شبكة سماسرة لبنانية-عراقية: عاصم ينتظركم بـ”التربية” لإنجاز معاملاتكم
يبدو أن شبكة سماسرة معادلة الشهادات الجامعية للطلاب العراقيين أقوى من دولتي لبنان والعراق. أو، إذا أحسنّا النوايا، يبدو لا وجود لرغبة أو عمل جدي لحل أزمة معادلة الشهادات، من خلال وضع بروتوكول التعاون الذي وقع بين وزارة التربية والسفارة العراقية في بيروت حيز التنفيذ.
باب لدرّ الأرباح
رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على البروتوكول، ما زال غير مطبقٍ، فيما شبكة السماسرة تواصل ابتزاز الطلاب. ويبدو أن الرغبة بعدم تطبيقه مردها إلى أن باب المعادلات يدر أرباحاً بملايين الدولارات، نظراً لارتفاع عدد الطلاب العراقيين الذي تعلموا ويتعلمون في لبنان. فإلى حد الساعة، ما زال هناك نحو عشرة آلاف طالب لم ينجزوا معادلاتهم بعد. وهذا بمعزل عن عدد الطلاب الجدد أو الطلاب السابقين الذين أنجزوا معاملاتهم لقاء دفع مبالغ وصلت إلى 900 دولار عن كل معاملة، لصالح شبكة سماسرة عراقية-لبنانية. وهذه الشبكة لا تقتصر على متصيدي الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل تورط فيها مندوبون من الجامعات المكلفين بمتابعة معاملات الطلاب في وزارة التربية.
أمانة السر بالتعليم العالي
منذ مدة تتلقى “المدن” شكاوى من طلاب عراقيين ما زالت معاملاتهم بلا معادلة منذ العام 2020 وتبين أن هناك شبكة سماسرة تتقاضى مبالغ مالية لقاء تعديل الشهادة. وقد أكد طلاب أنهم تمكنوا من معادلة شهادتهم لقاء دفع مبالغ تراوحت بين 600 و900 دولار. وقد شكا مؤخراً طلاب عراقيون من موظفين في أمانة سر لجنة المعادلات للتعليم العالي رفضوا استقبال طلاب الجامعة الإسلامية، الذين ما زالت طلبات “معادلة صحة الصدور” عالقة منذ ثلاث سنوات. وتبين أن الجامعة الإسلامية قامت بـ”نفضة” إدارية طالت حتى مندوب الجامعة السابق في وزارة التربية، وعينت مكانه أستاذاً جامعياً، مشهود له بالسمعة الحسنة، هذا فضلاً عن تغييرات إدارية جذرية، لإصلاح الضرر الذي لحق الجامعة، جراء فضيحة الشهادات للطلاب العراقيين.
عاصم أمام الوزارة
ورغم أن الموظفين في “أمانة السر” برروا سبب رفض استقبال الطلاب بأن وزارة التربية لا تتلقى طلبات من الطلاب شخصياً بل عبر مندوب الجامعة، أكد طلاب أن هناك شخصاً يلتقي الراغبين بالحصول على المعادلات أمام وزارة التربية في منطقة الأونيسكو، وأسمه عاصم. فهو بمثابة حلقة وصل بين الطلاب العراقيين وموظفين في وزارة التربية. ويتقاضى عاصم من كل طالب ستمئة دولار لإنجاز المعاملة. وشرح أحد الطلاب الآلية المعتمدة: “يأتي الطلاب وينتظرون أمام الوزارة حضور المدعو عاصم، الذي يستلم منهم الطلبات لمصادقتها، أو يزودونه برقم المعاملة المقدمة في الوزارة سابقاً. ويقوم بتخليصها لقاء ستمئة دولار”.
