنظرية المؤامرة، وبأن تطبيقات تابعة لعصابات تصطنع الطلب وترفع الأسعار”. وعلى رغم وجاهة فرضية التلاعب بسعر الصرف، إلا أن هناك مشكلة بنيوية في الاقتصاد، حيث يصف حمدان الوضع اللبناني بأننا “أمام بناء متهالك الأعمدة”، مذكراً بأنه منذ عام 1998، بدأت معالم مشكلة الدين العام بالظهور، والصرف أكبر من قدرة لبنان الاقتصادية على الاحتمال.

ويعتبر حمدان أن الأزمة ليست طارئة، بل بدأت منذ 10 سنوات، وتعمقت مع ارتفاع الدين العام للدولة، واستمرار التوظيف العشوائي في القطاع العام، مشيراً إلى أن “اقتراض لبنان بالعملة الأجنبية وبحجة أنه أقل كلفة على الدولة، كان عاملاً أساسياً في التأسيس للأزمة في عام 1997″، وصولاً إلى “الهندسات المالية في 2016، عندما تم شراء بعض المليارات من الخارج، والتي ذهب نصفها إلى المصارف من أجل الحؤول دون الانهيار السريع للمنظومة المالية والسياسية”

ويتحدث عن أن “إقفال قنوات العملات الأجنبية إلى لبنان أدى إلى مفاقمة الأزمة”، و”لم يعد هناك أي عنصر داعم للاقتصاد إلا تحويلات المغتربين وتتراوح نسبتها بين 7 و 8 مليارات دولار سنوياً”. ويرجح “تراجع تحويلات المغتربين إلى لبنان في ظل ازدياد هجرة العائلات بأكملها، واتخاذ القرار بعدم العودة مطلقاً إلى لبنان”.

العوامل النفسية ثانوية

هذه العوامل البنيوية هي أشد تأثيراً من العوامل النفسية التي تأتي بصورة ثانوية،

وكذلك تعدد أسعار الصرف

التي يعتبرها حمدان “أسرع طريق لفرض أعظم Haircut للودائع في التاريخ والتي يذهب ضحيتها الفقراء والطبقة الوسطى،

في ظل التفاوت بين سعر المنصة 20 ألف، سوق سوداء 25 ألف، أما تعميم مصرف لبنان لقبض

الودائع الدولارية من البنوك عند مستوى 3900 ليرة لبنانية”،

متخوفاً من مشاريع الدولار الجمركي لتعزيز واردات الدولة الذي يدخل في إطار “الترقيع”

لأن هناك حاجة لخطة للخروج من الأزمة من خلال تحديد الفجوة، ووضع آلية لتوزيع

الخسائر التي يجب أن يتحملها برأيه “كبار المساهمين في المصارف”، و”لاحقاً

الشعب اللبناني المستعد للتحمل شرط وجود مشروع وأفق للحل وإمكانية استعادة جزء من وارداته”.

يرفض حمدان الحديث عن مخرج جاهز للأزمة لأنه “لا توجد حبة دواء أو وصفة جاهزة للحل”،

ذلك أننا “سنبقى نعيش في دوامة الترقيع طالما لم يتحمل مسؤولية الانهيار

من يدعي تنفيذ الحلول، وإلى أن تبدأ الفئات الاجتماعية التحرر من التبعية للسلطة السياسية، ومن ثم تدمير هذا النظام الطائفي الذي يحول دون بناء الدولة المدنية”

وإلى حين الوصول إلى حالة الاستقرار، ستستمر معاناة المواطن اللبناني

الذي ضاعت ودائعه البنكية، وحرم من حاجاته الأساسية، و”تحمل آثار مأساة تثبيت

صرف النقدي التي استفادت منها شريحة من المواطنين لفترة من الزمن”،

وسياسات الدعم الفاشلة التي صبت في جيوب التجار المحتكرين والمهربين،

وغيرها من مجازر التقديمات والمنح لموظفي المصالح المستقلة والإدارات العامة.

أمام هذه الأزمة، وجد بعض اللبنانيين ضالتهم في “إغلاق تطبيقات تسعير الدولار”، ولكن يبقى التساؤل عن قابلية هذا الطرح للتطبيق في هذا الفضاء المفتوح الذي خلفته الثورة التقنية والرقمية.

يؤكد المتخصص في قطاع المعلوماتية، إيهاب آغا، أن “هناك صعوبة لوقف التطبيقات من

الناحية التقنية لأن

المتاجر الرقمية مثل app store أو google play تفرض شروطاً محددة قبل الموافقة على عرضه، وفي حال التزام التطبيق بها يستمر بالعمل بغض النظر عن الخدمة والمصداقية

، طالما أنه لا يحرض على العنف أو ينشر خطاب الكراهية والعنصرية”،

معطياً مثالاً عن “تطبيقات من غير فائدة” التي يبقى للمستخدم إما تنزيلها أو إهمالها.

ولذلك، فإنه من الأفضل تغيير نظرة الناس إلى هذه التطبيقات ودعوتهم إلى عدم الاعتماد عليها في سلوكياتهم اليومية.

يتحدث آغا عن مسؤولية الدولة في معالجة المشكلات الناجمة عن هذه التطبيقات،

حيث تمنع بعض الدول تنزيل تطبيقات محددة أو تحظر مزايا محددة لها، مشيراً في الوقت نفسه

إلى إمكانية الالتفاف والتحايل على الحظر من خلال الـ VPN للوصول إلى تطبيقات محظورة.

وعن النتائج المحدودة لحظر بعض التطبيقات في ظل الشبكة المفتوحة، يلفت آغا إلى أن “عالم التكنولوجيا

مفتوح للجميع، ويمكن لأي مخترع استحداث تطبيق أو خدمة شبيهة وبديلة، وتأمين فرص لا متناهية للاتصال”.

كما يتطرق آغا إلى إمكانية تتبع التطبيقات لمعرفة مصدرها، قائلاً “في عالم التكنولوجيا يمكن معرفة

مصدر كل شيء، إلا أن هناك صعوبة في تحديد المحتوى، ويبقى للدولة تحديد سياساتها الخاصة والسماح بتحميل التطبيق أو منعه”.

بقلم : “بشير مصطفى”

المصدر :”independent arabia”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com