اخبار محلية

“جنون” الدولار… سلامة يبتز الحكومة بسعر الصرف؟!

بقلم علي نور الدين – المدن

صبيحة اليوم الثلاثاء، افتتحت السوق الموازية في العاصمة بيروت نشاطها على سعر صرف قارب 27,700 ليرة للدولار الواحد، بعد أن لامس هذا السعر حدود 29,000 ليرة للدولار في بدايات العطلة، يوم الجمعة الماضي. في المقابل، كان سعر الصرف الوسطي الذي سجّلته منصّة صيرفة في آخر يوم لتداولاتها، أي يوم الخميس الماضي، لا يتجاوز حدود 22,900 ليرة للدولار الواحد، ما يعني أن أعلى سعر صرف سجّلته

السوق الموازية خلال العطلة زاد عن سعر المنصّة بنحو 26%.

مع الإشارة إلى أن المنصّة الحاليّة لم تشهد هذا الفارق الشاسع

بين سعرها وسعر السوق الموازية منذ إطلاقها خلال العام الماضي.

مرّة جديدة، ما تشهده سوق القطع في الوقت الراهن هو

تقاطع عدّة تطوّرات في الوقت نفسه: بين ارتفاع سعر السوق

الموازية بشكل جنوني، ما يؤشّر إلى زيادة الطلب على الدولار في هذه السوق.

وزيادة الهامش بين سعر المنصّة وسعر السوق الموازية، ما يعني فقدان المنصّة السيطرة على

سعر الصرف الفعلي والحقيقي الحر في السوق. كما يُضاف

إلى جميع هذه التطورات عامل إضافي، يتمثّل في المزيد

من التقلّص في حجم عمليّات المنصّة اليومي. وهذا التطوّر

بالتحديد هو ما يدل على أن انحسار نطاق عمليّات المنصّة

هو ما أدى إلى زيادة الطلب على دولارات السوق الموازية،

وبالتالي زيادة سعر الصرف الفعلي في هذه السوق، ومن

ثم فقدان المنصّة السيطرة على سعر صرف الدولار الفعلي في السوق الموازية.

في واقع الأمر، ما نشهده اليوم من تفلّت في سعر الصرف

أتى كنتيجة لثلاثة عوامل في الوقت نفسه: تكثيف الضغوط

القضائيّة على حاكم مصرف لبنان، وزيادة الطلب على الدولار

في فترة الأعياد، بالإضافة إلى ما شهدته احتياطات مصرف لبنان

من تناقص في مستوياتها. لكنّ العامل الضاغط الأبرز

ظلّ طوال الفترة الماضية هو تطورات ملف حاكم مصرف لبنان القضائي.

إذ يبدو أن الحاكم بدأ باستعمال ورقة سعر الصرف في وجه الحكومة،

لاستعادة الغطاء الذي يحتاجه في وجه الملاحقات القضائيّة المحليّة والأجنبيّة.

منذ البداية، تزامن تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع، عبر ضخ الدولار

من خلال المنصّة، مع اشتداد الضغوط القضائيّة عليه في ملف عمولات

شركة فوري. وهكذا، أتى هذا التدخّل المكلف على احتياطات المصرف

المركزي بطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في الوقت عينه الذي كان

يحول فيه ميقاتي دون قيام القوى الأمنيّة بمداهمة المصارف،

التي تمتنع عن تسليم القضاء كشوفات حساب شقيق حاكم مصرف لبنان.

باختصار، كانت المقايضة واضحة منذ ذلك الوقت: تكثيف الغطاء السياسي

الذي يحتاجه سلامة في وجه الملاحقات القضائيّة، والذي أمّنه رئيس الحكومة،

مقابل حرق دولارات الاحتياطي في عمليّة التدخّل في سوق القطع،

وضخ الدولارات من خلال المنصّة، لخفض سعر صرف السوق

الموازية وضبط الوضع المعيشي، بانتظار تمرير الانتخابات النيابيّة.

هذه المعادلة باتت من الماضي اليوم، بعد أن عاد المدعي

العام التمييزي إلى إنذار المصارف والضغط لتسليم كشوفات حساب

شقيق الحاكم، تحت وطأة الضغط الخارجي،

كما تراجع رئيس الحكومة عن الفيتو الذي رفعه ضد

فرض استلام هذه الكشوفات بالقوّة. مع الإشارة

إلى أن ميقاتي عمد في مرحلة سابقة إلى التلويح باستقالته،

في حال قيام القوى الأمنيّة بمداهمة المصارف لفرض

استلام كشوفات الحسابات، قبل أن يتراجع اليوم عن هذه المعادلة بفعل الضغوط القضائيّة الأوروبيّة.

باختصار، الغطاء السياسي المكثّف الذي استفاد منه سلامة،

في وجه طلبات التعاون القضائي الأوروبيّة وتحقيقات

القاضي جان طنّوس محليًّا، لم يعد قائمًا كما كان الحال في بداية مرحلة ضخ الدولار.

هكذا، عاد سلامة إلى لعبته المفضّلة، أي استعمال أوراق السياسة

النقديّة مقابل الضغط لاستعادة الحمايات التي يستفيد منها.

ولهذا السبب بالتحديد، تراجع الحاكم ولجُم تدخّله في سوق القطع،

وقلّص من حجم الدولارات التي يقوم بضخّها عبر المنصّة، قبل حلول

موعد الانتخابات النيابيّة. وبهذا التراجع، خالف سلامة اتفاقه الأساسي

مع ميقاتي، والذي قضى بالحفاظ على تدخّل مصرف لبنان في سوق

القطع حتّى تمرير استحقاق النيابي. ولسان حال سلامة يقول:

طالما أن السلطة تراجعت عن الغطاء الممنوح لي، فلا يوجد ما

يمنع تراجعي عن الغطاء الذي منحتهم إياه بتدخلي لضبط سعر السوق الموازية.

في خلاصة الأمر، بات سلامة يقوم بابتزاز موصوف في مواجهة السلطة التنفيذيّة،

في وجه الضغوط القضائيّة التي يتعرّض لها.

الضغوط القضائيّة الخارجيّة والمحليّة على رياض سلامة لم تكن العامل الوحيد

الذي ضغط على سعر صرف الدولار في السوق الموازية. فمرحلة

عيدي الفصح لدى الطوائف الشرقيّة والغربيّة

ترافقت بشكل بديهي مع زيادة معدلات الاستهلاك،

مع ما يصاحبه ذلك من ارتفاع في الطلب على الدولار الأميركي.

مع الإشارة إلى أن التجّار يعمدون في العادة إلى تسعير بضاعتهم حسب قيمة الدولار في السوق الموازية،

قبل تحويل عائدات البيع يوميًّا إلى العملة الصعبة للحفاظ على قيمة

رساميلهم. وفي الوقت نفسه، ساهمت حركة أسعار السلع الأساسيّة عالميًّا،

وارتفاعها منذ بداية الحرب الأوكرانيّة، في زيادة الطلب على الدولار

لتمويل عمليّات الاستيراد. أمّا العامل الضاغط الأخير،

فتمثّل في تراجع قيمة احتياطات المصرف المركزي إلى حد كبير،

ما قلّص من هامش الحركة التي يملكها مصرف لبنان في سوق القطع.

في كل الحالات، وكما هو معلوم منذ البداية، لم يكن التدخّل الذي قام به

مصرف لبنان منذ بداية العام في سوق القطع إلا طلقة في الهواء،

بغياب أي تصوّر لما بعد هذا التدخّل لاحقًا. ولهذا السبب، وعند أوّل مطب

تعرّض له تفاهم حاكم مصرف لبنان مع السلطة السياسيّة، وعند ترافق

هذا المطب مع ضغوط نقديّة وماليّة ترتبط بحركة الطلب على الدولار في السوق،

عاد سعر صرف السوق الموازية إلى الارتفاع من جديد، بمعزل عن سعر المنصّة الذي

ينشره مصرف لبنان في نهاية كل يوم عمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى