فرع المعلومات “أكل الضرب”
ليبانون ديبايت – ميشال نصر
وسط التأزّم الإجتماعي – الصحي على وقع احتدامٍ رئاسي – مصرفي، وتصعيدٍ مؤجّل في الشارع، والتحذيرات الدولية الجدّية للمسؤولين، كما للحكومة الميقاتية المفركشة بأرقام موازنتها المعقدة،” بين الجدّ” في مكان آخر عنوانه الأمن، الذي طالما تحدث المحللون والمنظّرون عن حاجة لاستدعائه لألف سبب وسبب، تأجيل انتخابات من هنا، أو تعويم فلانٍ من هناك، دون أن يحسب “حصّة هلقدّ كبيرة لإسرائيل”.
فالقراءات والتحليلات للعملية الأمنية التي نفذها فرع المعلومات، تتباعد بشكل كبير، لجهة التوقيت، الدوافع، الأهداف، والنوعية، وإن أجمعت حول “قطبة مخفية” مجهولة، إنطلاقاً من الظروف الموضوعية التي تمرّ بها البلاد، وقناعة اللبنانيين كما الأجانب بأن” مافي شي ماشي بالبلد” ، وأن الحسابات السياسية الضيّقة باتت تتحكّم بكل المفاصل، بالضبط كما الأمور المالية والمعيشية، التي جعلت من كلّ “ديك” يبحث عن دعمٍ “لجماعته”، وفقاً لما يراه، في عملية سباقٍ كامل مع الزمن والوضع، وسط “بصم بالعشرة” بأن لا دولة، بل “دويلة” تُدير مزارع ودكاكين.
وإذا ما وضعنا جانباً مسألة التشكيك، المرتبطة بالتوجّه السياسي وبالعملية البيولوجية الجينية للبناني وطبيعته وتركيبته، فإن شعبة المعلومات ومنذ إنشائها كانت مثار جدل صلاحيات وظروف، وحتى “تبعية” إلحاقها بالحريرية السياسية بما تمثّله من منظومتها الأمنية. من هنا تبدأ القصة وهنا تنتهي، حيث النقطة الأساس ،”المعلومات” الشيء الوحيد المتبقّي من ثورة الأرز، إذا ما استثنينا الذكريات.
من قضية ميشال سماحة إلى حربها على شبكات التجسس، مروراً بالشبكات الإرهابية، ومن اغتيال الرائد وسام عيد إلى استشهاد رئيسها اللواء وسام الحسن، وبينهما الكثير من الضحايا، رسم الفرع ومن بعده الشعبة، الكثير من اللغط حول دورها الفعلي، واصطفافها، حيث اعتُبرت دوماً حصان طروادة الخليجيين والأميركيين ومن حولهم، يغدقون عليها المال والعتاد على حساب كلّ الدولة ومن خارجها، بوصفها القوة المستقبلية لمواجهة “حزب الله”، رغم أنها منذ تاريخ إنشائها، لم تتجرّأ على توقيف مقرّب من الحزب، وما تجربة الوزير وهّاب إلاّ خير دليل.
“زكّت ووطّت” مع نصبها الكمين المُحكم الذي ألبس الوزير السابق ميشال سماحة برمزيته بدلة السجن، فقامت القيامة ولم تقعد عن كيفية تركيبها للملفات “غبّ الطلب”، وعن أجندتها الخاصة حيث تغرّد خارج سرب الأجهزة الأمنية الأخرى، دون أن تشفع لها عمليات تفكيك الشبكات الإرهابية وشبكات التجسس التي كانت تخطّط لضرب البيئة الشيعية، إلى أن وصلت الأمور إلى مرحلة ما بعد ١٧ تشرين، نسي الناس الشعبة وأخبارها ودورها، لولا مواكبتها” كمّ صهريج مازوت” “شأنها شأن جميع المؤسسات والدولة “عن بكرة أبيها”.
ولأن المايسترو قرّر أن “يضوّي” عليها لحسابات لا تزال غير واضحة حتى اللحظة، والتي بالتأكيد سياسية بامتياز، لا يسقط من احتمالاتها، الإجهاز على الشعبة نفسها التي” ذبحت حالها بحالها”، كانت قنبلة الليلة وضحاها، في وقتٍ يعلن فيه وزير الداخلية عن تأمين الطبابة لقوى الأمن، ليأتي الإنجاز الغريب من خارج السياق الطبيعي للأمور.
فكيف حصل كلّ ما حصل ولماذا؟ في الشكل نشوة الإنتصار بإسقاط “17 شبكة تجسس و21 موقوفاً عميلاً”، سرعان ما “راح مفعولها” “وطارت الفرحة وإجت الفكرة”. فالعملية بكل تفاصيلها وظروفها وتطورها الزمني “يكاد المريب يقول فيها خذوني”، حيث التمعّن في شياطين التفاصيل، يوصل إلى مكانٍ مرعب
هل المطلوب الوصول إلى تدمير “الوعاء الأمني” للشارع السنّي بعد سقوط السياسي؟
بحسب ما تراه جهات مطّلعة على تفاصيل وحيثيات الأمور، سائلةً من الذي يريد ضرب الشعبة؟
من نصب الفخ وأوقعها فيه؟ وهل هي محض حسابات خاصة وصراعات “أهلية بمحلية”،
أدت إلى ما أدت إليه؟
بالعودة الى التسلسل الزمني، والكلام للمصادر يتبيّن التالي:
– تحذيرٌ عربي وحملة ضغط واسعة عربية دولية لتطبيق القرار 1559،
وتسريب خرائط ومعلومات عن مشاريع يتمّ الإعداد لها، تشكّل دول الخليج رأس حربتها.
– واقعٌ مزري في قوى الأمن الداخلي، عبّر عنه وزير الداخلية أكثر من مرة،
وصل حدّ عدم قدرته على تأمين الإستشفاء لعناصره، كذلك مصادر دعم خارجية للأجهزة الأمنية التابعة له.
– تسريبٌ أمني إلى جهة إعلامية معروفة بعدائها للشعبة، بدأ بدايةً عبر أحد ضباطها،
ليستكمله “الزلق” في المكان الثاني “المربّط فيه”، فتكتمل صورة المشهد،
إشادة من وسيلة محسوبة على “حزب الله”
بالجهاز الأمني السنّي.
– بيانٌ لقوى الأمن الداخلي، يحاول التنصّل من كلّ ما نُشر بأسلوب “مرقعة ومسخرة”،
ليعود ويتبيّن في اليوم الثاني عدم صحته مع نشر أسماء للموقوفين، الذين لم يعترفوا وهنا “القصة الكبيرة”.
ماذا يعني كلّ ما تقدّم؟ واضحٌ وفقاً لمسار الأحداث أن ثمة من أراد إرسال رسالة
واضحة لأهل الخليج وحلفائهم، كيف تريدون تطبيق ال 1559 والبلد مشرّع بطوله
وعرضه أمام عشرات الشبكات الإسرائيلية الناخرة بكل فئات البلد ومناطقه. إذاً هي رسالة – مسرحية،
“البوسطجي ” فيها جهاز أمني اتُهم بالسابق “بالقبض من الخليج برّاني”
إلى الدول التي رعتهُ وحمتهُ. أمّا ثانياً فهي “هزّة بدن” للأجهزة الأخرى، وثالثاً،
كيف يُمكن بهذه الفترة الزمنية القصيرة، أربعة أسابيع،
إسقاط هذا الكمّ من الخلايا العنقودية، فمن سلّم رأس الخيط، ومن “رشّ شقف
الخبز”التي دلّت إلى الطريق؟ والأخطر، هو الفصل الثاني من المسرحية
، الذي لن يطول ليحتلّ واجهة العرض. فهل هذه أولى تداعيات انهيار الحريرية السياسية وتحلّلها؟
إكتمال الفصول سيوضح الصورة كاملةً، فالشعبة بدأت تفقد بيئتها الوطنية الحاضنة،
من أفلام النيترات والمازوت البقاعية، قبل أن تدخل النفق الأخير ….والله يستر ….
هي مرحلةٌ، ثمة من يريد محوها من ذاكرة الأحرار بكل ما فيها….