لماذا لا تريد الرياض أن تتدخّل في “لعبة” الأسماء الرئاسية؟
على رغم حرصها على عدم ترك أي أمر يؤثرّ سلبًا على اتفاقها مع إيران فإن المملكة العربية السعودية تتحرّك على الخطّ اللبناني – اللبناني بكثير من الحكمة والتعقّل وبديبلوماسية فائقة الاحتراف. فجولة الأفق التي يقوم بها السفير وليد البخاري، بعد عودته من الرياض، تنطلق من ثوابت وأسس لا تساوم عليها المملكة تحت أي ظرف، وأيًّا تكن المبررات، التي تأخذها القيادة السعودية في الاعتبار، ولكن من منطلق الحفاظ على علاقاتها اللبنانية، وعدم التفريط بأي ورقة سياسية يمكن استخدامها في أي مرحلة مستقبلية، خصوصًا عندما تصرّ على تمسّكها بالمواصفات، التي تراها متطابقة مع أي مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية.
من هنا، فإن الرياض لم تتدّخل في “لعبة” الأسماء ولن تتدّخل، وهي في غير الوارد أن يكون لها مرشحون معلنون، وإن كانت ترتاح إلى بعض المرشحين، الذين تربطها بهم علاقات تاريخية وغير مستجدّة وثابتة، وذلك انطلاقًا من التزام هذا المرشح أو ذاك بحتمية العلاقات الوطيدة بين لبنان ومحيطه العربي من ضمن التعاون المشترك في الانتماء إلى المرجعتين الشرعيتين الدولية والعربية، وبما يمكن أن يقوم به من خطوات عملية، بعد انتخابه، لناحية قربه من كل المكونات السياسية، من دون أن يفقد هوية انتمائه إلى طائفته، ولكن ليس على حساب الطوائف الأخرى، التي هي شريكة أساسية في مدى نجاحه في مهمته الرئاسية، أو في مدى فشله. والأمثلة في هذا المجال كثيرة، وبعضها لا يزال عالقًا في ذاكرة اللبنانيين “الرطبة”.
ما تقوم به المملكة العربية السعودية في لبنان في هذا المفصل التاريخي المهم من حياة لبنان واللبنانيين هو أن تقرّب المسافات بين بعضهم البعض، وذلك على خلفية ما قامت به هي نفسها عندما وافقت على المبادرة الصينية لجهة مدّ يد التعاون إلى جمهورية إيران الإسلامية، على رغم ما بينهما من خلافات تاريخية عميقة. فإذا هي نجحت في ما سعت إليه فلماذا لا يقدر اللبنانيون أنفسهم على ذلك بمساعدة الأصدقاء والأشقاء؟
سؤال يُطرح على أن يُترك الجواب للأيام الطالعة، التي ستحمل معها الكثير من المفاجآت، على حدّ ما يتوقعه الذين يراهنون على مدى انعكاس إيجابيات التقارب السعودي – الإيراني على العلاقات اللبنانية – اللبنانية، مع الإشارة إلى أن ما يباعد بين اللبنانيين ليس أكثر عمقًا وتجذّرًا من الخلافات التي كانت قائمة بين الرياض وطهران.
ومن بين الإيجابيات التي بدأت تظهر في أفق الاستحقاق الرئاسية، على قّلتها، التبدّل الظاهر في بعض المواقف، التي كانت تتسم بالحدّة والتشنج، على أن تليها مواقف إيجابية مقابلة من شأن تفاعلها وتدّرجها أن تقرّب المسافات بين المتناقضات والمتناقضين في المواقف والتوجهات، على أن تُترك المهام الصعبة، وهي كثيرة، للرئيس العتيد للجمهورية ولفريق عمله الحكومي، بالتعاون والتكامل الإيجابي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبمواكبة قضائية صافية تضمن حسن تطبيق ما يمكن أن يصدر عن هاتين السلطتين من تشريعات وإجراءات اصلاحية ينتظرها المجتمع الدولي وصندوق النقد من اللبنانيين، وهي تشكّل اللبنة الأولى في خطة التعافي الشاملة.
يقول البعض أن هذه النظرة التفاؤلية تتناقض مع الواقع اللبناني، وهي لا تعدو كونها أمنيات ليس إلاّ.
لهؤلاء يمكن إحالة ما كان قائمًا بالأمس القريب وما عليه واقع المنطقة اليوم.