اخبار محلية

برّي يُلوّح بالحرب، فهل يُهدد

برّي يُلوّح بالحرب، فهل يُهدد

مَن شاهد خطاب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي اليوم في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفاقه، استعاد لا شك صورة القيادي السياسي والعسكري لحركة أمل في مراحل الحرب الأهلية

والاجتياح الإسرائيلي وما تبعهما، وصورة الحليف الأقرب الى سوريا، وكأنه بذلك

يعيد التموضع في مرحلة بالغة الحساسية للبنان والمنطقة، ويتعمّد بعثَ رسائل الى الداخل

والخارج موسومة بالتهديد والوعيد… فهل يُهدّد فعلا كي يرفع سقف الضغوط قبل

عودة الوسيط الدولي آموس هوكشتاين وقبل الانتخابات الرئاسية، أم يُمهّد لشيء

آخر، في استعادة لدوره المحوري في التصعيد ثم في تدوير الزوايا  فالحلول؟

يحتاج أي خطاب لنبيه بري عادةً الى قراءات متعدّدة. ففي دقة الصياغة

وتجميل العبارات، وفي الرسائل الكامنة بين السطور والكلمات،

وفي نبرة الصوت ولغة الجسد والإشارات ( الذي يتجدد انتعاشه وشبابه

رغم تقدم العُمر في وقت الأزمات)، وفي  والقدرة على تعبئة أو تهدئة الجمهور

الجالس أمامه، غالباً ما يتفنّن الزعيم الشيعي اللبناني، في تذكير الجميع بأنه

كان وما زال الوحيد القادر على الإمساك بخيوط اللعبة مدعوماً ( عن قناعة

أو للضرورة الدائمة) من حزب الله، ومرغوبا ( عن قناعة أو للضرورة الطارئة) من مختلف الطامحين للمناصب ، من صغيرها الى أكبرها.

في مهرجان الأمس والذي كان حاشد الحضور، قرّر نبيه بري أن يُشدّد على

شخصية المقاوِم من بين شخصياته الكثيرة. هذا ضروري في اللحظات الفاصلة

عن الجواب الذي سيحمله هوكشتاين من إسرائيل. قال بعبارات حاسمة وحازمة :

”  بانتظار ما سيحمله الوسيط الأميركي من جواب على ما قدمه لبنان من

موقف رسمي موحد في شأن الترسيم نؤكد بأن حدودنا وسيادتنا هي كما شرفنا،

لن نقايض عليها ولن نفرط بها قيد أنملة، وسندافع عنها دون هوادة وبكل ما

نملك من قدرات كما دافعنا في البر وبصراحة كلية، الكرة الآن في ملعب الأطراف

الراعية للتفاوض يعني في الملعب الاميركي بصراحة، نحن لسنا هواة حرب

لكن إذا ما هُدّدت سيادتنا وأرضنا وبحرنا سنكون في الموقع القادر للدفاع

عن حقوقنا وحدودنا وثرواتنا وحمايتها كعادتنا في كل مواقع التحرير”.

إذا كان ثمة رجلٌ في لُبنان اليوم لا يُريد الحرب، فهو نبيه بري، لأنه يُدرك وأكثر

من غيره ويلاتُها، ولأنه وأكثر من غيره يمتلك شرعية تاريخيه لخوضها أو منعها،

ولأنه وأكثر من غيره تعلّم من خبرته السياسية الطويلة أن التفاوض ومهما كان

صعباً يبقى أفضل من الحرب، وان العالم سيكون وكما كان دائما ضد لُبنان ومع إسرائيل

في أي حرب مُقبلة حتى ولو كان العدو هو المُبادر. ولأنه وأكثر من غيره يُريد الإبقاء

على خيوط التفاوض والتقارب مع أميركا وليس الصدام والفراق.

لكن نبيه بري يعرف تماما أيضا أن التهديد بالحرب، والتذكير بالعمليات الاستشهادية

التي نفّذها رجالٌ من حركة أمل، وتوجيه التحية للشعب الفلسطيني والوعد بالوقوف

الى جانبه حتى تحرير كامل أرضه بما فيها القدس، والتأكيد على صلابة الموقف

مع حزب الله، كلها مواقف تتوافق من جهة مع نهج الإمام المُغيّب، ولكنها تحمل

من جهة ثانية رسائل كثيرة لهوكشتاين وإسرائيل والشركات الغربية، بأن خطر

الانزلاق الى الحرب ممكن ما لم يحصل لُبنان على حقوقه.

هل يُهدّد نبيه بري ليُنفّذ التهديد، أم أن لديه معلومات وافية بأن هوكشتاين

ربما يعود بإجابات مقبولة، فيُمهّد لذلك بموقف عالي النبرة يفيد منه لاحقاً على أساس أنه راس حربة الدفاع عن الحق اللُبناني؟ وأنه بالتالي سيّدُ هذا الملف، مُحاولاً بذلك سحبَ البساط من تحت أقدام رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وغيرهما. وساعيا لإقامة سدٍّ منيع ضد كلّ من قد يتهم رئاسة المجلس النيابي بالتنازل.

الإيام المُقبلة ستكشف أكثر.

الضربة القاضية ضد عون-باسيل

أما في الشأن الداخلي، فيُمكن القول بأن نبيه برى الذي يتصارع مع رئاسة الجمهورية

ومع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل منذ الأشهر الأولى للعهد الذي شارف

على الانتهاء، أراد في خطابه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية أن يوجه الضربة القاضية

لهذا العهد وباسيل، فتهكّم على عبارة ” ما خلّونا” وحمّل وزارة الطاقة المحسوبة

على الثنائي عون-باسيل، مسؤولية العتمة الشاملة، وألمح الى أن الرئاسة تُصنع

في مجلس النواب اللبناني وليس في أي مؤسسة لُبنانية أخرى.  

وبعد أن حذّر بري البعض من احتكار صفة ” السيادة” قائلا: “ما  حدا يزايد علينا

بالسيادة ويصنّف الناس بين سيادي وليس سيادي” ( وذلك في سياق

حملة دقيقة يشنّها في الكواليس لترويض نواب التغيير) ، حدّد مواصفات الرئيس المُقبل بالتالي :

فهو الشخصية المؤمنة بوحدة لبنان وعروبته. والتي تجمع ولا تطرح ولا تقسم،

والشخصية التي توحّد ولا تفرّق. والتي بقدر ما تحتاج الى حيثية مسيحية تحتاج

الى حيثية إسلامية وقبل هذه وتلك الحيثية الوطنية. والشخصية المؤمنة بالثوابث

الوطنية والقومية القادرة على مجابهة التحدي. وهو خصوصا:” الشخصية

التي تعتقد اعتقاداً راسخاً أن إسرائيل الرابضة على حدود وطننا في الجنوب

ككيان وكمشروع عدواني تمثل تهديداً وجودياً للبنان وهي النقيض لدوره ورسالته في المنطقة”.
 هي صفاتٌ تُحدّد شروط نبيه بري وحلفائه للرئيس المُقبل، ولكنها

تُحدّد أكثر الشخصيات المُستبعدة من هذا الاستحقاق.

سوريا : الحبُّ المُستعاد

أخيرا وفي استعادة لخطاب نبيه بري لثمانينيات القرن الماضي، أخرج رئيس المجلس النيابي من قبّعته خطاباً قديما كان قد غاب طويلا عن أدبياته منذ مستهلّ ما وُصف ب ” الربيع العربي”

وهو ذاك المتعلّق بسوريا. فبعد حذر السنوات التي أعقبت اندلاع الحرب السورية،

ها هو يُعلن بالفم الملآن وبكلمات تحمل رسائل كثيرة على طريق بيروت-دمشق قائلا :”

في العلاقة مع الشقيقة سوريا نؤكد على إدانتنا ورفضنا تحويل سماء لبنان ومياهه

منطلقاً أو منصة لاستهداف سوريا من قبل العدو الإسرائيلي وهو بقدر ما يمثل من

اعتداءٍ على سوريا  يمثل اعتداء على لبنان .وعليه ندعو المجتمع الدولي الى

التحرك العاجل لكبح جماح هذه العدوانية التي وإن استمرت على النحو الذي يجري،

فهي بالتأكيد ستمثل تهديداً لأمن المنطقة.كما ونؤكد انحيازنا ودعمنا لسوريا قيادة

وجيشاً وشعباً في مواجهة الحرب المفتوحة التي تستهدف وحدتها ودورها وثرواتها

وموقعها المتقدم في المنطقة العربية.وعليه ندعو المستوى الرسمي في لبنان

للانفتاح والحوار مع عمقه الطبيعي والجغرافي الذي تمثله سوريا في مختلف القضايا

لا سيما في موضوع النازحين، وتعزيز أطر التعاون في المجالات كافة من اجل المصير المشترك” .

ماذا يريد الرئيس برّي ؟

يحتاج خطاب نبيه برّي عادة، وكما أسلفنا، الى قراءات متعدّدة لكشف أسراره وسبر رسائله ورصد مقاصده، لكن الواضح أن الرجل يتحدث بلغة الواثق من التطورات المُقبلة والتحوّلات المُنتظرة

محلياً واقليمياً ودولياً، فهو يرفع لهجة التهديد بالحرب لتفادي الحرب،

ولهجة التحذير حيال رئاسة الجمهورية للجم جنوح البعض، ولعلّه في كل

ذلك يعرف حتى اليقين، أن  إسرائيل بحاجة الى اتفاق مع لُبنان وليس حربا،

وان الرئيس اللُبناني المُقبل لن يكون ضد الثنائي الشيعي مهما كان الثمن،

وفي ذلك تمرير للرسالة الأهم القائلة: ” من يُريد أن يُصبح رئيساً عليه أن يتفاهم معي كي يمرّ”.

فهل نبيه بري الذي قال إن لبنان يمرّ في أخطر مراحله والذي وجّه أيضا

رسائل للغرب باحتمال التوجّه الى الشرق في حال سُدّت المنافذ، يُعدّ النفس

فعلا لحرب قد تقع، أم يُمهّد لتسويات أتقن، دون غيره من ساسة لُبنان، فنونَ صياغتها وقطف ثمارها؟  


الاحتمالان واردان، ففي وطنٍ دُمّرت دولته وجاع شعبُه وكثُرت أطماع الخارج

والداخل بثروته الغازية وتضاعف مستوى السلاح في يد أقوى أحزابه عبر التاريخ،

ويتبادل ساسته تهمة التسبب بالانهيار رغم انهم جميعا يتحمّلون مسؤوليته،

لا شيء يمنع المفاجآت الخطيرة، لا بل والخطيرة جدّا. ربما لذلك رفع رئيس

المجلس النيابي لهجته الى أقصاها، تماماً كما كان يفعل في الأزمات الكُبرى والمعقّدة..

سامي كليب – لعبة الأمم

لمزيد من المعلومات اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى