بين المسيحيين و”حزب الله” أين تقف فرنسا
بين المسيحيين و”حزب الله” أين تقف فرنسا
واحد من أغرب المسارات السياسية التي تحصل في هذه المرحلة في لبنان، وتحديداً المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، هي الموقف الفرنسي الداعم لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الحليف التاريخي لـ “حزب الله”، لإيصاله الى قصر بعبدا. في الواقع، يقود الأمر الى سلسلة من التساؤلات في محاولة لفهم السبب الحقيقي الذي يدفع بفرنسا باتجاه دعم فرنجية، خصوصاً إذا ما علمنا أن هذا الدعم يترافق مع مساعٍ دولية لتأمين الغطاء الرئاسي له.
ما يزيد الأمر غرابةً هو الموقف الذي نقلته إيران إلى الجانب اللبناني، على لسان وزير خارجيّتها حسين أمير عبد اللهيان في زيارته إلى بيروت، بأنّ بلاده “ترحّب بشخصيّة لبنانيّة مرموقة تستند إلى التّوافق بين اللّبنانيّين”، في حين أنّ الدعم الفرنسي لفرنجية يسير بشكل متوازٍ مع رفض المسيحيين بغالبيتهم العظمى وكُتلهم النيابية له، ما يعني أن الرجل معرّى مسيحياً ولا يملك غطاءً يخوّله من أن يصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية.
فكيف تقف فرنسا، “الام الحنون” تقليدياً للمسيحيين في مواجهتهم؟ ولماذا تقوم بخطوات جذرية من شأنها أن تؤدّي الى كسرهم سياسيًا في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ لبنان؟
وفق مصادر مطّلعة، فإنّ “الجانب الفرنسي لا يرغب على الاطلاق بكسر المسيحيين، وليس لديه أي مخطط لذلك”، وتقول إنّ “باريس لديها همّ أساسي في لبنان وهو الحفاظ على نفوذها فيه، في أكثر من قطاع، ولعلّ هذا النفوذ لا يبدو ممكناً الا عبر إرضاء “حزب الله”، لذلك فإن الفرنسيين جاهزون للقيام بالخطوات اللازمة التي تمنع “الحزب” من عرقلة حضورهم وقضم نفوذهم على الساحة اللبنانية، وهذا بدا واضحاً جداً من خلال التنسيق الكامل مع حارة حريك.
من هنا، فإن الرغبة الفرنسية، وفقاً للمصادر، بمراضاة المسيحيين “يجب أن لا تتعارض مع المصالح العملية لفرنسا، لذلك فإن مصلحة فرنسا الاولى هي تحقيق الاستثمارات التي تسعى اليها في لبنان سواء عبر المطار أو المرفأ والبريد وغيرها من القطاعات، اضافة الى الحفاظ على حضور ونفوذٍ سياسي في البلد وكل ذلك لا يمكن أن يحصل في حال اتجهت فرنسا نحو المواجهة مع “الحزب”. كما أنّ أفضل ما تسعى اليه فرنسا اليوم هو أن تكون على علاقة مميزة مع “حزب الله” من جهة، والمسيحيين من جهة اخرى، لكن أولويتها اليوم ليس في أن تكون “أماً حنوناً” لفئة من اللبنانيين، انما لنفسها ولمصالحها الاستراتيجية.
في المقابل، فإنّ مصادر مسيحية تشير إلى أنّ “فرنجية يعلم جيّداً أنّه لا يمكن أن يحكم من دون غطاء مسيحي، لأنّ عهده عندها سيولد ميتاً، لكنّ الأمر لا يقف عند هذه الدائرة الضيّقة بل يتّسع إلى حدود التفاهم الدولي الخماسي بين الدول الخمس التي تجتمع وتبحث الأزمة الرئاسية- أميركا، فرنسا، السعودية، قطر، ومصر- والواضح حتّى الآن أنّ التوافق الإقليمي، كما الدولي، لم يتحقّق، لأنّ الأمر لا يتحدّد عند المصالح الفرنسية بل مع الإتّفاق على مصالح الدول الخمس التي تتطلّع إلى الإستثمار في القطاعات اللبنانية في العهد الجديد”.
وتشير المصادر إلى أنّ “خارطة العمل على مدى السنوات الست المقبلة هي التي تحدّد “بروفايل” الرئيس العتيد، وهذه الخارطة تصبح واضحة المعالم بعد انعقاد القمة العربية الـ32 في 19أيار في المملكة العربية السعودية”، مضيئةً على أنّ “ثمة ملّفين لبنانيين أساسيّين لدى القضاء الدولي، الأوّل انفجار مرفأ بيروت والثاني الملف المصرفي، ولا يمكن فصل هوية الادارة اللبنانية الجديدة عن كيفية التعاطي مع هاتين القضيّتين، هذا فضلاً عن مسار الاتفاقيات المعقودة بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي”.
“لم تأتِ قضية النازحين السوريين لتنفجر في هذه اللحظة عبثاً أو صدفةً”، تقول المصادر، ذاهبةً إلى الإستنتاج بأنّه “قد ننام على شيء ونستيقظ على شيء آخر في أيار”، بما معناه: “قد ننام على فرنجية، ونستيقظ على مرشّح التوافق الدولي الخماسي.، وتضيف: لنترك “للبروفايلَين” المالي والعسكري، متّسعاً من الحظوظ… ولننتظر.
لبنان 24