سلامة الذي يملك عقاراً على بحيرة جنيف لم يرَه قط…يختنق في أوروبا ويتنفّس الصعداء في لبنان
قال حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في مقابلة تلفزيونية مع تلفزيون سويسري، إنه مستعد للقاء ممثلي الادعاء السويسريين وجهاً لوجه، والردّ على أسئلتهم بشأن تحقيقهم في غسل الأموال.
قال مكتب المدعي العام السويسري، العام الماضي، إنه طلب مساعدة قانونية من لبنان في سياق التحقيق في عمليات غسل أموال ضخمة واختلاس محتمل يتعلق بالبنك المركزي. واستجوب النائب العام اللبناني، سلامة، العام الماضي، بناء على هذا الطلب.
وقدر سلامة ثروته الشخصية بنحو 150 مليون دولار، زادت من 23 مليون دولار في 1993، قبل أن يتولى منصب حاكم مصرف لبنان، بفضل استثمارات.
وأعلنت وكالة التعاون القضائي الجنائي الأوروبية في مارس/آذار الماضي تجميد 120 مليون يورو (131 مليون دولار) من الأصول اللبنانية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا لارتباطها بتحقيق في جرائم اختلاس. وقال مدعون ألمان إن هذه الخطوة مرتبطة بالتحقيق في شأن سلامة.
https://www.srf.ch/play/tv/redirect/detail/ca468425-9880-484b-8fb4-d9bab2137c9d
من ناحية أخرى، لم يكن تجميد أصول سلامة والحلقة المقرّبة منه في خمس دول أوروبيّة آخر المطاف، بالنسبة إلى ملفّاته القضائيّة المفتوحة في هذه الدول، والتي تنسّق تحقيقاتها في إطار وكالة “يوروجست” الأوروبيّة. فالأيام الماضية حفلت بسلسلة من المستجدات التي توحي بأن الخناق يضيق على الرجل على الساحة الأوروبيّة، من خلال الاستقصاءات الإضافيّة التي تؤكّد أن ما بحوزة المحققين بات معطيات دسمة، تدفع نحو المزيد من التعمّق في الملف. في المقابل، تتزايد المؤشرات التي توحي بأن ملف سلامة القضائي سيكون على الرف مؤقّتًا، بانتظار تمرير استحقاق الانتخابات النيابيّة المقبلة. وبمراقبة المسارين معًا، يبدو أن سلامة سيمضي الأيام المقبلة مختنقًا على الساحة الأوروبيّة، ومتنفِسًا الصعداء في لبنان.
توسّع التحقيقات الأوروبيّة
مصادر مواكبة للتحقيقات الأوروبيّة أفادت بأن المحققين السويسريين راسلوا في أواخر الأسبوع الماضي خمسة مصارف سويسريّة، للحصول على معلومات إضافيّة تخص التحويلات الماليّة التي قام بها رياض سلامة، والحلقة المقرّبة منه التي تم استعمال أسمائها في عمليّات تحويل الأموال عبر البلدان الأوروبيّة. كما شملت التقصيات الإضافيّة مؤسسة Julius Baer المتخصصة بإدارة المحافظ الماليّة والثروات في سويسرا، بالإضافة إلى مصرف “جي. بي. مورغن” الذي لعب دور المصرف المراسل في جميع هذه التحويلات. أمّا هدف هذه التحقيقات الإضافيّة، فليس سوى تتبّع التحويلات التي جرت انطلاقًا من مصرف HSBC باتجاه هذه المصارف والمؤسسات الماليّة، بعد أن تم تحويل هذه الأموال من حسابات شركة فوري الوسيطة في مصرف لبنان.
مع الإشارة إلى أن مصرف HSBC مثّل المحطّة الأولى في سويسرا التي استوعبت هذه التحويلات، قبل تحويلها إلى المصارف الأخرى، بعد أن وافق المصرف على فتح حساب بإسم شركة فوري لديه. كما تشير المصادر نفسها إلى أنّ تحقيقات داخليّة تجري في الوقت الراهن داخل مصرف HSBC نفسه، لتحليل كيفيّة تورّط المصرف في العمل كحلقة وسيطة طوال السنوات الممتدة بين عامي 2001 و2016 لمصلحة شركة فوري، من دون أن يفعّل ذلك “مؤشّرات التنبيه” التي يعتمدها المصرف للحذر من عمليّات تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.
في خلاصة الأمر، ما يستهدفه المحققون في أوروبا حاليًّا هو رسم خريطة متكاملة،
ترصد كيفيّة انتقال الأموال من مصرف HSBC إلى المصارف الأوروبيّة الأخرى،
ومن ثم باتجاه السوق العقاري الأوروبي، والشركات الواجهة التي
استخدمها سلامة وشركاؤه في عمليات تبييض الأموال. مع العلم أن هذا النوع من الاستقصاءات الماليّة ستستلزم أشهراً من العمل خلال الفترة المقبلة، خصوصًا أنها لن تعني فقط تتبّع الحسابات المعنيّة بهذه التحويلات، بل أيضًا تتبع حسابات المصارف المراسلة التي عملت كوسيط في عمليّات التحويل. أمّا فجوة المعلومات فتبقى دائمًا التحويلات التي مرّت بالمصارف اللبنانيّة أو استقرّت فيها،
بالنظر إلى امتناع النظام المصرفي اللبناني حتّى اللحظة عن التعاون مع التحقيقات الأوروبيّة.
لفلفة محليّة
محليًّا، يستمر ظهور المؤشرات التي تدل على أن القضاء اللبناني يتجه نحو لفلفة
الملف محليًّا بشكل مؤقّت. فبعد إرجاء قاضي التحقيق الأوّل نقولا منصور استجواب
حاكم مصرف لبنان إلى شهر حزيران المقبل، وقرار القاضي نفسه إخلاء سبيل رجا سلامة
(شقيق الحاكم) لقاء كفالة ماليّة قيمتها 500 مليار ليرة لبنانيّة، أصدرت الهيئة
الاتهاميّة في جبل لبنان برئاسة القاضي بيار فرنسيس يوم أمس الثلاثاء قرارًا قضى
بتخفيض الكفالة لحدود 200 مليار ليرة لبنانيّة، لتسهيل عمليّة إخلاء السبيل وتأمين
المبلغ المطلوب. مع الإشارة إلى أنّ وكيل رجا سلامة المحامي مروان عيسى
الخوري كان قد استأنف خلال وقت سابق قرار القاضي منصور، أمام الهيئة الاتهاميّة، كمحاولة
لتخفيض قيمة الكفالة المطلوبة مقابل إخلاء سبيل رجا سلامة.
باختصار، تتجه الأمور محلّيًّا إلى إرجاء البت بالملف القضائي بأسره إلى ما
بعد الانتخابات النيابيّة، لتحييد تطورات الملف عن نتائج الانتخابات أولًا، وعدم
توريط حكومة ميقاتي في مهمّة البحث عن بديل سلامة ثانيًا. وفي جميع الحالات، يدرك الجميع أن الملف القضائي الذي يزداد دسامة في أوروبا لن يسمح لأحد بإغلاق الملف على المستوى المحلي نهائيًّا، وهو ما يدفع ميقاتي للإكتفاء
بإرجاء البت به فقط، بانتظار الظروف التي قد تكون مؤاتية للبحث في مخارج لهذه القضيّة.
مع العلم أن الملف الموجود بحوزة القاضي جان طنّوس يراوح مكانه أيضًا،
في ظل رفض القاضي عويدات تقديم الادعاء على الحاكم، ورفضه أيضًا تكثيف الضغط القضائي على المصارف لتسليم داتا الحسابات المصرفيّة المطلوبة، لاستكمال معطيات الملف، وهو ما يندرج في سياق “اللفلفة” المؤقتة للقضيّة.
غادة عون لا تبالي
في الوقت نفسه، مازالت تتوالى تداعيات زيارة القاضية غادة عون
الأخيرة إلى فرنسا من دون إذن رسمي من وزير العدل، والتي توجتها
بتصريحات مسيئة لبعض زملائها في السلك القضائي، بعد
مشاركتها بندوة في ملحق مجلس الشيوخ الفرنسي. مع الإشارة إلى أن زيارة عون الباريسيّة تتصل بملف سلامة القضائي، لكون دعوتها إلى المؤتمر جاءت بوصفها بطلة من أبطال مكافحة الفساد في
لبنان، الذين عملوا على مساندة أصحاب الودائع الصغيرة في
النظام المصرفي، فيما جاءت تصريحاتها المسيئة
لزملائها على خلفيّة قراراتهم المتصلة بملف رياض ورجا سلامة.
آخر تطوّرات هذا المسار كانت إحالة القاضية عون إلى هيئة التفتيش القضائي خلال
الأيام الماضية، بعد أن طلب رئيس الهيئة إحالتها إلى المجلس التأديبي لمساءلتها
حول مشاركتها في المؤتمر، وإطلاقها التصريحات الإشكاليّة الموثقة بالصوت والصورة.
لكن حتّى اللحظة، لا يبدو أن جميع هذه الإحالات ستتمكّن توجيه ضربة مؤثّرة للقاضية
عون، بالنظر إلى الدعم المطلق الذي تحظى به من دوائر القصر
الجمهوري، خصوصًا أن جميع المؤشّرات تدل على التيار الوطني الحر يتعامل مع غادة عون كورقة انتخابيّة رابحة لا يمكن التفريط بها.
في النتيجة، من المتوقّع أن يسعى ميقاتي إلى تمرير الأسابيع التي تفصلنا عن الانتخابات
النيابيّة بأقل قدر ممكن من الضجيج في ملف الحاكم، بعد أن استثمر التيار العوني ما يمكن
استثماره في هذا الملف، وبعد أن تبيّن للتيار أنّه استنفد ما يمكن استعماله من وسائل
الضغط القضائي في القضيّة. أمّا في أوروبا، فعلى رياض سلامة أن يتدبّر أمره بنفسه!
للمزيد من الأخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي: