الشاليهات: تكلفة مبيت ليلة تساوي راتب موظّف!
الشاليهات: تكلفة مبيت ليلة تساوي راتب موظّف!
لا تكاد قرية في لبنان تخلو من منازل الضيافة أو “الشاليهات”، إذ لا إحصاء رسمياً بأعدادها، ولكنها ناهزت المئات، ورغم ذلك لا أماكن شاغرة والتسعير بالعملة الأجنبية حصراً. هذه الصورة تجعلك
لا تصدّق أنّ الشعب اللبناني يعيش واحدة من أصعب وأعقد المشاكل
الاقتصادية على مستوى العالم. فكرة تكاثر بناء هذا النوع من
الأماكن الترفيهية الآن واليوم أمر مثير للدهشة والاستغراب،
بل أكثر من ذلك يجعلك تقف مشدوهاً تسأل من أين تأتي الدولارات
لصاحب الاستثمار كما المستأجر اليوم؟
تُراوح تكلفة المبيت ليوم واحد في منزل ضيافة أو “شاليه” بين 80 و250 دولاراً، بينما راتب الموظف
من الفئة الثالثة لا يصل إلى 120 دولاراً، ورغم ذلك فالتواصل مع أصحاب الشاليهات
خلال أيام فصل الصيف ينتهي دائماً بكلمة “محجوز”. مراسلتهم على تطبيق
“الواتساب” تسهّل رسم الصورة، لو أرسلت “مرحباً” يردّ عليك المجيب الآلي
بشروط الإقامة في منزل الضيافة (الشاليه)، والتسعيرة بالعملة الأجنبية طبعاً،
ومن بعدها سرد بالخدمات المتاحة في ذلك المكان غير الموجودة في منزلك
الأساسي مثل الكهرباء 24/24. أما المفاجأة فتتلخّص بالحجز التام خلال أشهر الصيف بالإضافة إلى شهر أيلول، وعليه يمكنك التخطيط للإقامة في شهر تشرين الأول على أقرب تقدير.
تنتشر ظاهرة منازل الضيافة كالفطر في القرى اللبنانية سيّما التي أكثرية
أبنائها من المغتربين. هؤلاء لا يراهم الناس على أنّهم بشر عاديون، بل “آلات طباعة دولارات”
يجب الاستفادة منها بأقصى شكل ممكن. تاريخياً، لا تعود ظاهرة تأجير الممتلكات
لسنوات الأزمة الممتدة من عام 2019 حتى اليوم فقط، بل إلى ما قبل ذلك بعشر
سنوات على الأقل. في تلك الأيام كان أصحاب منازل الضيافة يقومون بتأجير
ممتلكاتهم لمقيمين أو مغتربين راغبين بالإقامة لبضعة أيام خارج مناطق سكنهم.
حينها، كانت منازل الضيافة تلك عبارة عن “فيلات” فيها مسابح خاصة أو بيوت
قروية ذات طابع تراثي مبنية بالحجر الأصفر القديم. أما اليوم فنموذج “حومين
الفوقا” هو الأساس، تلك القرية الجنوبية التي أثار صاحب “شاليه” فيها ضجةً
على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن طلب مبلغ 350 دولاراً بدل مبيت لليلة واحدة عنده.
سبل «الفريش»
يقوم عدد من أصحاب الأراضي في الجنوب اليوم باستثمارات “واعدة”، بالنسبة إليهم، تقوم على فكرة بناء منازل الضيافة كمشاريع تدرّ عليهم العملة الأجنبية “المغتربة”. م
ريم الأستاذة في ملاك التعليم الثانوي واحدة منهم، تروي لنا كيف أنّ “راتب وظيفتها تضاءل
لدرجة لم يعد يكفيها لملء خزان سيارتها بالوقود”. وعليه وجدت في أرضٍ ورثتها عن
أهلها مشروعاً استثمارياً جيداً لإقامة منزل ضيافة عليها، سيّما أنّها استطاعت تأمين
التمويل اللازم من أحد أقاربها المغتربين. حضّرت الخرائط اللازمة وحصّلت التراخيص لبدء أعمال البناء حتى إنّها بدأت بالتفتيش عن الأثاث الملائم.
اقتصادياً، هذه المشاريع تحرّك الدورة الاقتصادية في القرى حيث تقام. الناس يأتون
للإقامة فيها دون طعام أو شراب عادةً، وعليه يقومون بشراء حاجاتهم من المحال
التجارية المحيطة، ما يساهم في “تحريك البضاعة على الرف”. كما أنّ شراء الأغراض
من قبل النزلاء ليس بضئيل، منهم من يحمِّل بـ “غير حساب بعكس أهل القرية الذين
لا يشترون إلا الضروري” بحسب صاحب سوبر ماركت في قرية الطيبة الجنوبية.
من جهته عباس ذياب رئيس بلدية الطيبة يرى في وجود منازل الضيافة ضمن نطاق بلديته
“نقاط جذب سياحي للمغتربين والمقيمين على السّواء للترفيه وقضاء العطل،
ودليلاً على أمن المنطقة”. ويشير أيضاً إلى تشغيل يد عاملة في القرية، فكلّ مشروع يوظف بين 10 و12 شاباً وشابة من القرية.
أما رئيس بلدية قرية في إقليم التفاح فأكّد أنّه “لا يمانع تفتيش الناس
عن موارد العيش الكريم، خاصة في قريته التي لم يستطع أهلها إعادة
تفعيل أنشطتهم الأساسية بعد الاجتياح والتهجير”. ولكن هناك سلبية
غير منظورة ولا يمكن تعويضها تتمثل بـ”تدمير الطبيعة نتيجة تفريخ منازل الضيافة
في خراج القرية”. ويضيف “بعد فترة لن تعود القرية محافظة على طابعها الهادئ”.
ويتساءل عن “الاستمرارية وخاصة مع تكاثر العاملين بهذا المجال”. ويختم “
حاولت أن أبقي على الطابع القروي للمنطقة، فبنيت محالَّ بعيدة عن
ساحتها الأثرية لاستخدامها من قبل أصحاب ورش صيانة السّيارات، كي لا تؤثر على الشكل والجمالية”.
بين المستفيد والمستثمر
إلى المستفيدين من منازل الضيافة، مع هنادي الآتية من الولايات المتحدة للاصطياف خاضت التجربة
للمرة الأولى هذه السّنة. ترى الأمر “لا يستحق هذا القدر من المال”، إذ “كلّفتني الليلة الواحدة 150 دولاراً، ولم أكن سأقدم على هذا الأمر لولا فكرة المكان والمسبح المغلقين الخاصين
فينا كمستأجرين”. وتذكر أنّ “عدد الأشخاص المسموح دخولهم هو 8 أشخاص
ولمدة 23 ساعة، وتدفع مع الإيجار مبلغاً تحت عنوان “تأمين”، يعاد بعد التأكّد
من صحة المكان عند تسليمه. ولكن مقابل هذا “المبلغ الكبير” تجد نفسك وكأنك
في “البرية، إذ لا توجد أيّ من الخدمات التي اعتدنا الحصول عليها في الفنادق،
لا وجبة فطور حتى، وعليك أن تحمل كلّ حاجاتك الغذائية معك”. في المقابل
تضيف هنادي، “يزودك صاحب منزل الضيافة بأرقام المحال المجاورة في القرية لطلب ما تريد”.
وتشير إلى تعويض هذا العذاب بـ”تعامل أهل القرية اللطيف”، وتذكر “
في الليلة الأولى وبعد اكتشافنا لعدم وجود أي أطعمة في المكان ذهبنا
إلى دكان لشراء الخبز ولم نجد عنده حاجتنا فقامت صاحبة المكان بإعطائنا خبزاً من منزلها”. وتختم “تركيا أوفر بكثير”.
أما لجهة أصحاب منازل الضيافة، فيفيد مهدي نعمة صاحب منازل ضيافة
بأنّ “تكلفة بناء وتجهيز وتأسيس حديقة لكل منزل تصل إلى حدود الـ20 ألف دولار،
هذا دون حساب تكلفة إنشاء المسبح الخاص”. وفي النقطة الأخيرة تحديداً يذكر
مبالغ كبيرة جداً يمكن أن يتكبّدها المستثمر في حال قرّر “بناء المسابح بشكل احترافي
من ناحية تصريف المياه وإعادة تكريرها”. وفي السّنة الأخيرة تكبّدوا مبالغ إضافية
لتركيب محطات إنتاج كهرباء على الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء بشكل دائم.
أما المبلغ المطلوب للإقامة عن كل ليلة فيبلغ 200 دولار في ذروة الموسم،
ويرفض القول بأنّ الرقم مبالغ به كون “المستثمر يريد إعادة رأس ماله خلال
وقت قصير قياساً بالمخاطر في لبنان”. هذا ورفض الإفصاح عن التكاليف التشغيلية
من أجور عمال وغيرها، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول المداخيل وعدم وجود ضرائب تُدفع عليها لا للبلديات أو للوزارات المعنية كالسّياحة.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا