ما حقيقة رفع الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة؟
راجانا حمية – الأخبار
هل آن أوان رفع الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة؟
بات هذا السؤال أقرب إلى التصديق اليوم مع بروز مؤشراتٍ عدة تقود إليه.
قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، حضر المؤشر الأول في مؤتمر وزير الصحة العامة، فراس أبيض، الذي خصّصه للحديث عن آخر المستجدّات المتعلقة بملف أدوية الأمراض السرطانية. يومها، أعلن أبيض أن أموال الدعم لا تكفي لسدّ الحاجة إلى الدواء، إذ يذهب 70% منها للأمراض السرطانية والمستعصية. وهذا يعني عملياً أن الـ30% المتبقية لا تكفي لتمويل أدوية الأمراض المزمنة. أمر ترجمه أبيض في التخلي عن أنواعٍ من الأدوية، تقع في معظمها ضمن شريحة الـA1 (أي تلك التي تحظى بـ25% من الدعم تقريباً) من ملفات المستوردين وترتيب لائحة جديدة من الأولويات.
في ثاني المؤشرات، يحضر مؤتمر الأسبوع الماضي الذي خُصّص لدعم صناعة الأدوية المحلية، والذي جمع إلى أبيض، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونقابة أصحاب مصانع الأدوية المحلية والمعنيين بملف الدواء. وقد شهد هذا الحفل إطلاق المرحلة الثانية من ترشيد الدعم على أدوية الأمراض المزمنة، حيث أعلن أبيض عن استراتيجية دعم جديدة تقوم على مبدأ سحب أنواع وأصناف من الأدوية المستوردة من لوائح الدعم والعمل بالمقابل على دعم بدائلها الوطنية. وقد حدّد عدد البدائل بـ1161 دواء.
عملاً بهذا المبدأ، يأمل أبيض تحقيق هدفين اثنين، على قاعدة ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فهو إذ يوفّر جزءاً من مبالغ الدعم التي يرصدها مصرف لبنان لتحويلها من الأدوية المستوردة التي لها بدائل محلية إلى أدوية الأمراض السرطانية، يعمد من الناحية المقابلة إلى أن يكون “أول من يتبنّى دعم الصناعة الوطنية بهذا الكمّ من جهة والتخفّف تالياً من الضغط الشهري الذي تتسبّب به طلبات المستوردين كما الحيرة التي ترافقه في كيفية تقسيم 7 إلى 8 ملايين تبقى من أصل 25 مليوناً يدعم بها المركزي الدواء” بحسب مصادر متابعة للملف.
وفي إطار الدعم اللاحق بالصناعة الوطنية، سيكمل الوزير أبيض طريق رفع الدعم، حيث ستكون المحطة المقبلة “رفع الدعم عن الأدوية التي تؤخذ بالأمصال (الإبر) في المستشفيات، على أن يكون الرفع كلياً بالنسبة إلى الأدوية التي تقع ضمن الشريحة A1، وجزئياً وموزّعاً وفق نسبٍ مئوية ضمن الشرائح المتبقية”. أما الأسباب التي تدفع نحو هذه الإجراءات، فهي “اطمئنان” أبيض لوجود بدائل لها في السوق المحلي والتخلّص من جزء من الضغط الذي تمارسه الشركات، إضافة إلى “انزعاج الوزير من تحميل المستشفيات فواتير عالية جداً في هذا الشق، ما يعني أن هناك ربحاً يُحقق هنا”. يضاف إلى ذلك أن الدعم هنا “يذهب إلى المستشفيات وليس إلى المرضى مباشرة”.
الخروج الجزئي من حلقة الدعم بهذه الطريقة لا يعني بأن الأمور انتهت عند هذا الحد. فثمة إشكاليات أخرى تصنّف الحلول التي يتخذها الوزير أبيض في خانة المؤقّت، منها ما يتعلق بأموال الدعم نفسها ومنها ما يتعلّق بدعم الصناعة الوطنية.
في الشق المتعلّق بأموال الدعم، “لا أحد يمكنه أن يتكهّن بما سيكون عليه الدعم في المرحلة المقبلة، إذ إن هذه الأموال ليست ثابتة، وهي تخضع لما يقرّره حاكم مصرف لبنان نفسه”. وهو ما سينعكس على الشق الثاني المتعلّق بالصناعة الوطنية، إذ يطمح أبيض إلى رفع الدعم هنا إلى 8 ملايين دولار، إلا أن الأزمة التي قد تبرز هي في مدى استمرارية الدعم من جهة وقدرة الصناعة الوطنية وجهوزيتها لتلبية الحاجات.
وفقاً للتجربة السابقة، لم تستطع الصناعة الوطنية حجز هذا المكان، إذ إنه برغم الحوافز “لم تستطع أن تغطي أكثر من 50% من الحاجة”. وهذا ما يطرح جملة أسئلة: هل ستكون قادرة اليوم مع زيادة الحوافز على تغطية السوق نوعياً وعددياً؟ هل ستكون أسعارها تشجيعية بمعنى أنها ستخفّف من الأكلاف على المواطنين؟ وهل سيكون الرقم الـ1161 ثابتاً كإنتاج وطني؟ حول هذا السؤال الأخير، تشير المصادر إلى “صعوبة الحديث عن انسيابية في الإنتاج خصوصاً أنّ العقدة لا تزال هي نفسها، أي أموال الدعم، فإيقاع الانسيابية هنا مربوط بدعم الحاكم، أضف إلى أن الحديث عن هذا العدد من الأدوية غير دقيق وهو ما ثبت في التجربة الماضية”. إلى ذلك، تستبعد المصادر أن تغطي هذه الأصناف السوق المحلي “كما يُروّج”.
أما نيّة وزير الصحة توفير جزء من الدعم لتحويله إلى أدوية الأمراض السرطانية، فليس “لها وقع كبير، إذ إن الوفر المحتمل شهرياً سيُحصر ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين، وهو مبلغ ليس كافياً في المرحلة الآتية”، على ما تشير المصادر. وهو ما قد يدفع إلى “مزيد من الخيارات”، كأن ينسحب رفع الدعم على الأدوية التي لا بدائل لها، إذ تشير المصادر هنا إلى أن “هناك نيّة باتت أقرب إلى الواقع بالاكتفاء بدعم عددٍ من الأصناف فقط”! أما ما يفصل فهو الوقت… فيما النية موجودة. أما أولى النتائج فهي فواتير مرضى بالملايين.