الخطّة تتوضّح.. هل سيستغني “حزب الله” عن فرنجية “رئاسياً”
الخطّة تتوضّح.. هل سيستغني “حزب الله” عن فرنجية “رئاسياً”
رغم المواقف الحادّة وتزايد الإنقسام فيها، يبدو من الصّعب جداً الحديث حالياً عن أيّ “إنكسارٍ” في موقف “حزب الله” إزاء تمسّكه بترشيح رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. فإلى الآن، لم يرضَ الحزب الحديثَ عن أيّ خطة “ب” رئاسيّة، والأسباب هنا لا تتعلّق بعدمِ اقتناعه بذلك، بل بمجموعة عوامل يريد تحققها، ففي حال حصلت سيمضي بقوّة نحو “بيْك زغرتا”، وإن لم تتحقق، فعندها ستكون الخيارات الأخرى متاحة بالحدّ الأدنى.
حقيقةُ موقف “حزب الله” الحالي بكل بساطةٍ ترتكزُ على أمور عديدة وهي التالي: الحزب يرى أن هناك جهة دولية تُسانده في طرح فرنجية وهي فرنسا. إذاً، ورقة القوة التي يحصل عليها على هذا الصعيد ليست عادية وفي الأصل لم يحظَ بها مسبقاً حتى في ظلّ تمسكه بترشيح الرئيس السّابق ميشال عون في العام 2016. ولهذا، يُصرّ “حزب الله” على التشبث بهذه الورقة لأنها ضامنة له، وما يظهرُ هو أنّ حارة حريك ترى أن هناك من يُفاوض عنها في الخارج بشأن مرشحها، فلماذا الإستعجال؟ ولماذا نريد الإنتقال إلى الخطة البديلة في حال نجحت الخطّة الأولى؟
بكل بساطة، يُراهن “حزب الله” على ما يمكن أن تُسفر عنه الإتصالات الفرنسية مع السعوديين والقطريين بشأنِ فرنجية، فالأمرُ هذا لا يمكن أن يفعله بمفرده في حال لم يكن هناك من سندٍ خارجي له يتمكن من الحديث مع مختلف الأطراف الأساسية.. فهل يمكن نكران ورقة القوة هذه؟ طبعاً لا، والأساس هو أن ما يجري على هذا الصعيد يُغيظ مختلف الأطراف المسيحية إذ وجدت أن فرنسا والتي من المُفترض أن تكونَ “الأم الحنون” لهم، باتت تؤيد طرحَ “حزب الله” في لحظة تقاطعٍ لم تكن واردة. وعليه، فإن ما يمكن قوله هو أن الحزب إلتقط “أنفاسه” من باريس، ولهذا فإنه لا يريدُ كسر الأخيرة وتخطّيها، كما أنه ينتظرُ ما ستأتي به نتائج الإتصالات، والأساس هو أن تقاطع المصالح هو الذي فرضَ هذا الأمر على الطرفين.
إلى جانب “الدّعم الفرنسي”، ينظرُ “حزب الله” إلى ما يمكن أن تؤول إليه التسوية القائمة في المنطقة لاسيما على صعيد الإتفاق السعودي – الإيراني. حتماً، اللحظات الحاليّة هي لصالحه تماماً، فالسعودية فتحت خطوطها مع سوريا، فيما الإيرانيون باتوا أقرب الأقربين إلى السعوديين.. حربُ اليمن شارفت على الإنتهاء في حين أنّ الوضع الداخلي السوري أيضاً يخضع للترتيبات اللازمة. كل هذه العوامل لم تكن متوفرة بيد “حزب الله” عام 2016، ورغم ذلك تمكن من الإتيان بميشال عون رئيساً.. فلماذا وسط “الإرتياح” الإقليمي القائم لا يتمسك بالطرح الذي يريده؟ في حال حصل عكس ذلك، عندها سيكون الحزب قد تنصّل من ورقة فرنجية بنفسه، وبالتالي خسارة حليفٍ أساسيّ في لحظةٍ غير محسوبة.
ماذا عن الدور الإيراني مع “حزب الله”؟
وسط كل ذلك، يُعدّ الموقف الإيراني مهماً جداً في التأثير على قرار “حزب الله”، إلا أنّ الأساس هنا والذي يجب معرفته هو أنَّ طهران لن تفرض على الحزب ما لا يريده “رئاسياً”.. فرغم وجود تسويات، تبقى هناك أوراق قوّة يجب الحفاظ عليها، وبالتالي الرهان على تبديل الإيرانيين لموقف “
حزب الله” الرئاسيّ حالياً سيكونُ ضرباً من ضروب الخيال. وكما قيل، فإن ظروف المنطقة هي لصالح الإيرانيين والحزب، ما يعني أنَّ التنازل عن أيّ ورقة من أوراق القوة سيعني تنازلاً عن أمورٍ أخرى، وبالتالي مُخاطرة تضربُ النفوذ.
منذ بدء زيارته إلى بيروت قبل يومين، كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حازماً وجازماً في موقف بلاده بشأن الإستحقاق الرئاسيّ، فلم يجر حديثٌ عن مبادرة إيرانية أو تدخل في الملف، بل كان هناك تأكيدٌ على أن الأمر يعني اللبنانيين وهناك ثقة بأن يتمكن مجلس النواب من إنتخاب رئيس. من يقارب خطابات عبد اللهيان المتعدّدة، سيلاحظ أنّ الكلام بقيَ في العموميات، وبالتالي لا غوصَ في التفاصيل، كما أنه لا رسالة جديدة تتناقض مع ما يرفعه “حزب الله” على الصعيد الرئاسي.
ضمنياً، تأتي الرسالة الإيرانية الواضحة عبر عبد اللهيان لتتعارض مع رهاناتٍ من أطراف عديدة تشير إلى أن طهران تسعى للضغط على “حزب الله” لتبديل توجهاته بشأن فرنجية تحت شعار “التسويات”. الأمرُ هذا توقفت عنده مصادر سياسية مقرّبة من “الثنائي الشيعي”، إذ اعتبرَت أنَّ إيران ومنذ اللحظة الأولى، تؤكد أنها غير معنية بالتدخل في تفاصيل الإستحقاق الرئاسي لأنه شأنٌ داخلي وهذا أمرٌ أكد عليه عبد اللهيان، كما أن المصلحة الإيرانية اليوم تتحدّد في وصول رئيسٍ يمثل إنفتاحاً على مختلف الأطراف ولا يستعدي أحداً، وتضيف: “فرنجية هو هذا الشخص، ومن يرى أن إيران ستدفعُ بإتجاه وصول رئيسٍ يعاديها تماماً على حساب حزب الله، فسيكون واهماً بقوة”.
مقابل كل ذلك، تبقى هناك معضلة أساسيّة قد تواجهها طهران و “حزب الله”، فالتمسّك بفرنجية حتى النهاية وسط معارضة الأطراف المسيحية الأساسية له، قد يجري تفسيرهُ وكأنهُ بمثابة مواجهة حقيقية ضدّهم. ولهذا، قد تأخذُ الأمور منحى تصعيدياً في حال قررت تلك الأطرافُ ذلك تحت ذريعة “إلغاء الدور والقرار وفرض رئيسٍ بالقوة علينا”. هنا، قد تتدخل
فرنسا لصالح المسيحيين في لحظة الحقيقة، ما يعني أن التخلي عن دعم مرشح “حزب الله” هو الأكثر وروداً. ولتلافي هذا السيناريو، يسعى الحزب إلى تكثيفِ إتصالاته المسيحية، فهو ما زال يراهنُ على موقف “التيار الوطني الحر”، وما زال يتمسّكُ بالضغوط الخارجية التي يمكن أن تساهم في لجمِ تصعيد “القوات اللبنانية”. فحتى إن لم تساهم الأخيرة في إنتخاب فرنجية، فإنَّ جعلها بعيدةً عن التعطيل “قدر الإمكان”، يعدُّ مكسباً مطلوباً.. والسؤال: هل سيتحقق ذلك فعلاً؟ الإتصالات والمشهدية المقبلة كفيلةٌ بكشف ذلك…
لبنان 24