الجنرال” خاف من “الإستيذ” فورّطه بمصيبة؟
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
فتحت السنة الجديدة صفحاتها على اشتباكٍ سياسي متعدّد المحاور داخلياً، عبر الغزوات الإعلامية شبه اليومية بين تيّار الشبعانين وحركة المحرومين، والإتهامات المتبادلة لبعضهما بعضاً بالفساد والسرقات والسمسرات والصفقات في الوزارات والإدارات “عا مدّ إيدك وما تطاله”، و”مش مقصّرين ببعضهم ولا تاركين ستر مغطّى”، فيما تكفّل الأمين العام لـ”حزب الله” بما هو خارج الحدود من واشنطن إلى الرياض وما بينهما، دون رفّة جفن، قلبه على الرهائن اللبنانية في الخليج، أمّا نائبه، فمُستغربٌ عدم انتفاضة الميقاتي للكرامة والسيادة الوطنيتين.
فاللبنانيون الذين ناموا على هذا “المشهد الولعان” استفاقوا على مشهدٍ، قد يكون غريباً في “البلاد الطبيعية”، ولكن ليس عندنا بالتأكيد، حيث درجت مدرسة “التكويع بأرضه” التي أرسى قواعدها وليد بيك، وبات “نجيب أفندي” وريثها اليوم، مضيفاً اليها “ملح وبهار” المصلحة الوطنية والسلم الأهلي، كمادتين سُجّلتا سابقاً باسم الشيخ.
مشهدٌ زاد من غرابته، ما صدر بعده، كأن شيئاً لم يكن على خطوط بعبدا -عين التينة-السراي-حارة حريك، حيث نزل” البرد سلاماً” ، فوقّع مرسوم الدعوة لدورة استثنائية للمجلس النيابي، وباتت الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء متوفّرة، والأنكى أن ثمة من يريد إقناعنا أن ما حصل، تحرك “من عنديات” النائب الطرابلسي غير منسّق مع أحد “لا من هون ولا من هونيك”، وظنّ معه كثيرون، خلافاً للواقع، “توريطة عجيبة لنجيب” في “قصّة كبيرة”، فيما الحقيقة هي موسم ثان لمسرحية عين التينة، حيث يكفي ردّ وتسريبات المصادر المقرّبة من الثنائي الشيعي حول ما حصل سوى دليل دامغ على ما سبق.
فهل خاف جنرال بعبدا من فخ إستيذ الثنائي، وقرّر التحرك، رامياً كرة التعطيل في ملعبهم من جديد؟
مناسبة السؤال أكثر من مهمة، ذلك أن عين التينة كانت قررت الذهاب في المواجهة مع بعبدا إلى الآخر، بعد نشوة الفرحة بانحياز السيّد وحبة مسكه، التي دفعت بالعريضة النيابية المتعثّرة إلى ابصارها النور بثلاثين توقيعاً دفعةً واحدة، مدعّماً موقفه بحاجة الحكومة إلى انعقاد المجلس النيابي لتمرير القوانين اللازمة لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فكانت طبخة السراي-عين التينة من “حواضر الويك أند”.
فرغم اعتقاد الكثيرين أن التصعيد على جبهة السراي – حارة حريك لن يسهّل انعقاد الحكومة، إلاّ في
حال كان ما حصل، مجرد حفلة زجل لحفظ ماء وجه كلّ منهما تجاه بيئته و”أصحابه”، كان هجوم جنرال
بعبدا إلى الأمام، حيث أنه أراد أن” يتغدّى أبو مصطفى قبل أن يتعشّاه” ، بعدما أيقن انه سيسجّل
هدفاً ثانياً في مرماه، مع انقلاب مزاج النواب الذين نجح “الإستيذ” في استدراجهم للتوقيع على العريضة المُلزمة،
فقرّر الهروب إلى الأمام وأن “لا يخلّي فرحة الإستيذ توصل لقرعته…”.
في المبدأ، كلّ “هيدا حلو” لكن عملياً، ماذا عن موقف الثنائي الشيعي ممّا جرى بل ممّا قيل؟
حتى الآن المعلومات تتقاطع عند التأكيد أن الثنائي، ورغم الإتصال الذي أُجري مع الرئيس نبيه
بري أثناء الإجتماع في بعبدا، لن يكسر قرار مقاطعة مجلس الوزراء قبل “قبع” القاضي طارق
البيطار ومعه رئيس مجلس القضاء الأعلى.
“فالإنفراج” الذي رأته بعبدا ومصادرها لا تراها الرئاسة الثالثة التي رأت مصادرها،
أن لا صفقات بالجملة بعد اليوم ولا سلاّت حلول، بلّ على القطعة، فالدورة الإستثنائية لا ترتبط بانعقاد
مجلس الوزراء، فالأمران مختلفان، خصوصاً أن الموازنة لم تصل بعد إلى مجلس الوزراء لتوزّع على الوزراء
ويُحدّد موعد الجلسة، وإلى ذلك الحين فرج ورحمة، معتبرةً أن مبادرة رئيس الجمهورية بطرح مسألة عقدٍ استثنائي،
أمرٌ إيجابي وبادرة جيدة، ذلك أن تعطيل المجلس النيابي ليس لصالح احد.
اللافتُ في هذا المشهد، اعتبار “القوات اللبنانية” نفسها المنتصر، إذ قالت مصادرها،
أن عريضة أبو مصطفى “ما بتمشي” من دوننا بما أنها لا تخضع للأعداد بل لموضوع الإعتبارات والتوازنات القائمة،
حيث كان لموقف معراب تأثير كبير على ما آلت اليه الأمور، وأدى إلى تفعيل الحكومة ومجلس النواب معاً،
إنطلاقاً من الحرص على المؤسسات. علماً أن الوقائع تبيّن أن معراب ذهبت في تحليلها أبعد من اللزوم،
إستناداً إلى مقرّبين من “حزب الله”، يؤكدون أن أحداً لم يبلّغ الحارة بأن شيئاً ما قد تحلحل،
وأن العقدة التي علّقت عمل الحكومة قد فُكّت وبالتالي تكون الأمور ما زالت تراوح مكانها وإن كان باب الحل معروفاً من الجميع.
فهل في جعبة الرئيس ميقاتي ما يذلّل العقبات التي سدّت باب مجلس الوزراء؟
وهل اتُخذ القرار بتصويب الإنحراف القضائي الذي أصاب تحقيقات مرفأ بيروت؟
أم هي مناورة لتفكيك لغم العقد الإستثنائي، لعبة الكلّ مع الكلّ ضد الكلّ؟
الخلاصة أنه كما التلاميذ سيعودون إلى صفوفهم ، كذلك النواب سيعودون إلى
مقاعد البرلمان، محصّنين بموجة تذاكي جديدة، فيما طلاب الحكومة لم يُحسم مصيرهم بعد،
باعتبار أن حسابات الأطراف لم تتطابق، والأرجح أيضاً أن ميقاتي لن يتغير. فهو يقول الشيء
ونقيضه أحياناً كثيرة، كما لا يتردد أحياناً عن بيع وعود في الهواء. يبقى الجواب الفصل في ذمّة القادم من الأيام.