تمييز في “التمييز”… خطر يحدق بالقطاع المصرفي والمودعين معًا!
تمييز في “التمييز”… خطر يحدق بالقطاع المصرفي والمودعين معًا!
اللجوء إلى القضاء لتحصيل الحقوق أمر طبيعي في أي نظام ديمقراطي،
واتخاذ المحكمة قراراً لصالح المدعي الذي هُدرت حقوقه هو واجب قضائي لا لُبس فيه،
هذا في حال كان المدعي الطرف المتضرر الوحيد من الجريمة، لكن جريمة على
مستوى الوطن لا يتم التعامل معها على “القطعة” في القضاء.
ولايشك أي مواطن ابداً أن جريمة حبس أموال المودعين تطال معظم البيوت
مهما كانت قيمة تلك الودائع، لذلك فإن قرار محكمة التمييز الذي يلزم “فرنسبنك”
على دفع وديعة بالدولار “الكاش” لصالح مودع دون بقية المودعين، يُعتبر التمييز بعينه.
وليس إنطلاق عمل المحكمة من شعار حماية أموال المودعين مبررً لهذه الإستنسابية
بل هو محاولة التفاف على القوانين المرعية الإجراء، ومحاولة غير مفهومة لإطلاق شرارة أزمة نقدية لن تكون لصالح المودعين أو المصارف.
وما قرار المحكمة إلا تشكيكاً في احتمال كونها محكمة لبنانية لأن ما أصدرته يوحي
بأنها تقع خارج الأراضي اللبنانية ولا تعي خطورة إصدار قرار متعلق بفرد من مجموعة متضررة.
أما إقفال فروع “فرنسبنك” إعتراضاً على قرار “رفض الشيك” كوسيلة إيفاء للدفع،
رفضاً لقبول محكمة التمييز الطعنين التمييزيين المقدّمين ضدّه، تحت طائلة عرض
جميع ممتلكات المصرف للبيع بالمزاد العلني، إلا أول الغيث في الآتي من الأزمات التي ستعصف بالقطاع كافة.
وبعيداً عن مصلحة المودعين فإن النظر إلى الأزمة بعين واحدة هو الجريمة بحد ذاتها،
لأن ضرب القطاع المصرفي من الخاصرة الرخوة في “عز الأزمة” ضرب جنون،
فهو القطاع الذي استمر بقبول الشيكات المصرفية في تسديد القروض أو على
دفعات متأخرة ووفق السعر الرسمي القديم أي 1500 ليرة طيلة سنوات الأزمة الثلاث،
وتكبيد المصرف اليوم دفع مبلغ يتعدى الـ100 الف دولار كاش، قد يدفعه باتجاه خيارات موجعة ليس أقله إعلان الإفلاس.
هذه “السابقة” اليوم تفتح الباب على مصراعيه لتهاوي القطاع المصرفي إذا احتذى
آخرون حذو المودع والمحكمة، فهل يتحمل لبنان زوال هذا القطاع الذي حمل
لبنان طيلة سنوات وفي أزمات كبيرة وهو أحد أعمدة الإقتصاد اللبناني الذي يصارع لاستعادة الثقة المفقودة من المودعين والمستثمرين.
حكم كهذا قد ترتكز عليه دعاوى مماثلة مستقبلاً، وسيجعل من حالة خاصة تتحول
إلى حالة عامة مغطاة بـ”القانون”, كما أنّه سيصعّب عملية مكافحة تبييض الأموال والتهريب.
هذه العشوائية التي يتم فيها التعامل مع الأزمة المصرفية تحت شعار”الدفاع عن
أموال المودعين” قد تتوسع، وتنزلق إلى سيناريوهات خطيرة خصوصاً في ظلّ تأخر السلطة السياسية بإقرار قانون “الكابيتال كونترول”.
مصلحة المودعين اليوم ليست بالإستحصال على قرار قضائي بدفع أموالهم، بل بالمحافظة على هذا القطاع اليوم ليستعيد أنفاسه حتى يستعيد جميع المودعين أموالهم، فالتمييز بين مودع وآخر ليس بعدالة أبداً.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا