فن - منوعات

الأزمة الاقتصادية تصيب “رحم” اللبنانيات وتهدد الصحة الإنجابية

“درج”: نور سليمان – صحافية لبنانية

وجه جديد للأزمة في لبنان: انقطاع حبوب منع الحمل بشكل شبه كامل في البلاد منذ أكثر من ستة أشهر والارتفاع الكبير في أسعار الأدوية والواقي الذكري جعل التخطيط للحمل والولادة أمراً محفوفاً بمخاطر صحية جمة

في تغريدة له على “تويتر”، كتب الطبيب المتخصص بالطب العائلي محمد علي جردلي: “عندي مريضة حامل بالشهر الرابع وبحاجة لأبر سيلان، ومش عم تلاقي الأبر بانتظام، اليوم اتصلت فيي لتقول لي أنها روّحت”

جردلي الذي يلجأ يومياً إلى مواقع التواصل الاجتماعي ليوثّق القصص المأساوية التي يسمعها في عيادته، يروي لـ”درج” قصص نساء ترخي الأزمات الاقتصادية والصحية الخانقة بكل ثقلها على حياتهن وأجسادهن: “أقل ما يمكن قوله عن وضع الصحة الإنجابية في لبنان اليوم أنه مأساوي بكل المقاييس” يقول جردلي. ويشرح أن انقطاع حبوب منع الحمل بشكل كامل في البلاد منذ أكثر من ستة أشهر والارتفاع الكبير في أسعار الواقيات الذكرية والأنثوية يحرم النساء

من حقّهن في التحكّم بأجسادهن والتعامل مع الحمل غير المرغوب فيه،

ويحرم الأسر أيضاً من حقّها في التخطيط للإنجاب أو عدمه بخاصّة في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة،

وبما أن أدوية إنهاء الحمل غير متوفّرة والإجهاض الجراحي غير قانوني في لبنان،

تلجأ السيدات إلى أساليب خطرة للإجهاض ستكون لها عواقب كارثية على صحتهن:

“وصل الأمر بإحدى النساء الحوامل إلى الإجهاض في منزلها بواسطة علّاقة ملابس،

ولذلك تأثيرات جسيمة على جهازها التناسلي وقد تسبب لها العقم”، كما يروي جردلي.

سيّدات أخريات يذهبن إلى عيادات غير شرعية يديرها أطباء غير مؤهلين ليخضعن لعمليات

إجهاض لا تراعي الحد الأدنى من معايير السلامة، ما يعرّض حياتهن للخطر في حال حدوث

أي خطأ طبّي أو قد يصبن بالتهابات لانعدام النظافة والتعقيم داخل تلك العيادات.

ويشير جردلي أيضاً إلى زيادة نسبة تفشّي الأمراض المتناقلة جنسياً بسبب

انقطاع أو ارتفاع أسعار وسائل الوقاية والنظافة والتعقيم.

في الوقت نفسه، تواجه النساء الحوامل اللواتي يعانين من مشكلات صحيّة أزمة

انقطاع مثبّتات الحمل والحقن التي تمنع تخثّر الدم: “المريضة التي ذكرتها في تغريدتي

أصيبت بتجلّطات لأنها لم تستطع تأمين حقن لسيلان الدم خلال حملها، فأجهضت جنينها

وهي في الشهر الرابع أي أن أعضاء الجنين كانت قد بدأت تتكوّن بشكل واضح وأصبحت

له نبضات قلب مستقرّة” يشرح جردلي: “كان لذلك الجنين اسم وعائلة تنتظره بفارغ الصبر. ما حصل ويحصل جريمة كاملة”

عددٌ من مريضات سرطان الثدي اللواتي تفشّى مرضهن بشكل كبير أجبرن على التوقف

عن تلقّي العلاج لأنهن غير قادرات على تحمّل تكاليفه، وحتى وإن كنّ يستفدن من خدمات

الضمان الاجتماعي، لم يعد باستطاعتهن دفع الفوارق المتوجبة عليهنّ: “يُحكم بالموت إذاً يومياً على عشرات المريضات” يؤكّد جردلي.

