الدعم بالدولار مستمر من جيوب المودعين!
نداء الوطن
استنفدت سياسة الدعم التي انتهجت منذ بدء الأزمة، جزءاً كبيراً مما كان بقي من احتياطيات العملات الصعبة. “القصة” بدأت بدعم استيراد المحروقات في 2019 على سعر الصرف الرسمي، وتوسعت بشكل هائل في 2020 و2021 حيث طال الدعم المواد الغذائية والطحين والأدوية. ولم يتوقف كل الدعم مع حكومة نجيب ميقاتي، التي تراجع احتياطي العملات منذ تشكيلها بنحو ملياري دولار. كما حشيت موازنة 2022 بمواد دعم مخفية ومفضوحة.
ما زال الدعم على استيراد المشتقات النفطية والأدوية وبعض المواد الغذائية مستمراً لغاية اللحظة، ولو بنسب متفاوتة. باستثناء مادة المازوت، يدعم مصرف لبنان بدولارات على سعر المنصة 85 في المئة من استيراد البنزين (نستورد بحدود 120 مليون صفيحة سنوياً، بحسب الدولية للمعلومات) والغاز المنزلي والصناعي بشقية “البوتان” و”البروبان”. وهو يؤمن للمستوردين الدولار على سعر أقل من سعر السوق السوداء. كما يدعم مصرف لبنان بشكل كامل استيراد القمح بمبلغ وصل خلال 2021 إلى 129 مليون دولار. ويؤمن لمستوردي الأدوية حوالى 420 مليون دولار (35 مليون دولار شهرياً) على سعر الصرف الرسمي لاستيراد أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والمستلزمات الطبية. يضاف الى ذلك الدعم شبه اليومي لسعر الصرف عبر تدخل مصرف لبنان للجم صعود الدولار، اضافة الى الدعم المقدم لقطاعي الكهرباء والاتصالات.
215 مليوناً للكهرباءفي الشق المباشر أيضاً، فان مشروع موازنة 2022 كما خرجت من قصر بعبدا يتضمن دعماً لـ”كهرباء لبنان” بقيمة لن تقل عن 215 مليون دولار. فالرئيس ميشال عون اقترح توزيع ثلثي المبلغ المخصص لتسديد فوائد لـ”المركزي” والمصارف عن سندات الخزينة بالليرة، البالغ 6400 مليار ليرة إلى كهرباء لبنان أي 4266 مليار ليرة. وبما أن المبلغ سيخصص لشراء الفيول، فانه سيتحول إلى الدولار عبر مصرف لبنان. أما القيمة النهائية للدعم فستحدد بناء على سعر الصرف المعتمد.
إضافة إلى الدعم المباشر تتضمن موازنة 2022 ما يقارب 4 تريليون ليرة (4000 مليار) دعما غير مباشر على شكل مساعدات لموظفي القطاع العام بقيمة 2.6 تريليون ليرة ومنظمات المجتمع المدني بقيمة 1.4 تريليون ليرة”، بحسب رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد. وسيضاف إلى هذا المبلغ تخصيص ثلث مبلغ 6400 مليار ليرة آنف الذكر، أو ما يعادل 2133 ملياراً لزيادة معاشات القطاع العام، كما اقترح رئيس الجمهورية.
وبحسب راشد فان “الحاجة إلى تعديل رواتب وأجور موظفي القطاع العام لا تعني بطبيعة الحال زيادتها فوضوياً. إذ أقرت الموازنة مساعدات مالية وراتباً إضافياً عن كل شهر لمدة سنة. وبالاضافة إلى هذه المبالغ التي لا يمكن وضعها في خانة الدعم المباشر، فان ما يُقدم للموظفين من خدمات صحية واستشفائية وتعليمية وعائلية بقيمة 7 تريليون ليرة يمكن وضعه في خانة الدعم المباشر”.
إضافة إلى بنود المساعدات العديدة للقطاعين العام والخاص المدرجة في الموازنة، تتضمن جداولها ثلاثة بنود للدعم: الأول للخبز لم تحدد قيمته، والثاني للشمندر السكري لم تتحدد قيمته أيضاً، والثالث للمحروقات بقيمة 1800 مليار ليرة. وقد برر هذا الدعم في بيان التبويب تحت عنوان “المساعدات لغير القطاع العام” بـ: “تسديد قيمة الفرق بين سعر الدولار بحسب منصة صيرفة والسعر المعتمد في جدول ترتيب الاسعار المحدد بـ 8000 ليرة لبنانية الناجم عن تغطية دعم المحروقات، من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء”.
“الغريب في بند الدعم هذا، أنه يحتسب الفرق بين سعر صيرفة والسعر 8000 المعتمد في جدول تركيب أسعار المحروقات، فيما كل الدعم على المحروقات أصبح على سعر صيرفة”، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مارديني. هذا أولاً، أما ثانياً فان “الجمع بين دعم المحروقات ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء يوحي بدعم المحروقات لهذه الفئات على أساس سعر صرف 8000 ليرة. فهل هذا هو المقصود؟!”. مع الاشارة إلى ان احتساب المبلغ على أساس 8000 ليرة يساوي 225 مليون دولار.
“بغض النظر عن الأشياء المدعومة، والمنطق المعتمد، وعلى أي
سعر صرف، فان استمرار هذه السياسة خاطئ جملة وتفصيلاً”،
بحسب مارديني. و”لا يجوز بأي شكل من الأشكال تضمين الموازنة أي دعم؛
فكيف إذا كان دعماً مبهماً كما أشرنا في السابق، لا يؤدي إلى استنزاف ما تبقى من حقوق المودعين فقط،
إنما إلى امكان فقدان السلع كما سبق وحصل في الغذاء والمحروقات والدواء،
ونلمسه اليوم بشكل فاضح في الكهرباء والاتصالات”.
“لم يعد هناك أي مبرر لاعتماد سعر صيرفة لدعم استيراد المحروقات.
فلنسعر بالدولار بين المستوردين والمحطات، وليحتسبوا السعر في الأخيرة بالليرة على أساس سعر الصرف اليومي”،
برأي مرديني. “فاذا كان الدعم غير مكلف كثيراً حالياً بسبب تقارب سعر الصرف وصيرفة،
فهو قد يصبح 10 آلاف ليرة في المدى القريب إذا ارتفع سعر صرف السوق السوداء”.
“أما الكهرباء فحدث ولا حرج عن مساوئ دعمها الذي انتج 48 مليار دولار عجزاً،
والنتيجة لا كهرباء. والحل بوقف الدعم فوراً وليس باستبدال المبالغ المخصصة
للفوائد بالموازنة لتغطية عجز استيراد المحروقات. فالمشكلة تتمثل في بيع الخدمة بأقل من الكلفة”،
من وجهة نظر مارديني. وبمجرد تعديل التعرفة وتقليص الهدر قد ينخفض الاستهلاك
بمقدار 30 و40 في المئة كما حصل مع المحروقات، وتصبح الكمية المنتجة قادرة على
تغطية 18 ساعة في اليوم، من دون الحاجة الماسة إلى معامل جديدة. وإذا كانت
الدولة عاجزة عن منع التعديات وتحصيل الفواتير فلتبع الخدمة للقطاع الخاص،
وليتحمل هو مسؤولية الجباية. فالقطاع الخاص برهن عن قدرة في التوزيع بدليل أن لا متأخرات ولا هدر في قطاع المولدات”.
“الأمر نفسه ينسحب على قطاع الاتصالات. الذي عاش طوال العقدين المنصرمين على
تعرفة مرتفعة جداً من جهة، وتحملت الدولة النفقات الاستثمارية من الجهة الثانية.
اليوم أتت الأزمة وعرت القطاع وأظهرت عيوبه. فهو مستمر في الوقت الحالي نتيجة دعم الدولة له،
واذا استمر هذا الدعم سيتحول إلى قطاع كهرباء رقم 2.
من هنا المطلوب ليس فقط زيادة التعرفة لشراء المحروقات وتشغيل المحطات والصيانة،
إنما فتح القطاع على المنافسة والغاء الاحتكار في هذا القطاع”، برأي مارديني.
و”ليسمحوا لشركات اتصالات أخرى استيراد الخدمة من الخارج عبر كابل مختلف،
وليفتحوا المنافسة على أفضل الأسعار والخدمات.
الدعم بالتعميم 161″في الأثناء، يستمر مصرف لبنان بدعم الرواتب والأجور لموظفي
القطاعين العام والخاص والسحوبات والتحويلات لمودعي المصارف أجمعين من خلال التعميم 161.
والكلفة المتوقعة لهذه العملية ستتجاوز 1.5 مليار دولار خلال شهري كانون الثاني وشباط الحالي،
وهي ستعمق الخسائر كلما استمرت أكثر.
ولم يكن الغاية منها أكثر من تسهيل اقرار الموازنة وتبسيط المباحثات مع صندوق النقد الدولي.
فتمت التضحية بما تبقى من حقوق للمودعين في مصرف لبنان. والمشكلة الأكبر أن هذه السياسة
غير مستدامة وستؤدي فور توقفها إلى قفزة بسعر صرف الدولار كبيرة جداً”.
على عكس ما يعتقد الكثيرون فان فوائد الدعم لا تعود كلها على المواطنين بقدر
ما تغذي جيوب المحتكرين. وقد أظهرت تجربة السنوات الثلاث الأخيرة أنها تؤدي إلى هدر الموارد المالية ولا تعطي النتائج الإيجابية المرجوة.