شكوك لبنانية وعراقية
عملياً، ما زالت شبكة السماسرة تعمل رغم توقيع البروتوكول الذي يقضي بقدوم الطالب شخصياً إلى جامعته لتقديم طلب المعادلة، وعدم التوجه شخصياً إلى وزارة التربية. فوفق البروتوكول يسلم الطالب العراقي طلبه إلى المندوب المعتمد من الجامعة ويدفع الرسوم الرسمية المعتمدة، إضافة إلى مبلغ 50 دولاراً، على الجامعة تقديمه كهبة إلى وزارة التربية. لكن هذا البروتوكول، الذي من شأنه وقف شبكة السماسرة، ودفع الرشاوى في وزارة التربية، ما زال غير منفذ إلى حد الساعة. ورغم مرور نحو ثلاثة أشهر عليه لم توضع المراسيم التطبيقية له. وعندما تستفسر السفارة العراقية عنه يكون الجواب أنه بحاجة لتوقيع وزير المالية، وعندما تستفسر عنه الجامعات يقال إنه بحاجة لمراسيم تطبيقية. وما يعزز الشكوك بوجود شبكة قوية تمنع تطبيقه، أن المصادر اللبنانية المطلعة في وزارة التربية تلفت إلى أن تطبيقه يضرّ بمصالح المستفيدين من الوضع السابق في الوزارة وفي الجامعات وحتى في السفارة العراقية. فالمستفيدون يتلقون آلاف الدولارات عن كل جلسة لمصادقة الشهادات الصادرة من الخارج. أما المصادر العراقية فتلفت إلى وجود حملة من أشخاص نافذين في العراق على أشخاص محددين في السفارة العراقية، تتهمهم بأنهم لا يريدون تسهيل أمور الطلاب. فيما الحقيقة أن هؤلاء النافذين لم يرق لهم توقيع البروتوكول ويستغلون الطلاب العراقيين عبر بث شائعات عن أن الحكومة العراقية قامت باستدعاء طاقم السفارة، منذ بضعة أيام، إلى العراق لتغييره، نظراً لوجود شبهات فساد.
العودة إلى السماسرة
سبق وقررت وزارة التربية في العام 2021 حصر تقديم الطلاب الطلبات عبر ليبان بوست، لوقف شبكة السماسرة، ومن الازدحام. وعاد وتوقف هذا الإجراء واشترط حضور الطلاب شخصياً إلى الوزارة. وتوقف هذا الإجراء لصالح إعادة تقديم الطلبات عبر مندوبي الجامعات، وانتهت بشبكة سماسرة تخليص المعاملات. ثم وقع البروتوكول وفرض حضور الطالب شخصياً لإنجاز المعاملات في الجامعة وليس في وزارة التربية. وما يؤكد عمل هذه الشبكة أن الجامعة الإسلامية منعت السماسرة من التواجد في حرم الجامعة، لتقديم الطلبات عن الطلاب، مؤخراً. ليس هذا فحسب، بل تفرض على الطلاب الحضور شخصياً لتقديم طلب المعادلات. وتقوم باقتطاع إيصالات مالية رسمية بقيمة 50 دولاراً وفق مقتضيات البروتوكول.
امتحان “الإسلامية”
إجراءات “الإسلامية” أتت لإقفال هذا الباب الذي أضر بسمعتها. لكن بعض المطلعين على ملف آلية منح الطلاب العراقيين الشهادات سابقاً، يشككون بإجراءات الجامعة، خصوصاً أن هناك أستاذاً افتتح مكتباً عند أطراف الضاحية الجنوبية يقوم بكتابة أطروحات الماجستير والدكتوراه عن الطلاب العراقيين لقاء بدلات مالية. في المقابل، الإجراءات التي اتخذتها “الإسلامية” في الأسبوع الأخير تثبت عزم الإدارة على استعادة مكانتها. ووفق المصادر، ثمة تشدد كبير ليس لناحية إلزام الطلاب بالحضور لإنجاز معاملاتهم، بل لناحية كتابة الأطروحات ومناقشتها حضورياً. هذا فضلاً عن الاستعانة بكل الكفاءات في الجامعة اللبنانية للإشراف على الطلاب في كتابة ومراجعة أبحاثهم. لكن لدحض الشكوك لا يمكن إلا الانتظار والقول: “عند الامتحان يكرم المرء أو يهان”.
المدن