اقتصاد

بعد مرحلة رياض سلامة.. هذا مصير مصرف لبنان و “صيرفة”

بعد مرحلة رياض سلامة.. هذا مصير مصرف لبنان و “صيرفة”

تساؤلات كثيرة تُطرح عمّا سيشهدُه سوق الدولار ومنصة “صيرفة” بعد إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تمّوز المقبل وذلك من دون نسيانِ أنَّ الأخير يواجه حالياً مذكرة توقيف دوليَّة من “الإنتربول” تبلغت بها السلطات اللبنانية. وأمام ذلك، فإنّ هناك إمكانية لأن يخرج سلامة من الحاكمية قبل إنقضاء ولايته، فالأمرُ هذا مطروحٌ وقد يحصل بأكثر من طريقة: إما إستقالته طوعياً من الحاكمية أو طلب هذا الأمر منه من السلطة السياسية.

بشكلٍ أساسيٍّ، يُقال إنَّ سلامة هو الوحيد الذي “يُمسك بزمام اللعبة المالية” في البنك المركزي، ومن خلالهِ يتبيّنُ أنَّ مختلف القرارات التي صدرت، ترتبطُ بمسارٍ أراده هو بنفسهِ. فعلياً هذا الأمرُ يرتبط بصلاحيات يتمتع بها الحاكم استناداً لقانون النقد والتسليف، فلديه كامل السلطة في إدارة المصرف المركزي بالطريقة التي يراها مناسبة، إلا أنّ الأمور التي ترتبط بالسياسات النقدية فتحتاجُ إلى المجلس المركزي لمصرف لبنان.

وسط كل ذلك، كان سلامة مُصراً قبل يومين على أن هناك جهاتٍ كانت تريدُ إنهيار البلاد في أول أشهرٍ من الأزمة، أي بين العامين 2019 و 2020. قد يكون هذا الكلام هو المُبرّر لسلسلة الخطوات التي اتخذها، لاسيما تلك المرتبطة بمنصة “صيرفة” والتعاميم الذي تمّ العملُ بها ضمن القطاع المصرفي. كذلك، كانت لافتة تماماً كلمة سلامة عن أن “لبنان لن ينهار”.. وهنا، يُطرح السؤال الأساس: ما الذي يرتكزُ عليه الحاكم الحالي؟ ماذا بعد مرحلته؟ وهل سيستمر العمل بالأرضية التي أرساها سلامة خلال السنوات الـ3 الأخيرة، سواء عبر القرارات والتعاميم التي طرحها؟

قبل الحديث عن أيّ أمرٍ، يجب تثبيت معادلة واحدة وهي أنّ مصرف لبنان يحتاجُ إلى “حاكمٍ” جديد بالقانون بعد انتهاء ولاية سلامة، لكن هذا الأمر يتعذر حالياً بسبب غياب رئيس للجمهورية. وعليه، وبحسب قانون النقد والتسليف، فإنّ الشخص الأول المُخوّل “حصراً” تولي زمام الحاكمية بـ”الإنابة”، هو نائب الحاكم الأول الحالي وسيم منصوري. أما في حال رفض الأخير ذلك أو إستقال، عندها سيدخلُ البنك المركزي في مشكلة.

بالنسبة لبعض المرجعيات المالية، سيكون الفراغ في حاكمية مصرف لبنان قاتلاً بشدّة، فهذه المؤسسة ستُصبحُ “مشلولة” تماماً، وبالتالي سيتوقف كل شيء. فتح الإعتمادات قد يتعطّل، التحويلات قد تتأثر، المصارف ستُصبح أمام حالة من الإرباك، الشؤون المالية في البلاد ستدخلُ في نفقٍ مجهول. إذاً، الحلُ لا يمكن سوى باعتماد القانون تجنباً للفراغ الذي لا مصلحة سياسية لأحدٍ به.

في السياق، يقول النائب السّابق لحاكم مصرف لبنان غسان العيّاش لـ”لبنان24″ إنَّه بعد إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، لا يمكن لأي طرفٍ آخر الحلول مكانه في حال تعذر تعيين حاكمٍ جديد، سوى نائبه الأول فقط لا غير وحصراً، ويضيف: “لا صحة للكلام الذي يُقال عن أنه يمكن لنائب الحاكم الثاني أو الثالث أن يستلمَ حاكمية مصرف لبنان في حال تعذّر على نائب الحاكم الأول ذلك أو رفض هذا الأمر أو استقال من البنك المركزي”.
ad

في حديثهِ، يلفت العيّاش أيضاً إلى أنَّ “نائب الحاكم الأول في حال أصبحَ في الحاكمية، ستكونُ لهُ الصلاحيات المُطلقة التي كانت بيد الحاكم الأصيل، ما يعني أنه سيكون صاحب السلطة الأساسية في البنك المركزي إلى حين تعيين حاكمٍ جديد”.

هل من تغييرات؟

على صعيد آخر، يستبعدُ بعض الخبراء الماليين أن يتمكّن نائب الحاكم من “تغيير” المسار القائم حالياً، فالتحدي كبير أمامه ومن المرجح أن يعمل وفق “الموجود”، ذلك أن أي تعديلاتٍ جذرية في ظلّ فراغ رئاسي وغياب مسارٍ إصلاحي واضح، ستكونُ بمثابة ضربة قاضية لما تبقى من إستقرار على الصعيد النقدي. كذلك، فإن ما لا يُمكن نكرانه أيضاً هو أنَّ أيّ عملية تغيير داخل البنك المركزي بعد إنتهاء عهد سلامة، لا بُد أن تترافقَ مع ضغط سياسي فعلي لإتمام هذا الأمر.
واليوم، بالنسبة لبعض الخبراء، هناك رؤية تقول بأن الإستمرار بأمورٍ موجودة حالياً هو “أبغض الحلال” في الوقت الراهن.

وأمام كل ذلك، يُرجح خبراء ماليون أنّ تبقى منصة “صيرفة” مستمرة، وهذا الأمرُ يدعمه مختلف المسؤولون الحاليون داخل مصرف لبنان. وبكل واقعيّة، هذا الأمر قائمٌ وبقوة في الآونة الراهنة، لأن هناك اتجاها واضحا داخل البنك المركزي بأن تكون “صيرفة” هي المرجعيّة الأساس لتوحيد سعر الصرف في السوق لاحقاً، على أن يترافق ذلك مع خطة إصلاحية بنيوية يحتاجها القطاع المصرفي والمالي للنهوض مُجدداً.

ماذا عن مسار الدولار؟

في الواقع، يُعتبر الكلام عن “مسار الدولار” حالياً بمثابة حديثٍ عن أمر مجهول لا يمكن لأي أحدٍ توقعه. فمن جهة، في حال دخل البنك المركزي في شغورٍ وفراغ، عندها لا سلطة موجودة يمكنها ضبط السوق ولو نسبياً مثلما يحصلُ حالياً بالحد الأدنى. عندها، ستتوقف كل معاملات “صيرفة”، وسيُصبح مصرف لبنان “خارج السمع” نهائياً على صعيد ضخ الدولارات. وبذلك، سيُصبح الضغط كبيراً جداً على السوق، ما يعني أن الدولار سيكون تحت وطأة المضاربين مُجدداً.

أمام هذه الأسباب وغيرها، لا يمكن أن يبقى المصرف المركزي معزولاً عن الحل المطلوب، ولهذا الحاجة لوجود “نائب الحاكم الأول” في الحاكمية حالياً يعدّ الأمر القانوني الوحيد. في المقابل، تبيّن أنه لا يمكن للمجلس المركزي أن يتخذ أي قرارٍ في حال عدم وجود حاكمٍ أصيل من جهة، وفي حال عدم وجود بديل عنه من جهة أخرى. أما الأمر الأهم فهو أن الكلام عن تعيين حارسٍ قضائي يعدّ خطوة غير قانونية بالشكل والمضمون، لأنّه لا مخرج لها في قانون النقد والتسليف.

إذاً، وأمام كل ذلك، يقف لبنان من الآن ولغاية تموز المقبل عند مفترق طرق: إما الفراغ التام في حاكمية مصرف لبنان أو السير بـ”الموجود”. ومن لا يعلم، فإنّ ما يكشفه المسار القائم يؤكد أن دور حاكمية مصرف لبنان هو الذي يُبقي الدولة مستمرة، وهو الذي يشلّها بـ”لحظة” واحدة.

محمد الجنون /لبنان24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com