باسيل يواجه أزمة.. هل خسر أوراق قوّته؟
في آذار العام 2018، أي قبل شهرين من الانتخابات النيابية حينها، وقف رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل على مسرح “الفوروم دو بيروت” معلناً إطلاق الحملة الانتخابية لحزبه. حينها، ركّز باسيل كثيراً على عبارة “لبنان القوي”، عارضاً الكثير من العناوين والشعارات التي على أساسها خاض الاستحقاق الانتخابي قبل 4 سنوات
.
في خطابه آنذاك، تحدث باسيل عن “الشراكة الكاملة” كما ذكر عبارة “المقاومة” 3 مرّات، ثم تطرّق إلى ما وصفها بـ”التفاهمات الكبيرة” التي ساهم “الوطني الحر” في الحفاظ عليها من أجل استقرار البلد، وقال: “أرادوا محاصرتنا وتصغير كتلتنا ليخففوا من قوتنا وقدرتنا، ونحن نودّ الرد عليهم في الصندوق بمزيدٍ من الإصرار على التفاهم”
بين الأمس واليوم، شهد “الوطني الحر” انعطافات سياسية كثيرة، في حين أنّ الظروف اختلفت تماماً عن تلك التي شهدها العام 2018. أما الأمر الأهم، فهو أنّ الشعارات التي تحدث عنها باسيل آنذاك باتت تختلفُ تماماً في حيثياتها ومضمونها.
في ظلّ الواقع القائم، ترى أطراف سياسية عديدة أنّ “الوطني الحر” أخذ منحى جديداً يتّسم بإطار ضيق ومجرّد من أي مكونات أخرى، الأمر الذي ينتفي مع شعار “الشراكة الكاملة”. فمن وجهة نظر أطياف مناوئة لباسيل، يعتبر سلوك الأخير فئوياً ويتخذ بُعداً طائفياً، كما أنه يريد تكريس سلطة مطلقة بيد شخصية واحدة تتحكم بالقرارات وتساهم في تعطيلها.
على صعيد التحالفات، فقد بات واضحاً أن باسيل يعاني من أزمة بشأنها، خصوصاً أنّه خسر أطرافاً وازنة كانت ساهمت في إفادته. فعلى سبيل المثال، فإن “الوطني الحر” خسر حليفه السني “تيار المستقبل” الذي ساهم في منحه “دفشة انتخابية” مهمة في دائرة الشمال الثالثة عام 2018. إضافة إلى ذلك، فإنّ باسيل ليس على علاقة طيبة مع أي جهات وازنة وكبيرة مثل “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”، في حين أن العلاقات مع الدول الخارجية ليس مستقرة، كما أن البدائل التي تطرح نفسها لا تتوافق مع باسيل وتوجهاته.
قبل يومين، استذكر باسيل في اجتماع تكتل “لبنان القوي”، “المصالحة” مع حزب “القوات اللبنانية”، ملمحاً إلى أهميتها الاستراتيجيّة، كما تحدث عن نقاط مشتركة تجمع حزبه مع “القوات” مثل اللامركزية الادارية والمالية الموسعة. ورغم هذا “الغزل” غير المباشر، بات من الصعب جداً أن يستطيع باسيل استمالة حزب “القوات” نحوه من جديد في عز المعركة الانتخابية، لاسيما بعد المعارك السياسية التي خيضت خلال الفترات الماضية، فضلاً عن الحملات التي تضمنت شتائم واتهامات وآخرها قول باسيل إن “رئيس حزب القوات سمير جعجع يريد إشعال فتنة في البلد”
أما في ما خصّ تيار “المردة”، فإن تمكين تقاربه مع “الوطني الحر” يحتاج إلى وقت طويل، علماً أن المواجهة قد تزداد بشكل أكبر مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي أواخر العام الجاري، لاسيما أن رئيس “المردة” سليمان فرنجية سيكون المنافس الأول والأشرس لباسيل على كرسي قصر بعبدا.
وانتقالاً من “الشراكة” و “التحالفات”، وصل باسيل إلى “التفاهمات”، وذلك في إشارة إلى الاتفاق الاستراتيجي مع “حزب الله”. قبل 4 سنوات، كان باسيل يُفاخر تماماً بعبارة “المقاومة” واستخدمها للتدليل على الثوابت التي قام الاتفاق مع “حزب الله” عليها. أما اليوم، وبعد وصول التفاهم إلى مستويات حرجة، وبعد تبدل الظروف بشأن “المقاومة” وبروز إمكانية التفريط بهذا المفهوم في أي نقاشٍ قادم بشأن الاستراتيجية الدفاعية، ماذا سيقول باسيل لجمهوره عن “حزب الله”؟ هل سيعيدُ الحديث نفسه؟
في الواقع، لم يعد رئيس “الوطني الحر” قادراً على استخدام ذات “السيمفونية” بشأن “حزب الله” طالما أن التفاهم بينهما لم يتم تطويره بعد بناء لمطالبه. وحتى الآن، فإنّ الاتصالات بين باسيل والحزب مستمرّة للتفاهم على نقاط عريضة تحمل الاتفاق الثنائي إلى برّ الأمان، إلا أن الدرب ما زالت طويلة ولا مؤشرات إيجابية ثابتة تلوحُ في الأفق.
ووسط كل ذلك، فإن توجهات باسيل غير المستقرة لا تؤشر إلى “خيرٍ” بالنسبة لـ”حزب الله”. فمغازلة “القوات” من جهة والاستمرار بـ”استعداء فرنجية” من جهة أخرى، وأيضاً إيصال التحالف إلى مستويات متراجعة، كلها عوامل قد تجعلُ من باسيل بعيداً أكثر عن حليفه الإستراتيجي، الأمر الذي قد يوقعه في مآزق كبرى خصوصاً في الانتخابات
وعليه، تكشف هذه المشهدية عن أزمة كبيرة يعيشها “الوطني الحر”، في حين أنّ أوراق القوة باتت ضئيلة لديه مثل تحالفات ثابتة وقوية، أرضية شعبية متنوعة، وأحزاب داعمة. كذلك، فإن مهمّة صياغة شعارات جديدة تُقنع الجمهور باتت أصعب وأصعب. وهنا، يُطرح سؤال أساسي: ماذا سيقول باسيل للمناصرين والمُحازبين والمؤيدين؟ عن أي معركة سيتحدث؟ أي شعارٍ سيطلقه وسيكون كفيلاً لتحريك الشارع الحزبي بقوة؟ ما هي التحالفات التي سينسجها وما هي حدود الاستفادة منها؟
خلاصة القول هي إن باسيل يحتاجُ لدراسة ظروفه بشكل أعمق وحسم خياراته بشكل أوضح، والأهم هو أن يتجنب خسارة ما تبقى لديه من حلفاء. كذلك، يبقى لزاماً على باسيل أن يعي تماماً خصوصية “حزب الله” وأن يبادر إلى حسم المواقف بشأنه وحدود الالتزام معه في المعركة الانتخابية القادمة التي قد يشهدُ فيها خسائر كبيرة.
من ناحية أخرى، اعتبر رئيس “التيار الوطني الحر”، النائب جبران باسيل، أن “اتفاق “مار مخايل” بين تياره وجماعة “حزب الله” فشل في “بناء الدّولة”، داعيا إلى وضع سلاح الجماعة “ضمن سياسة الدولة” من دون أن يكون الهدف هو نزعه
باسيل أضاف، في مقابلة مع الأناضول، أن تفاهم التيار مع “حزب الله” بحاجة إلى “تطوير من ناحية الإصلاح وبناء الدولة”، معتبرا أن عودة الجماعة إلى اجتماعات الحكومة “جزء من التجاوب مع التطوير، لكنه غير كافٍ”.
ورأى أن “الخلاف واضح وكبير مع حزب الله بما يخص الأمور الداخلية، وإن حُلّت فعلى أساسها يتحدد موضوع التحالفات الانتخابية”، مشددا على أنه ليس لديه حاليا “أي مخطط أو هدف” بشأن انتخابات الرئاسة.
وأكد باسيل، صهر عون، على عروبة لبنان، وأنهم يريدون “أفضل العلاقات” مع دول الخليج، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة عدم منعهم من أن تكون لهم علاقات مع دول أخرى، مثل تركيا وإيران، واصفا العلاقات مع أنقرة بـ”الجيدة”.
الانتخابات النيابية والرئاسية
وقال باسيل إن “التيار الوطني الحر سيخوض الانتخابات النيابية في كل المناطق اللّبنانيّة،
مشروعه لا يزال نفسه، وهو مشروع الدولة، التي لا يمكن أن تقوم بظل وجود الفساد”.
وعن تحالف تياره في الانتخابات مع “حزب الله”، أجاب بأن “الخلاف واضح وكبير مع حزب الله
بما يخص الأمور الداخلية”، و “إن حُلّت هذه الأمور، فعلى أساسها يتحدد موضوع التحالفات الانتخابية”.
ورأى أن “الوطني الحر يشكل حالة شعبية في لبنان، وبناء عليها هو يستطيع خوض الانتخابات لوحده”.
وعما إذا كانت حظوظ رئيس “تيار المردة”، سليمان فرنجية، مرتفعة ليكون رئيس الجمهورية المقبل
، رد باسيل بأن “موضوع الرئاسة يشمل اعتبارات عدة، منها التمثيل الشّعبي بعد الانتخابات المقبلة،
وموضوع الخيارات السياسية، كمعرفة الجهات التي ستدعمه، وتمكّنه من
تشكيل أكثرية بالبرلمان، بالإضافة إلى برنامجه الانتخابي”.
واعتبر باسيل أن “انتخابات الرئاسة ليست مبلوَرة ومن المبكر الحديث عنها، وليس لديَّ
في الوقت الحالي أيّ مخطّط أو هدف للرّئاسة”.
تفاهم “التيار” و”حزب الله”
لم يُجب باسيل بالنفي ولا التأكيد عما إذا كان على علم مسبق بقرار عودة “حزب الله”
وحركة “أمل” إلى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، بعد تعطيلها لأكثر من ثلاثة أشهر.
ورأى أن “عودة الثنائي إلى الحكومة كانت أمرا حتميا، لأن المقاطعة لم تكن مبرَّرة ولا مقنعة.
لكن العودة غير كافية، ويجب استكمالها بمجموعة خطوات تؤدي إلى الاستقرار بالبلاد ومعالجة مشاكل الشعب”.
ومنذ عامين، يعاني اللّبنانيّون أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي
في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، وانهيار قدرتهم الشرائية
وعن سر صمود “تفاهم مار مخايل” بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، أجاب باسيل
بأن “الحاجة الوطنية له هي السر، فالتفاهم المذكور يحافظ على الوحدة بشكل أو بآخر،
علما أن هناك خلافات داخلية كافية لتنسفه، لأن أهم نقطة فيه هي بناء الدولة”.
وتابع: “الاتفاق ساعدنا على مواجهة إسرائيل ومنع تنظيم “داعش” من احتلال لبنان،
ومنع الاقتتال الداخلي، وهذا أمر أساسي، لكن لا يكفي لبناء دولة؛ فالاتفاق فشل ببناء الدّولة”.
ودعا باسيل إلى “تطوير تفاهم مار مخايل من ناحية الإصلاح وبناء الدولة”.
وعن ملاقاة “حزب الله” له بالتطوير، أجاب بأن “العودة للحكومة جزء من التجاوب
مع التطوير، لكن ذلك غير كافٍ، فالإنتاج والإصلاح هما اللّازمان”.
وعن سلاح الجماعة، قال باسيل إنه “من الضروري أن يدخل ضمن إطار تنفيذي معين،
ليكون ضمن سياسة الدولة، وهذا أمر ممكن إذا خرج البعض من فكرة المؤامرة”.
وشدد على أن “الهدف لا يجب أن يكون نزع سلاح حزب الله، إنما كيفية استعماله لمصلحة الوطن”.
وبينما تتهم عواصم إقليمية وغربية وقوى سياسية لبنانية “حزب الله” بتهديد الساحة
الداخلية بسلاحه، تقول الجماعة إن هذا السلاح يهدف حصرا إلى مقاومة إسرائيل التي تحتل مناطق في جنوبي لبنان.
**العلاقة مع “القوات اللبنانية”
بخصوص العلاقة مع حزب “القوات اللبنانية”، برئاسة سمير جعجع، قال باسيل
إن “القوات ترفض الحوار مع “الوطني الحرّ”، لأنّها تعتبر أنها تمتلك فرصة لتحقيق
الحلم التاريخي بكسر التيار أو إنهائه، وهذا رهان واهم ولن يؤدي إلى نتيجة”.
وأردف: “الحوار غير قائم مع القوات في الوقت الحالي”، مشددا في الوقت
نفسه على “أهمية الحوار والتواصل مع القوات لمصلحة الوطن والشّعب”.
تحقيق المرفأ
كشف باسيل أنه “التقى نصر الله منذ فترة غير قريبة”، ونفى أن يكونا قد تناولا
موضوع قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، طارق البيطار
ورأى أن هناك “حالة مراوحة في الملف”، مؤكدا “أهمية أن يُستكمل التحقيق العدلي
للوصول إلى القرار الظني (الاتهام)، ولا يجب البقاء بحالة مراوحة”.
واعتبر أن “التحقيق فيه استنسابيّة، لكته غير مسيَّس، لكن اليوم هناك مراوحة قاتلة، ونريد أن يتحمل القضاء مسؤوليّته”.
العلاقات الخارجية
وعن علاقته بالدول الخليجية، قال باسيل إنه “لا يجوز تصويرنا أننا بموضع عدائي معها، فنحن نريد أفضل العلاقات معها”.
وتابع: “لأن لبنان بلد عربي، ولا يجب أن يكون على خصومة معها، ولها الأولوية.
لكن في الوقت نفسه، لا يجب أن نُمنع من أن تكون لدينا علاقات مع دول أخرى، مثل تركيا وإيران وغيرهما”.
وختم بقوله: “لدينا علاقات جيدة مع تركيا، ومن الممكن أن نتعاون معها
لتوفير الطّاقة المتجدّدة للبنان أو غيرها من المسائل”.
المصدر: الأناضول