التحقيقات المتعلقة بحاكم مصرف لبنان تتعدد أمام المحاكم
انضمت ألمانيا إلى الدول الأوروبية التي تسعى للحصول على معلومات تتعلق بالأوضاع المالية لحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، لتصبح سادس دولة تفتح تحقيقاً في ملفات سلامة وتطلب تزويدها بمعلومات قضائية بعد كل من سويسرا، فرنسا، بريطانيا، لوكسمبورغ وليختنشتاين، إضافة إلى الدعوى المقامة ضده من قبل النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، كمشتبه فيه، في جرائم تتعلق بتبييض أموال وتزوير وتهم الإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية اللبنانية، والتي وصِفت بأنها من الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الـ19 بحسب “البنك الدولي”، أشارت أصابع الرأي العام في لبنان إلى سلامة وغيره من المسؤولين في الدولة، بتهمة نقل مبالغ مالية هائلة بشكل سري إلى الخارج بالتزامن مع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وذلك على الرغم من القيود التي وضعتها المصارف اللبنانية على أموال المودعين.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن القضاء الفرنسي في يونيو (حزيران) 2021، بعد نظيره السويسري،
أنهما ينظران في ملف الثروة التي يملكها رياض سلامة في أوروبا، وذلك بعد
تلقيهما شكويَين تستهدفانه. وفتحت التحقيق “النيابة العامة المالية الوطنية”
في فرنسا، والتي تتبع حسب هرمية عمل النيابات العامة، لقصر الإليزيه.
وأتى التحقيق حينها بناء على اتهامات بـ”التآمر الجنائي” و”تبييض أموال في عصابة منظمة”،
ضمن الشكوى التي تقدمت بها منظمة “شيربا” غير الحكومية التي تدافع عن ضحايا الجرائم الاقتصادية،
و”جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والجرمية في لبنان”،
وتناولت الأصول المشبوهة لثروة سلامة التي تجاوزت مليارَي دولار.
“مدعى عليه”
طلبات الاستحصال عن معلومات حول ممتلكات حاكم مصرف لبنان
وشقيقه رجا سلامة ومعاونته ماريان الحويك وحركة حساباتهم المصرفية،
أصبحت مسألة “روتينية”، منذ أن تقدمت سويسرا وفرنسا بالعديد منها،
وكتبت صحف أجنبية وعالمية تقارير عدة عن سلامة ربطت اسمه بشبهات تبييض
أموال وفساد وكسب غير مشروع، وإساءة استخدام النفوذ لتكوين
ثروات خاصة وتهريبها إلى أسواق المال والعقارات الأوروبية، تحت
ستار من شبكات “شركات الواجهة” التي تم تسجيل بعضها في “الجنات الضريبية” العالمية.
إلا أن تطوراً خطيراً برز في الآونة الأخيرة في طلب سلطات لوكسمبورغ القضائية
، إثر قرار النيابة العامة هناك بالانتقال للتعامل مع سلامة بوصفه مدعى عليه،
ما يمثل تطوراً غير مسبوق في سياق التحقيقات التي تجري في عواصم أوروبية عدة بحقه،
ما زالت في طور “التحقيقات الأولية”.
وكان متحدث باسم القضاء في لوكسمبورغ صرح لوكالة “رويترز” في
نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن “قضية جنائية” تتعلق بسلامة وشركاته وأصوله فُتحت، وامتنع عن تقديم معلومات
أكثر في ذلك الوقت. من جهته، علق سلامة على طلب سلطات لوكسبورغ قائلاً،
إنه “إجراء عادي، وليس دعوى قضائية”، مضيفاً أنهم “لو رفعوا دعوى قانونية،
فلن يحتاجوا إلى المساعدة في التحقيق”. ونفى سلامة التقارير التي
ذكرت أن سلطات لوكسمبورغ وجهت إليه اتهامات، وأشار إلى
أن سويسرا وفرنسا سبق وأن طلبتا تعاوناً مماثلاً من لبنان.
وقال إنه طلب من مكتب مراجعة معروف، التدقيق في عمليات واستثمارات
كانت مثار “تكهنات إعلامية متوالية”. وأضاف أنه “سيتم تقديم التقرير المُعد
من مكتب التدقيق إلى السلطات القضائية وأشخاص آخرين عند الاقتضاء”.
وأكد عدم استعمال حتى “قرش واحد من الأموال عامة من أجل دفع أتعاب
وعمولات” لشركة “فوري أسوسييتس” المحدودة التي يملكها شقيقه،
مضيفاً أن “مصدر ثروتي واضح وموثق. لقد كنت مصرفياً ناجحاً في شركة ميريل لينش لمدة تقارب 20 عاماً”. وأشار إلى أن راتبه
الشهري كان نحو مليوني دولار قبل أن يغادر الشركة في عام 1993
منظمة “يوروجست”
أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عُقد مؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس خُصص لوضع خطة عمل وتنسيق الإجراءات وتبادل المعلومات في قضية ملاحقة حاكم مصرف لبنان في شبهات تبييض أموال وإثراء غير مشروع وغيرها. وضم المؤتمر بحسب مصادر قضائية لبنانية أكثر من دولة ممثَلة على المستوى القضائي كفرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ وغيرها. وعمل المحققون من الدول المعنية طوال ثلاثة أيام،
على جمع المعلومات المالية المتوفرة عن العمليات التي قام بها سلامة بين الدول التي فتحت ملفات قضائية بحقه.
وتغيب لبنان عن ذلك المؤتمر الذي نظمته وكالة “يوروجست”
التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تُعنى بتنسيق التعاون الدولي
حول القضايا الجنائية، بسبب رفض القاضي الفرنسي الذي يرأس “يوروجست”،
مشاركة القاضي اللبناني رجا حاموش إلى جانب المحامي العام التمييزي بالتكليف،
القاضي جان طنوس في المؤتمر. والقاضي طنوس
هو المكلف بهذا الملف من الجانب اللبناني،
وهو من مثل لبنان في مؤتمر مماثل في أكتوبر الماضي.
وتم إضافة اسم القاضي حاموش، إلى جانب طنوس،
قبل يومين فقط من الاجتماع ما أثار حفيظة وكالة “يوروجست”
صاحبة الدعوى، فطلبت من النائب العام التمييزي غسان عويدات سحب اسم حاموش من الوفد.
تحقيقات حول مكاسب “خيالية” لسلامة وعائلته
وأفادت مصادر إعلامية، تحدثت عن تحقيقات لوكسمبورغ، بأن العشرات من “شركات الواجهة”
التي ترتبط ببعضها البعض بشبكة من الملكيات المتشابكة والمعقدة،
“استخدمها رياض سلامة والمحيطون به لإخفاء ملكية أصوله التي
تم تهريبها إلى أوروبا على شكل حسابات مالية وملكيات عقارية”.
وبحسب التحقيقات ذاتها و”بمجرد التدقيق في هذه الشركات وحساباتها المصرفية،
تبين أن سلامة تمكن من تهريب سيولة تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار أميركي،
من خلال النظام المصرفي في لوكسمبورغ، ومن خلال حساب مصرفي واحد فقط”.
وأن طلب مزيد من المعلومات، تقدمت به لوكسمبورغ، توسع ليشمل مجموعة مختلفة
من الشركات العاملة في لبنان، يملكها الحاكم وشقيقه ومقربون منه، استُخدمت
لإجراء التحويلات باتجاه مصارف لوكسمبورغ، إضافة إلى داتا الحسابات المصرفية
المرتبطة بهذه الشركات. علماً أن ثلاث شركات مشمولة بتحقيقات لوكسمبورغ، مملوكة من سلامة وعائلته،
تمكنت من تملك أصول عقارية واستثمارات بقيمة 100 مليون دولار في لوكسمبورغ وحدها.
وفي ذات الوقت، عقدت إحدى تلك الشركات صفقات استثمارية “مشبوهة” مع “بنك عودة” اللبناني،
تزامناً مع استفادة الأخير من أرباح خيالية إثر الهندسات المالية التي نفذها سلامة في عام 2016.
وكانت النيابة المالية الوطنية الفرنسية فتحت تحقيقاً في يونيو (حزيران) 2021 حول مصدر ثروة سلامة،
تناول تحويلات مالية بأكثر من 300 مليون دولار أجراها سلامة وشقيقه رجا سلامة بين لبنان وسويسرا.
وكانت الشكوى التي تقدمت بها منظمة “شيربا” أفادت بأن “الثروة العالمية
لرياض سلامة تتخطى حالياً المليارَي دولار”،
وأن “قيمة الأصول التي يملكها في لوكسمبورغ بلغت 94 مليون دولار عام 2018”.
وسبق أن فُتح تحقيق بحق سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك في سويسرا.
وكان حاكم المركزي دافع عن نفسه قائلاً، إن أمواله كلها مصرح بها وقانونية،
وإنه جمع ثروته مما ورثه وعبر مسيرته المهنية في القطاع المالي.
وأوضح سلامة أن أصوله الشخصية كانت تبلغ 23 مليون دولار
حين تسلم منصبه عام 1993، وأن زيادة ثروته مذاك، ناجمة
عن استثمارات لا تتعارض مع الالتزامات المرتبطة بمهمات وظيفته، وهو ما ينفيه خبراء قانونيون لبنانيون.
وكان المحامي بيار- أوليفييه سور، وكيل سلامة، أعلن في بيان صدر في يونيو 2021،
أن التحقيق الذي بدأته فرنسا حول ثروة حاكم مصرف لبنان، هو عملية “إعلامية وسياسية”
. وأضاف سور أن التحقيق بدأ عقب شكويَين من منظمة المجتمع المدني الفرنسية
“شيربا” و”جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والجرمية في لبنان”، اللتين قال عنهما، إن “مصالحهما المباشرة
وغير المباشرة في لبنان تبقى مجهولة”. وقال إنه لا توجد أي دلائل قاطعة
تثبت صحة الاتهامات أو تؤكدها، مضيفاً أن “المصطلحات التي وردت في القرار
الفرنسي تعكس مبالغات كثيرة، ما يظهر مدى التلاعب”.
*نقلاً عن “إندبندنت عربية”