“غرائب” التحالفات الانتخابية.. هل تكفي “المصلحة” لتبريرها؟!
مع تبلور الصورة الانتخابية بشكل واضح، بعيد إقفال مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية بموجب القانون، ظهرت جليًا التحالفات التي ستخوض على أساسها القوى السياسيّة المختلفة، من الموالاة والمعارضة والمجتمع المدني، الاستحقاق الموعود والذي يصفه كثيرون بـ”المصيري والمفصليّ”، وقوامها “المصلحة الانتخابية” أولاً وقبل كلّ شيء، وربما أخيرًا أيضًا.
أكثر من ذلك، تمخّضت اللوائح النهائية التي دخلت السابق عن “غرائب”
بالجملة كما يرى البعض، إذ إنّ بعض القوى السياسية لم تتحالف فقط مع “خصوم” تقليديّين وتاريخيّين بداعي “تقاطع المصالح”، كما حصل في دورة العام 2018أساسًا، وهو ما ينطبق على الكثير من الأحزاب التي عانت “داخليًا” نتيجة ذلك، ولكنّ بعضها ذهب إلى حدّ التحالف مع من كان يجاهر قبل شهر فقط، بـ”العداء” له، بكلّ بساطة.
وكما “أحزاب السلطة”، لم تسلم قوى المجتمع المدني من الانتقادات في
هذا السياق، التي أضيفت للانتقادات التي وُجّهت لها على خلفيّة “التشتّت والشرذمة” الذي ظهر في “كمّ” اللوائح التي تمثّلها، علمًا أنّ مسألة التحالفات بالتحديد لطالما شكّلت “نقطة إشكالية” قسّمت هذه القوى بين معسكرين، أحدهما يدعو إلى “الانسجام مع الذات”، ويرفض التحالف مع أيّ من القوى التي
تعاقبت على السلطة، وآخر “ينفتح” عليها، من باب “البراغماتية والواقعية السياسية”.
“التيار الوطني الحر” نموذجًا!
عند الحديث عن “غرائب” التحالفات الانتخابية، قد يكون “التيار الوطني الحر” مرّة
أخرى نموذجًا لافتًا، وربما نافرًا بالنسبة إلى البعض، ولو أنّه ليس الوحيد الذي اعتمد “تكتيك المصلحة”، علمًا أنّ قياديّيه دأبوا في الآونة الأخيرة على التصريح جهارًا بأنّ “التحالف السياسي شيء والتحالف الانتخابي شيء آخر”، بل إنّ بعض قادته لم يتردّد في القول إنّ “التقاطع” مع “الحلفاء الانتخابي” سينتهي مع إقفال صناديق الاقتراع في 15 أيار بطبيعة الحال.
وإذا كان “التيار” بهذا “الدفاع الاستباقي” حاول تلقّف وربما احتواء ردود الفعل التي
كان يتوقّعها سلفًا، فإنّه لم ينجح في “إخفائها أو حجبها”، حيث طُرِحت الكثير من التساؤلات حول “مبدئية” التحالف مع شخصيّات يعتبرها الجمهور “العونيّ” من “رموز” الفساد، ولو كانت تندرج تحت خانة “حليف الحليف”، أو من وصفه رئيس “التيار” الوزير السابق جبران باسيل يومًا بـ”البلطجي”، في ظلّ “حروب طاحنة” لا يزال الجمهور الحزبي الافتراضي يخوضها.
وفي وقت قيل إنّ “حزب الله” لعب دورًا في “تبرير” هذه التحالفات، باعتبار
أنّ “التيار” متمسّك بالتحالف والتفاهم معه، ما أفضى إلى “تحالف قسري
بالضرورة” مع حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّ “التحالف” الذي أثار “الصدمة” حصل
في صيدا مع المرشّح الإسلامي علي الشيخ عمار، الذي كان قبل أسبوعين
فقط يقول إنّ “التيار الوطني الحر يضمّ في جنباته قادة ومسؤولين أقلّ
ما يقال فيهم إنّها أعداء لكل ما هو حقيقة وعدالة وحرية وكرامة”، في تغريدة لم تُحذَف!
ما “السرّ”؟!
صحيح أنّ الشيخ عمار أعلن نفسه، بعد “البلبلة”، مرشحًا مستقلاً
ضمن لائحة، متنصّلاً بشكل أو بآخر من التحالف مع “التيار” ربما، إلا أنّ
الحقيقة التي لا لبس فيها أنّه يخوض الانتخابات على لائحة واحدة
مع “الوطني الحر”، فيساعدهم ويساعدوه للوصول إلى الندوة البرلمانية،
بعدما قيل إنّ “التيار” كان يعاني من “أزمة جوهرية” في صيدا تحديدًا، حيث لم يجد “حليفًا حقيقيًا”، ما كان من شأنه أن يلحق به “الهزيمة” حتى في جزين، بكلّ ما تنطوي عليه من رمزية
قد يكون هذا التفصيل أساسيًا لشرح خلفيّات بعض التحالفات “الغريبة”، والتي يعزوها البعض إلى طبيعة القانون الانتخابي الساري، بل إلى “تعقيداته”، فهو فرض الانضواء للوائح لخوض السباق، ووضع بعض “الشروط” التي قد تفرض الذهاب إلى “ائتلافات هجينة”، وعلى رأسها تأمين الحاصل الانتخابي، من دون أن ننسى الإنفاق الانتخابي، الذي دفع بعض التيارات إلى التحالف مع رجال أعمال و”متموّلين”، لأغراض “الدعاية”، إن جاز التعبير.
ومع أنّ النظام النسبي الذي يفترض أنّ القانون الانتخابي يعتمده، ولو أنّ الكثير
من الخبراء يعتبرونه في الواقع، وعلى العكس من ذلك، نظامًا أكثريًا مقنّعًا، يفترض
أنّ اللوائح تشكّل “مجموعات عمل” منسجمة مع نفسها، ما يحوّل المنافسة من الأشخاص إلى البرامج، فإنّ الواضح من خلال هذه التحالفات “الهجينة” أنّ المنافسة لم تعد فقط بين الأشخاص، بل حتى بين “رفاق اللائحة الواحدة”، وهي تتركّز على الأصوات التفضيلية بطبيعة الحال.
لا شكّ أنّ التحالفات الانتخابية هي من “غرائب” استحقاق 2022 الانتخابي
، وإن كان بعضها مكرَّرًا عن استحقاق 2018، بفعل القانون الانتخابي
الذي تطلّب مقاربات مختلفة عن السابق. لكنّ مثل هذه التحالفات
، التي تنطوي على المصلحة قبل كلّ شيء، تطرح الكثير من الأسئلة
عن أحزاب تصف نفسها بـ”المبدئية”، لكنّها لا تتوانى عن التحالف
مع قوى تناصبها “العداء” من أجل مقعد نيابي بالزائد، لا أكثر ولا أقلّ!