أقل من 4 دولارات حصة المواطن اللبناني
لم يكن مستغرباً تراجع لبنان من فئة “بلد ذي دخل متوسط أعلى” إلى “بلد ذي دخل متوسّط أدنى” وسط كل الأزمات المستعصية التي يعيشها اللبنانيون وذلك بحسب التقرير الصادر عن البنك الدولي مؤخراً. هذا التخفيض في التصنيف السنوي جاء بعد ثبات دام نحو 25 عاماً في فئة ميّزت لبنان عن محيطه العربي وجعلت شعبه من الشعوب الأكثر بحبوحة واستدامة مالية.
البنك الدولي الذي يُصنّف اقتصادات العالم ضمن أربع مجموعات هي: الدخل المنخفض، المتوسط الأدنى، المتوسط الأعلى والدخل المرتفع، يستند في ذلك إلى نصيب الفرد من الدخل القومي الإجماليّ للعام السابق 2021، بحيث يتمّ التعبير عن مقاييس الدخل القومي الإجمالي بالدولار، وتحدد باستخدام معاملات التحويل المشتقة وفقاً لطريقة أطلس. وعليه، أظهرت الجداول التي نشرها البنك الدولي بلوغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي 3.450 دولارات في العام 2021 بعد أن كان 5.510 دولارات في العام 2020 في مؤشر خطير الى المنحى التراجعي الذي يتخذه تصنيف المواطن اللبناني عاماً بعد عام، لا سيما مع التراجع الحاد الذي
شهده الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بحوالي 30 مليار دولار منذ العام 2019 وحتى اليوم نتيجة
الانهيار الشامل الذي أصاب الهيكل الاقتصادي والكتلة النقدية. كما أن حالة الركود التضخمي
التي دخل فيها لبنان نتيجة ارتفاع الأسعار مقابل
ضعف في النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، بالتزامن مع
انهيار القدرة الشرائية أسهمت مجتمعة في تدني نصيب الفرد اللبناني.
اقتصادياً، يحتاج لبنان إلى العديد من الخطوات من أجل استعادة موقعه
ورفع حصة الفرد من الناتج القومي الإجمالي. خطوات تبدأ باتخاذ القرار
السياسي من أجل المباشرة في تصويب البوصلة نحو الحلول المستدامة
وعلى رأسها وقف انهيار الليرة اللبنانية التي يسهم تدهورها في تلاشي قيمة الرواتب وتحمل
المواطن أكلافاً فوق طاقته، خصوصاً وأن الاستقرار في سعر الصرف
سينعكس تلقائياً استقراراً في الأسواق المالية وسيلجم استمرار ارتفاع الأسعار،
الأمر الذي سيخفف تدريجياً العبء المادي عن جيب المواطن على المدى المتوسط.
أما خارطة الطريق لتحقيق عودة النمو الاقتصادي وكسر الركود، فلا يمكن وضعها
من دون أسس متينة قوامها الاصلاحات التي يحتاجها لبنان في العديد من قطاعاته
وأبرزها الكهرباء والقطاع العام والقطاع المصرفي على أن يُعمل بها وفقاً لمبدأ
المساواة لأنها جميعها تحتاج إلى إعادة هيكلة، ولن يكون هناك مفر من ذلك
إن أراد لبنان وضع نفسه على السكة الصحيحة لإعادة بناء كل ما تم تدميره.
مؤشرات الانهيار الاقتصادي والمالي كانت ولا تزال كثيرة، يدفع جراءها المواطن بالدرجة الأولى
ثمناً باهظاً بعدما رضخ للأمر الواقع ورفع راية الاستسلام وكأنه تأقلم مع كل المآسي
والأزمات وهذا أخطر ما في الأمر. وفي ظل توقعات بأن يستغرق كل من الناتجين
المحلي والقومي وقتاً طويلاً لاستعادة اتجاهات التعافي، يُضعف غياب السياسات
وانعدام صناعها من عودة النمو بعدما أحدثت هذه الفجوة ندوباً كثيرة ونتائج عالية المخاطر.