اقتصاد

إقتراحٌ غريب… بهذه الطريقة يُكافَح الفقرُ؟

تكثر في هذه الأيام، ونحن على أبواب إنتخابات نيابية مفصلية، “أعمال الخير”. لا تخلو منطقة من هذه الأعمال، التي لم نرَ لها مثيلًا في عزّ الأزمة الإقتصادية، ويوم كان الناس، في أغلبيتهم، في حاجة إلى من يخفّف عنهم بعضًا من هذه الضائقة، بدلًا من التفتيش عن مساعدات خارجية غير مجانية.  

فجأة ومن دون مقدّمات إستفاق “أصحاب الأيادي البيضاء” من سباتهم، ودبّت النخوة في عروقهم،

وتحّولوا بين ليلة وضحاها إلى “رسل سلام ومحبة”، يوزعّون المساعدات على المحتاجين، وهم كثر.

وتشمل هذه المساعدات غير المجانية أيضًا، عيّنات من مواد غذائية لم يعد المواطن الرازح تحت نير الغلاء المستفحل قادرًا على تأمينها مثلما كان يفعل قبل أن تكسر هذه الأزمة ظهره وتهدّ حيله وتهدّد حياته وحياة عياله،

الذين أصبحوا لقمة سائغة في فم الجوع الزاحف إليهم كـ”الغول”.

وفي مثل هذه الأيام الكانونية، حيث يفتقد المواطنون، وخاصة في الجبال ومع تجدّد هبّات “هبة” الباردة

لمازوت التدفئة ليطرد عنهم لسعات البرد، نرى كثيرين ممن كانوا غافلين حتى الأمس القريب

يبادرون إلى تزويد هؤلاء الناس “البردانين” بكميات لا بأس بها من مادة المازوت.  

كثيرون من هؤلاء الناس “الغلابة”، وعلى رغم فقرهم وتعتيرهم، لا تزال الكرامة الشخصية

تعني لهم الكثير، ولا تزال عزّة النفس أولوية في حياتهم، وهم يفضّلون ألف مرة أن ينام أطفالهم

من دون عشاء، أو أن يطبخوا لهم حصىً في طنجرة، على أن يمدّوا أيديهم لمن يعرفون سلفًا أن ما يقدّمونه من مساعدات ليست بدافع عمل إنساني بحت،

بل هو لغايات إنتخابية صرفة.  
قيل لهم في السابق “خدوا منهم المساعدات ولا تنتخبوهم”. قد يكون في هذا القول

بعض التخفيف من وطأة وقساوة “مدّ اليد”، لأن الجوع كافر ولا يرحم. ونحن نقول أن من يعطي بيده اليمنى من دون أن تدري يسراه ما

فعلت يمناه، وبكثير من اللياقة التي تحفظ للإنسان كرامته وعزّة نفسه وكبرها ليس عيبًا،

بل هو مطلوب، وهذا ما تدعو إليه كل الأديان السماوية، التي تحثّ على أعمال الرحمة والإكثار

منها في كل الأوقات والأزمنة، ولكن من دون تمنين أو من دون شروط أو غايات نفعية. فمثل

هؤلاء كثر، وفي كل قرية ومدينة، وفي كل الأزمنة، حيث يُعطون مجانًا لأن الله أعطاهم مجانًا.

فمن معه يُعطى ويُزاد، ومن ليس معه يؤخذ منه ما معه.  

فلو كان “فاعلو الخير” الموسميون يفعلون كما يفعل غيرهم ممن أنعم الله عليهم في دنياهم وفي كل الأوقات، ومن دون شروط مسبقة، لكانت الدنيا في ألف خير، ولما كنا نرى أناسًا يموتون من الجوع والمرض. 
ولكي نجاري أصحاب الذين يقولون “الأيد يللي ما فيك عليها بوسا ودعي عليها بالكسر”،

نقترح أن تنظّم إنتخابات نيابية أو بلدية أو إختيارية أو ما شابه سنويًا، وذلك من

أجل أن تكثر “أعمال الرحمة والخير”، فتعمّ البحبوحة على مدار السنة، ويتقاسم

الفقير خيرات الأرض مع من أنعم الله عليهم من خيراته. وكل إنتخابات وأنتم بخير. 
المصدر: لبنان 24
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com