ونتيجة لذلك كله، يمكن اعتبار أن الجزء الأكبر من الضرر الذي يلحق بصحة النساء

وقدرتهن على الإنجاب لا يمكن إصلاحه، أي أن على النساء تحمّل التداعيات الجسدية

للأزمة طيلة حياتهن، كما لا يمكن تجاهل الأثر النفسي الناتج عن المعاناة، واستحالة حصول النساء على الدعم النفسي اللازم للصمود والمواجهة. 

وزير الصحة فراس أبيض أعلن في تصريح تلفزيوني، أن عدد الوفيات من الأمّهات اللبنانيات

أثناء الولادة ارتفع من 12 حالة إلى ما فوق الـ30 حالة لكل مئة ألف مولود.

ومع انخفاض العناية الطبية بالأمّهات فالنسبة مرشّحة للازدياد، خصوصاً مع استمرار انقطاع

الأدوية وارتفاع أسعار المتوفر منها بشكل جنوني، بعد رفع الدعم عنها وعدم قدرة الحوامل على تكبّد تكاليف الاستشفاء. 

الفوط الصحية باتت من الكماليات

في تموّز/ يوليو الماضي، أظهرت دراسة نشرتها منظمة “في-مايل” بالشراكة مع “بلان انترناشونال”

حول واقع “فقر الدورة الشهرية” أن “76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن عن صعوبة

الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية”، ومع الانهيار المستمر لسعر صرف الليرة

أمام الدولار الذي يلامس 25 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، وتراجع القدرة

الشرائية بشكل هائل، مع حد أدنى للأجور لا يزيد على 675 ألف ليرة لبنانية (أي 29 دولاراً بحسب

سعر الصرف في السوق السوداء)، إضافة إلى قيام الحكومة اللبنانية باستثناء الفوط الصحية

من السلع الأساسية التي تدعمها، تشهد هذه النسبة ارتفاعاً حتمياً. 

“المشكلة اليوم تكمن في أن أجورنا لا تزال كما هي فيما الغلاء الفاحش يضرب كل السلع الأساسية

” تقول ريم (26 سنة) التي تعمل في صالون للتجميل، وتشير إلى أنها منذ بدء ارتفاع أسعار الفوط الصحية لجأت

إلى بدائل بسعر أرخص وأقل جودة. “كيف لراتبي الذي يساوي مليون و500 ألف ليرة

(أي 65 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي)،

والذي اضطر لدفع نصفه في المواصلات حيث تبلغ تعرفة السرفيس 20 ألف ليرة،

أن يكفي لشراء علبتين شهرياً على الأقل، فيما يتراوح سعر الواحدة منها بين 40 ألف و80 ألف ليرة؟

سعر الفوط الصحية المحلية يوازي تلك المستوردة، وحتى العبوات التي كانت تسمّى اقتصادية

وصل سعرها إلى حدود الـ100 ألف ليرة”

تؤكّد ريم أنها تخلّت أيضاً منذ بدء الأزمة عن شراء مستحضرات العناية بالبشرة والنظافة الشخصية

والمناطق الحساسة، وتكتفي بشراء مزيل للتعرق بسعر زهيد: “أعلم جيّداً أن الفوط الصحية

ذات الجودة الرديئة قد تسبّب لي مشكلات صحية، إلّا أن لا خيار آخر أمامي. لو لم أكن مضطرة للخروج

إلى عملي خلال الدورة الشهرية لكنت بقيت في المنزل، لم أتصوّر يوماً أن تصبح دورتي الشهرية

عائقاً حقيقياً يجعلني أتمنّى لو أنها تتوقّف”.

لم يعد أمام هدى (47 سنة) وبناتها الأربع الكثير من الخيارات أيضاً. فبعدما صُرفت

هدى من عملها في محل للألبسة مع بدء الأزمة الاقتصادية، أصبحت العائلة بكاملها تعتمد

على راتب الأب الذي لا يتجاوز المليوني ليرة (نحو 86 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي).

في حسبة بسيطة، تحتاج هدى وبناتها إلى نحو 10 علب من الفوط الصحية شهرياً.

تبلغ أرخص واحدة منها نحو 30 ألف ليرة أي أنهن سيتكلّفن 300 ألف ليرة،

وهو مبلغ يعادل نصف الحد الأدنى للأجور: “أصبحت الفوط الصحية تتطلب راتباً خاصاً،

وصار علينا أن نختار بينها وبين سلع أساسية أخرى وكأنها من الكماليات” تقول هدى، وتضيف:

“نلجأ إلى قطع القماش والمناشف كما فعلت أمّهاتنا وجدّاتنا. تُفرض المعاناة على

كل أجيال النساء ويحرمن من أبسط حقوقهن. وكأن الحكومة تريد منا أن نتحكم بدوراتنا الشهرية أو نمنعها!”.

توقفت هدى عن زيارة الطبيبة النسائية، بعدما كانت تزورها بشكل دوري.

تبلغ تعرفة المعاينة الطبية اليوم نحو 300 أو 400 ألف ليرة، “والمشكلة الأكبر تقع في حال طلبت

مني الطبيبة إجراء فحوصات طبية فهي أصبحت مكلفة جدّاً. عانت إحدى بناتي بالفعل من التهابات،

واضطررت لمعالجتها بطرائق منزلية حتى لا نتكبّد مصاريف زيارة الطبيبة وأدوية العلاج باهظة الثمن”

وبحسب أطباء نسائيين، من بينهم الجردلي، تلجأ نساء إلى استخدام المحارم الورقية وقطع

الكرتون كبديل عن الفوط الصحية ويؤدي ذلك إلى إصابتهن بالتهابات جلدية ونسائية وفطريات،

ولا تتوفّر الأدوية لعلاج هذه الالتهابات التي لا يجب إهمالها لأنها ستؤدي إلى مضاعفات

تهدّد صحّة الجسد على المدى الطويل، كما أن عدم توفر المياه النظيفة أو انقطاعها

في معظم الأحيان يمنع النساء من الاعتناء بنظافتهن الشخصية، إضافة إلى قيامهن

باستخدام منتجات رخيصة وسيئة الجودة للعناية بالبشرة أو لغسل الثياب ما يسبّب لهن الحساسية والأمراض الجلدية. 

الفوط الصحية باتت من الكماليات

في تموّز/ يوليو الماضي، أظهرت دراسة نشرتها منظمة “في-مايل” بالشراكة مع “بلان انترناشونال”

حول واقع “فقر الدورة الشهرية” أن “76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن

عن صعوبة الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية”، ومع الانهيار المستمر لسعر

صرف الليرة أمام الدولار الذي يلامس 25 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، وتراجع القدرة الشرائية

بشكل هائل، مع حد أدنى للأجور لا يزيد على 675 ألف ليرة لبنانية (أي 29 دولاراً بحسب سعر الصرف

في السوق السوداء)، إضافة إلى قيام الحكومة اللبنانية باستثناء الفوط الصحية من السلع الأساسية

التي تدعمها، تشهد هذه النسبة ارتفاعاً حتمياً. 

“المشكلة اليوم تكمن في أن أجورنا لا تزال كما هي فيما الغلاء الفاحش يضرب

كل السلع الأساسية” تقول ريم (26 سنة) التي تعمل في صالون للتجميل، وتشير إلى أنها منذ بدء ارتفاع أسعار الفوط الصحية لجأت

إلى بدائل بسعر أرخص وأقل جودة. “كيف لراتبي الذي يساوي مليون و500 ألف

ليرة (أي 65 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي)، والذي اضطر لدفع نصفه

في المواصلات حيث تبلغ تعرفة السرفيس 20 ألف ليرة، أن يكفي لشراء علبتين

شهرياً على الأقل، فيما يتراوح سعر الواحدة منها بين 40 ألف و80 ألف ليرة؟

سعر الفوط الصحية المحلية يوازي تلك المستوردة، وحتى العبوات التي كانت تسمّى اقتصادية وصل سعرها إلى حدود الـ100 ألف ليرة”.

تؤكّد ريم أنها تخلّت أيضاً منذ بدء الأزمة عن شراء مستحضرات العناية بالبشرة

والنظافة الشخصية والمناطق الحساسة، وتكتفي بشراء مزيل للتعرق بسعر زهيد:

“أعلم جيّداً أن الفوط الصحية ذات الجودة الرديئة قد تسبّب لي مشكلات صحية،

إلّا أن لا خيار آخر أمامي. لو لم أكن مضطرة للخروج إلى عملي خلال الدورة الشهرية لكنت

بقيت في المنزل، لم أتصوّر يوماً أن تصبح دورتي الشهرية عائقاً حقيقياً يجعلني أتمنّى لو أنها تتوقّف”

لم يعد أمام هدى (47 سنة) وبناتها الأربع الكثير من الخيارات أيضاً. فبعدما صُرفت هدى من عملها

في محل للألبسة مع بدء الأزمة الاقتصادية، أصبحت العائلة بكاملها تعتمد على راتب الأب

الذي لا يتجاوز المليوني ليرة (نحو 86 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي). في حسبة بسيطة،

تحتاج هدى وبناتها إلى نحو 10 علب من الفوط الصحية شهرياً. تبلغ أرخص

واحدة منها نحو 30 ألف ليرة أي أنهن سيتكلّفن 300 ألف ليرة، وهو مبلغ يعادل نصف الحد الأدنى للأجور: “أصبحت الفوط الصحية تتطلب راتباً خاصاً،

وصار علينا أن نختار بينها وبين سلع أساسية أخرى وكأنها من الكماليات” تقول هدى، وتضيف:

“نلجأ إلى قطع القماش والمناشف كما فعلت أمّهاتنا وجدّاتنا. تُفرض المعاناة على كل أجيال النساء

ويحرمن من أبسط حقوقهن. وكأن الحكومة تريد منا أن نتحكم بدوراتنا الشهرية أو نمنعها!”.

توقفت هدى عن زيارة الطبيبة النسائية، بعدما كانت تزورها بشكل دوري. تبلغ تعرفة

المعاينة الطبية اليوم نحو 300 أو 400 ألف ليرة، “والمشكلة الأكبر تقع في حال

طلبت مني الطبيبة إجراء فحوصات طبية فهي أصبحت مكلفة جدّاً. عانت إحدى

بناتي بالفعل من التهابات، واضطررت لمعالجتها بطرائق منزلية حتى لا نتكبّد مصاريف زيارة الطبيبة وأدوية العلاج باهظة الثمن”.

وبحسب أطباء نسائيين، من بينهم الجردلي، تلجأ نساء إلى استخدام المحارم الورقية

وقطع الكرتون كبديل عن الفوط الصحية ويؤدي ذلك إلى إصابتهن بالتهابات جلدية ونسائية وفطريات،

ولا تتوفّر الأدوية لعلاج هذه الالتهابات التي لا يجب إهمالها لأنها ستؤدي إلى مضاعفات

تهدّد صحّة الجسد على المدى الطويل، كما أن عدم توفر المياه النظيفة أو انقطاعها

في معظم الأحيان يمنع النساء من الاعتناء بنظافتهن الشخصية، إضافة إلى قيامهن

باستخدام منتجات رخيصة وسيئة الجودة للعناية بالبشرة أو لغسل الثياب ما يسبّب لهن الحساسية والأمراض الجلدية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى