اقتصاد

البطاقة التمويلية “للأذكياء فقط”!

البطاقة التمويلية “للأذكياء فقط”!

بعد انتظار طويل، أبصر النور التسجيل في المنصة الإلكترونية الخاصة ب”البطاقة التمويلية”، وبات بإمكان اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود اللجوء إلى الدولة المفلسة للحصول على تمويل طال انتظاره.

لكنّ التسجيل، وعلى الرغم من نشر فيديوهات ترويجية من قبل بعض الفعّاليات الاجتماعية في المناطق لتسهيلها على المواطنين،

لا يزال عمليّة معقّدة على كثيرين، لا بل شبه مستحيلة بالنسبة إلى البعض في البيئات “الهشّة”

خصوصاً لدى أولئك الذين يحملون هواتفهم بحثاً عن “الشخص الذكي” في الحيّ لمساعدتهم في إتمام العملية.

التسجيل في المنصة المشغّلة عبر “IMPACT”، تماماً كما هو الحال مع منصة التسجيل من أجل تلقّي اللقاحات ضدّ فيروس كورونا

هو تحت رقابة التفتيش المركزي، مع مساعدة تقنيّة من البنك الدولي. وفي التفاصيل أنّ تسجيل الدخول يكون عبر رقم الهاتف، ويتطلّب كلمة مرور،

ومن بعدها تبدأ رحلة الثلاث صفحات المضنية في تفاصيلها التقنية للتسجيل (البطاقة التمويلية)

1- تطلب الصفحة الأولى معلومات عن كامل هويّة المواطن، وصورة عنها، وصورة فورية مباشرة للوجه

والإعلام عن عدد أفراد الأسرة والعاملين بينهم، والموقع الجغرافي، وتفاصيل السكن بالمساحة والغرف والنوع، بما فيها الحمامات.

2- أمّا الصفحة الثانية فتطلب معلومات عن الحالة الوظيفية للمستفيد، وهل يمتلك سيارة أم لا، وعن الراتب،

ومصادر الدخل الأخرى إذا وجدت. وهناك معلومات يسأل عنها أكثر من مرّة.

مثلاً تسألك إحدى الخانات عن معدّل دخلك الشهري بالليرة ثمّ بالدولار، لتكون الخانة

التي تليهما عن مجموع دخلك خلال الشهرين الماضيين بالليرة والدولار. وثم عليك أن تدوّن رقم التعريف الضريبي الخاص بكَ.

3- تطلب الصفحة الثالثة معلومات عن عدد أفراد الأسرة، وهل يعيشون في منزل واحد،

أو يستفيدون من برامج مساعدات اجتماعية أخرى،

مع ملاحظة قانونية تحذّر المواطن من أنّه في حال ثبُت تقديم المستفيد معلوماتٍ خاطئة أو مضلّلة،

يُلغى الطلب ويلتزم المستفيد بإعادة ضعف المبالغ التي تقاضاها،

مع ما يترتّب على ذلك من تبعات ومسؤوليات قانونية بعد إحالته أمام المراجع القضائيّة المختصّة

وذلك في إطار تنبيه وشرط تتوجّب الموافقة عليه لإرسال الطلب.

بطء الإنترنت الشديد

عملية التسجيل أعلاه، مع بطء الإنترنت و”تعنّت” بعض الخانات، تحتاج بين 20 إلى 30 دقيقة، في أحسن الأحوال،

إذا حالفك الحظ، ولم يعيدكَ فشل الاتصال بالشبكة إلى البداية. واللافت في بعض الخانات رفض المعلومات الصحيحة:

مثلاً اسم المحلّة أو القرية التابع لرقم السجلّ، والتي يتمّ اختيارها من باقة مختارة من الأسماء.

ربّما لن تجد ضالّتك فيها في كثيرٍ من الحالات.

وفي ما يخصّ رقم السجلّ فقد واجه كثيرون مشاكل تقنيّة أيضاً، ولا سيّما رقم السجلّ المركّب،

الذي يكون على سبيل المثال 00/00. هنا ستكون من ذوي الحظ السيّء لأنّ المنصّة لا تعترف بهذه الصيغة من أرقام السجلّ،

ويكفي الفصل بين جزأيْ الرقم بأيّ فاصل حتى لو كان فراغاً، حتى تُقابل العملية بالفشل، أو عليك وضعه بصيغة متّصلة حصراً.

أمّا عند السؤال عن الدخل والراتب وما يوازيه بالدولار، فقد تواجه مشكلة رفض خياراتك التي تضعها في هذه الخانات.

فمثلاً لو كان راتبك اللبناني يوازي 85 دولاراً فسيتمّ رفض المعلومة التي تمّ إدخالها،

وستكرّر ذلك مرّات عدّة ريثما تكتشف أنّ عليك اختيار الرقم من دون “فراطة”، أي 80 دولاراً لا 85!

يمكن تجاوز هذا كلّه عند الاستهداء إلى “الذكي” في ذلك الحيّ الهشّ البعيد عن ضجيج العاصمة بيروت،

الذي يصبح منزله مزاراً للمهمّشين أو الأمّيّين في الأحياء الفقيرة.

مريم التي تعرف الفرنسية

تؤكّد مريم خضر، ابنة عكار وطالبة اللغة الفرنسية في الجامعة اللبنانية، لـ”أساس”

أنّها ساعدت في التسجيل خلال الأسبوع الماضي أكثر من 10 أشخاص من عائلات الحيّ،

ممن واجهوا صعوبات كبيرة في التسجيل، ومن بينهم غير الأمّيّين، وذوو التعليم المتوسط:

“هناك خانات تعجيزية في المنصّة بسبب عدم وجود بعض أسماء القرى أو طريقة وضع رقم السجلّ والدخل وغيرها.

وقد لجأتُ إلى مقاربتها بطريقة ما لتسيير الطلب، ولا أعلم إن كان ذلك سيؤثّر على الطلب في وقت لاحق،

مثل اختيار اسم المحلّة الأقرب، أو وضع رقم السجلّ متّصلاً، وهو في الحقيقة مفصول، أو وضع رقم ضريبي وهمي،

لأنّه يتم رفض إتمام العملية من دون رقم ضريبي، ويتمّ رفض الرقم صفر”.

وتُلفت مريم إلى أنّها “عمليّة شاقّة، ولا سيّما مع تعذّر الاتصال بالإنترنت السريع في ظلّ أزمة الكهرباء،

ومع وجود أشخاص لا يمتلكون رقماً ضريبياً أو لا يعرفون حتى ماذا يعني الرقم الضريبي المالي”.

أما الحاج عدنان درويش، ابن البقاع، الرجل الستّينيّ المتقاعد فيروي حكاية أخرى:

“حاولتُ مراراً وتكراراً التسجّل في منصة البطاقة التمويلية، لكنّني لم أتمكّن من ذلك، على الرغم من أنّني لست أمّيّاً، بل أنا متعلّم،

وكنت أعمل موظّفاً في أرشيف أحد المستشفيات الخاصة، لكن هناك خانات معقّدة يصعُب ملؤها،

أو اختيار المناسب بين سلسلة الخيارات المتوفّرة”.

ويشير لـ”أساس” إلى أنّه ينتظر ابنته “التي تعمل في بيروت، وتأتي في عطلة نهاية الأسبوع إلى القرية،

لتتمكّن العائلة من التسجيل وإرسال الطلب”.

تنسحب هذه الحال على الكثيرين من أبناء جيله أو أبناء الأحياء الفقيرة.

نهلا ناصر الدين – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com