اخبار محلية

“ما منحه الله لا يسلبه إنسان”…رسالة إلى السيّد حسن نصر الله

“ما منحه الله لا يسلبه إنسان”…رسالة إلى السيّد حسن نصر الله

كتب زياد عيتاني في “أيوب نيوز”: 

أخي بالمواطنة والإنسانية، السيّد حسن نصر الله.

لقد كنّا جميعاً إلى جانبك في قتال العدو الإسرائيلي. رأينا فيك أحد المكلفين وفقاً للشرع والعقيدة بمواجهة هذا العدو عندما انكفأت الدولة عن تلك المهمة، وتكاسلنا ومعنا الكثيرون عن هذا الواجب الديني

والأخلاقي والوطني. كنّا نهلل لكل عملية ناجحة ينفذها شباب المقاومة ضد

أحد المواقع الاسرائيلية في أرضنا المحتلة. نحتفل أفراداً وجماعات بكل انتصار يحقق.

نظرنا إلى لحظة خروج المحتل من أرضنا عام 2000 أنها لحظة انتصار للأمة جمعاء

من لبنان وصولاً الى آخر مسلم على هذه المعمورة جبلاً وبحراً وصحراء. لكن عام 2008 عندما رأينا

هذا السلاح يوجّه الى منازلنا في بيروت في 7 ايار تساءلنا إن كان الاعتداء علينا وعلى حرماتنا تكليفاً شرعياً.

عندما رأيناك تنتصر لنظام بشار الاسد الظالم عام 2013 بوجه شعبه المنتفض،

لحظتها ما كان هناك وجود لداعش وأخواتها في حلبة هذا الصراع. زدنا قناعة

أن ما تقوم به ليس بتكليف شرعي. انتصرت للحوثيين في اليمن الذين انقلبوا

على سلطة انتخبها اليمنيون ديموقراطياً. ترسخت قناعتنا أن كل هذه الأعمال

ليست تكليفاً شرعياً بأي شكل من الأشكال.

..أخي السيّد حسن، بعيداً عن تعريف التكليف الشرعي في الإسلام،

وهو واضح وضوح الشمس في كتب الشريعة والفقه عند كافة المذاهب

والمراجع والمفسرين. أخاطبك بعدما ترددت لعدة أيام إثر سماعي كلامك أنك مكلف

من الله بما تفعل في أمورنا، وسلبتنا صفة الإنسان. نحن معارضينك

من الشعب اللبناني مسلمين ومسيحيين ولا دينيين.

أخاطبك بعيداً عن التفسير الشرعي لمعنى التكليف، بعدما اختلط عليك

الامر في تفسيره في بيروت ودمشق وبغداد والموصل وصولاً إلى صنعاء.

..أخي السيّد حسن، أنا مواطن لبناني منذ أكثر من عشر سنوات، رجل عادي جداً بملامح

تشبه ملامح الكثيرين من أبناء جلدتي. أؤمن بتعاليم الاسلام والنبي محمد (ص)

رغم أنني لم أره في المنام مطلقاً، لم يهبط عليّ وحيّ من السماء، وخارج الحقوق

والواجبات الشرعية، لم يكلفني أحد بالنطق باسمه. لم أدّعِ ذلك جهراً أو في خفاء.

ابنتي فقط، منذ أن وُلِدت بتُ مكلفاً منها بحكم المنطق والأخلاق والدين، والأهم

بحكم المحبة والوفاء، أن أؤمن لها رغيفها اليومي والكتاب المدرسي والمأوى وكرامة العيش،

وعند مرضها أجلب الدواء. لم تنطق بهذا التكليف مباشرة، في صغرها كانت تدب إليّ

مسرعة عنما تجوع، وتلجأ مهرولة إلى يديّ عندما تخاف، تغلغل بصدري عندما تشعر بالبرد أيام الشتاء.

رغيف ابنتي وحاجياتها الأساسية دفعتني للعمل بكدٍ داخل الوطن وخارجه، والتحمّل

كما يفعل كل الآباء عندما يتحملون التعب والجهد والمراعاة والصمت والستر، حتى بلوغ آخر الشهر كي يحملوا الراتب بعد هذا العناء.

..أخي السيد حسن، الله لم يكلفني بل ابنتي التي منحني إياها الله ووالدتي التي

تطلب من الله يومياً أن يحفظني وإخوتي من الشرّ والأعداء، هؤلاء كلّهم من

كلفني بالدفاع عن لقمتهم وقوتهم، عن آمنهم وكرامتهم، عن حقهم بالعيش بحرية في وطنهم دون ذل وقهر وخوف من أي سلاح.

 لم يصلني أي تكليف “إلهي” مباشرة، لكن حفظت مع صبية الحي في المسجد

القريب من منزلنا قول الرسول جد الحسنيّن، ووالد فاطمة الزهراء، الذي أُرسل

رحمة للعالمين أن  “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ.

ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”.

لم أعترض على سلاحك حباً بالاعتراض، بل طلباً للعدالة والمساواة والعيش بأمان.

نجوت بفضل الله الذي تدّعي أنه كلفك، من الموت في 7 أيار 2008، وأطلب

من الله الذي تدّعي أنّه كلفك أن لا يعرّضني وأهلي وناسي مرة جديدة لهكذا اختبار.

لم نطالب بالحياة كرهاً بالموت، بل حباً بها كما قال الرسول (ص) ان الله يحب ان

يرى أثر نعمته على عبده، الحياة نعمة الله ولا حق لأحد بأن يسلبها منّا.

..أخي السيّد حسن، أنا ابن آدم الذي قال القرآن به ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي

الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(سورة الإسراء، الآية 70). لا يحق لأحد حتى أنت يا سيّد أن تسلب مني هذا الانتساب وهذا التكريم فما منحه الله لا يسلبه انسان.

..أخي السيّد حسن، كلنا مكلّفون أمام الله. لا أحد منّا كلفه الله بتنغيص عيش الناس،

وبهدم المنازل والعبث بالأرزاق. لم يكلف الله منّا أحداً أن يكسر غصناً أو أن يقتل بقرة،

لا بل منحنا رخصة بهدم الكعبة لإنقاذ حياة انسان. كلنا مكلفون بالعيش بكرامة وبالدفاع

عن هذا العيش مهما كانت الأثمان. هذه الأرض التي نقف نحن وأنت عليها لا مكان

لنا غيرها. تعال سويّاً كي نُحسّن شروط هذا المقام.

المصدر: ام تي في

لمزيد من المعلومات اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى