هل تتدخل الفاتيكان في انتخابات رئاسة الجمهورية لمنع الفراغ؟
الفاتيكان في انتخابات رئاسة الجمهورية لمنع الفراغ؟
“نشر موقع المدن:
يكاد يكون تدخل الدول في انتخابات الرئاسة اللبنانية هو الثابتة الوحيدة المشتركة في التداول “الديموقراطي” للرئاسة الذي يتغنى به اللبنانيون. ينتقص ذلك حكماً من أوهام السيادة والحرية والاستقلال، لكنه لا يلغي “فرادة” التجربة اللبنانية، وسط محيط لم يعرف لعقود صفة “الرئيس السابق للجمهورية”.
سواء غادر رؤساء الجمهورية مناصبهم وفي قلبهم شيء من شهوة التمديد،
أو انتظروا تلك اللحظة لـ”التحرر”، أو حتى مددوا ولايتهم بالاستقواء بالخارج، إلا أنهم في نهاية المطاف يعودون إلى منازلهم رؤساء سابقين، وقد نالوا حصّتهم من الانتقاد اللاذع.
تأتي الدول برؤساء الجمهورية اللبنانية، لكنهم يذهبون كأفراد، مثخنين بجراح النقد والإدانة في انتظار حكم التاريخ.
الدول و..الفاتيكان
يتقدم تأثير دولة ما في الانتخابات الرئاسية ويتراجع، حسب كل مرحلة وتوازناتها الإقليمية والدولية. من التأثير الفرنسي والبريطاني، إلى المصري والأميركي والسعودي والسوري، ولمرة يتيمة الروسي،
تتشابه التدخلات وإن تبدّلت الظروف والآليات والنتائج والدول. يبقى أن كل دولة
تطمح لتكريس غلبتها من خلال فرض نفوذ حلفائها و”انتخاب” أحدهم لرئاسة الجمهورية.
وحدها دولة الفاتيكان، التي تتابع بالتفاصيل مسار انتخاب رؤساء الجمهورية، “تتقاطع
مصالحها مع مصالح اللبنانيين، جميع اللبنانيين”، وفق ما يؤكده مسؤول كنسي. وهو يشدد
لـ”المدن” على “غياب أي مصلحة للفاتيكان تتعارض مع ما يستحقه كل الشعب اللبناني”.
ويشرح: “نقطتان أساسيتان تهمان الفاتيكان، استقرار لبنان وتطوير نظامه -ويندرج تحته احترام المهل الدستورية ومنها انتخاب رئيس للجمهورية- والحفاظ على العيش المشترك وتعميقه بالانفتاح على العالم العربي، كشهادة ورسالة، كما الانفتاح على كل العالم”.
*ماذا عن “حماية” المسيحيين وتعزيز حضورهم ودورهم؟
يؤكد المسؤول: “حماية المسيحيين تتأتى من تحقيق هاتين النقطتين: استقرار النظام
وتطويره، والعيش المشترك. والأهم فإن الحضور المسيحي مصلحة إسلامية أكيدة،
بقدر ما هو مصلحة مسيحية، من منظور الفاتيكان”.
“يعملوه بابا عندن”
لا تتدخل الفاتيكان، بشكل مباشر، في الانتخابات الرئاسية اللبنانية. فهي لا تمون على
أي من النواب اللبنانيين. كلمتها مسموعة “معنوياً” لدى الكنائس الكاثوليكية في لبنان.
في الموضوع الرئاسي يؤخذ جدياً برأي البطريرك الماروني، إلا إذا كانت الفاتيكان تستشعر
خطراً معينا على مفهومها للحضور المسيحي ودوره في لبنان والمنطقة، حتى لو خالف
ذلك رأي معظم المسيحيين. وهو ما تجسد، مثلاً، في العلاقة مع بشير الجميّل كرئيس تحدٍ.
فقلق الفاتيكان في مرحلة صعود الجميّل وخوفها من تداعيات انتخابه رئيساً على الوحدة اللبنانية،
وتحفظها في هذا المجال، تلمَسه القائد العسكري الشاب. وفي موقف نادر لمرشح رئاسي قال
الجميل في شباط 1982: “إذا الفاتيكان بدّو رئيس ماروني ليعملّو تجربة تعايش بين الإسلام
والمسيحية ونرجع ندفع تمنها كإسلام وكمسيحيي مئة ألف قتيل، يعملوه بابا عندن ويعملو
تجارب قد ما بدّن نحنا ما بدنا هيك رئيس”.
هي سابقة يتيمة لرئيس في كلامه عن الفاتيكان. قبله كان كل من الرئيس فؤاد شهاب وشارل حلو من أكثر الرؤساء الذين طبعوا عهودهم بـ”مسحة” فاتيكانية تداخلت فيها الثقافة الفرنكوفونية التي كانوا شديدي الإعجاب بها.
بنيديكتوس وصفير وإده وقطّار بينهما
إذا كانت الفاتيكان لا تتدخل في اختيار وتسمية رؤساء الجمهورية في لبنان، إلا أنها تحرص
على معرفة أدق التفاصيل عن المرشحين. بعد الطائف وعند أول محك فراغ في رئاسة
الجمهورية سبق “اتفاق الدوحة”، حرص البابا بنيديكتوس على معرفة تفاصيل ما جرى
التوافق عليه من أسماء مع البطريرك نصرالله صفير، الذي سمّى يومها، ممتعضاً، خمسة
أسماء للرئاسة. شرح صفير في أيلول 2007 للبابا المخاطر التي تهدد لبنان ومسيحييه،
والمخاوف على الجمهورية في ظل غياب رئيس لها. استمع البابا إلى صفير يخلص إلى
تسمية ميشال إده أو دميانوس قطار،
كـ”أقرب مرشحين إلى مفاهيم الكنيسة وقيمها”. اكتفى البابا بالإصغاء والتفهم. فالدوائر
الفاتيكانية، وتحديداً أمانة سر الفاتيكان، تحرص على التعرف ولقاء كل الشخصيات التي
يمكن ان تلعب دوراً في الحياة السياسية العامة في لبنان، وهي كانت تعرف الرجلين.
لقاء قائد الجيش
في هذا الإطار سعى الفاتيكان إلى التعرف مؤخراً على قائد الجيش جوزف عون،
بعد أن كثُر التداول باسمه. ويقول مصدر مطلع أن “عون التقى مسؤولين فاتيكانيين
في أيلول الماضي أثناء زيارته الرسمية إلى روما”.
أنه “لم يتم التطرق مطلقاً إلى الانتخابات الرئاسية إنما تمحور الحديث حول التحديات التي تواجه الجيش اليوم وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة،
الفاتيكان في انتخابات
وعبء اللجوء السوري الضاغط، والحرص على الحفاظ على الاستقرار الأمني في مثل هذه الظروف الصعبة”.
*ولكن ألا يبعث اللقاء في توقيته عشية الانتخابات الرئاسية أية إشارات فاتيكانية؟
يحرص المسؤول الكنسي على نفي معرفته بمثل هذا اللقاء، لكنه يؤكد أن “الفاتيكان
يهمها عدم الشغور في المنصب الأول. وهي لا تملك مواصفات للرئيس غير تلك التي
ترسمها الكنائس المحلية. المهم تأمين الاستقرار وإعادة النهوض بالبلد، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. هي لا تدخل في الأسماء،
وإذا كان حصل لقاء قائد الجيش بالمسؤولين الفاتيكانيين، من دون الإعلان عنه، فهذا تأكيد متجدد من الفاتيكان على احترام مؤسسات الدولة اللبنانية”.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا
الفاتيكان في انتخابات