اقتصاد

غضبٌ من الدولار.. هل سيهتزّ عرشه في الشرق الأوسط

غضبٌ من الدولار.. هل سيهتزّ عرشه في الشرق الأوسط

اتخذ العراق قراراً بحظر التعامل بالدولار الأمريكي في التجارة الداخلية، فيما أصدرت مصر سندات باليوان الصيني. كذلك، تسعى السعودية والإمارات إلى بيع النفط بعملات أخرى.. وهنا، يُطرح السؤال التالي: هل فقدت العملة الخضراء عرشها في الشرق الأوسط؟

تاريخياً يتمتع الدولار، رمز الهيمنة الأميركية، بمكانة خاصة في الشرق الأوسط، إذ كان يعتبر حتى وقت قريب العملة الرئيسية بلا منازع، وعلى سبيل المثال، السبب الأبرز الذي يقود الاقتصاد المصري إلى أزمات يومية هو عدم وجود الوفرة الدولارية داخل الشارع المصري والقطاع المصرفي.

ففي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، أصبحت متابعة أخبار الدولار الأميركي الشغل الشاغل ليس فقط لخبراء الاقتصاد والمتخصصين في الشؤون المالية، بل للمواطن العادي، وهو ما تعكسه مواقع التواصل الاجتماعي والسعي الدائم لمعرفة أسعار الدولار في مقابل الجنيه وما يتعلق بالاحتياطي من النقد الأجنبي ومبالغ الديون، والسبب بالطبع هو التأثير المباشر لتلك الأمور على أسعار السلع الأساسية التي لا يستطيع أحد العيش بدونها مهما ارتفعت الأسعار.

تحركات للابتعاد عن الدولار
ويمكن القول إن الأشهر الأخيرة شهدت خطوات عملية من جانب كثير من حكومات المنطقة العربية لتخفيض الاعتماد على الدولار الأميركي، فقد حظر العراق استخدام الدولار في إجراء المعاملات التجارية الداخلية، فيما تخطط السعودية والإمارات لبيع النفط بعملات أخرى غير الدولار، وهناك خطط لانضمام دول عربية إلى تجمع بريكس واعتماد عملة جديدة.

وكان قرار الحكومة العراقية بحظر استخدام الدولار في إجراء المعاملات الشخصية والتجارية في البلاد، أثار صدمة في سوق السيارات والعقارات، فالعراقيون يقومون منذ سنوات بإتمام عمليات الشراء باهظة الثمن باستخدام الدولار؛ إذ إنه بسبب تدني قيمة الدينار، كان العراقيون في حاجة إلى تكديس كمية كبيرة من الدينار لشراء سيارة أو منزل باهظ الثمن مثلاً، لذا فقد جرت العادة باستخدام الدولار الأميركي في محاولة لتجنب هذا السيناريو.

ومنذ عقود، لا يزال الدولار “ملك العملات” وأفضلها في التعامل في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، بيد أن هذا الأمر بدأ يتغير، إذ أدلى مسؤولون كبار في عدد من دول المنطقة بتصريحات تفيد بأن هيمنة الدولار في المنطقة قد تتلاشى، بحسب تقرير لشبكة “DW” الألمانية.

ففي العراق، كانت السلطات الأميركية تزيد من صعوبة إدخال الدولار إلى البلاد جراء قلقها من تهريبه إلى الحكومة الإيرانية التي تخضع لعقوبات، في ظل الدعم الضمني من قِبل العديد من السياسيين العراقيين لطهران. وفعلياً، فقد أدى هذا النقص في الدولار إلى تقلبات في قيمة الدينار العراقي نظراً لارتباطه بالدولار.

ويعتمد اقتصاد العراق بشكل كبير على مبيعات النفط، والتي أُودِعَت لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منذ عام 2004. ولاستخراج أمواله وتحويلها إلى دينار، يطلب البنك المركزي العراقي الدولار من الاحتياطي الفيدرالي، والذي يبيعه بعد ذلك للمصارف الخاصة وعدد قليل من المؤسسات المالية الأخرى من خلال مزاد الدولار اليومي.

ومع ذلك، ترى واشنطن أن هناك استمراراً لاستخدام مزاد الدولار لغسل الأموال وإمداد بلدان مثل سوريا وإيران، الخاضعة لعقوبات أميركية شديدة، بالدولارات، وبالتالي اتخذت قرارات تقليص الوصول إلى الدولار.

ومن أجل إنهاء هذه الأزمة، قررت الحكومة العراقية فرض حظر على استخدام الدولار الأميركي في إجراء المعاملات الشخصية والتجارية في البلاد. وفي شباط الماضي، قرر العراق سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان.

وفي السياق ذاته، قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن بلاده “منفتحة” على بيع النفط بعملات أخرى غير الدولار بما في ذلك اليورو واليوان، فيما أعلنت الإمارات أنها تجري مُحادثات مبكرة مع الهند لتجارة السلع غير النفطية بالروبية الهندية. وسبق ذلك إعلان القاهرة، عام 2022، عن خططها لإصدار سندات باليوان الصيني في أعقاب إصدار سندات بالين الياباني.

وتزامن ذلك مع ما أبدته مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين عن رغبتها في الانضمام إلى دول مجموعة بريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. من جهتها، قالت موسكو إن اللقاء المقبل للتحالف في حزيران سوف يناقش إنشاء منظومة عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء.

وتكتل “بريكس” عبارة عن منظمة سياسية دولية، بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية. في البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت “بريك”، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل “بريكس”.

وإضافة إلى تلك التحركات، تشارك الإمارات، منذ عام 2021، في مشروع تجريبي يديره “بنك التسويات الدولية” بشأن استخدام العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية في إتمام المدفوعات بين الدول بما يشمل الابتعاد عن الدولار، وكانت تايلاند وهونغ كونغ والصين من بين الدول المشاركة في المشروع.

ماذا يعني ذلك لهيمنة الدولار في الشرق الأوسط؟
أدت تلك الخطوات، التي اتخذتها دول عربية، إلى إذكاء التكهنات حول تراجع قوة الدولار، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بعنوان: “هل باتت هيمنة الدولار مهددة؟” فيما قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إنه يتعين على العالم “الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب”.

كذلك، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الشهر الماضي أن “إلغاء الدولرة يحدث بوتيرة مذهلة”، مشيرة إلى أن الدولار بات يشكل الآن حوالي 58% من الاحتياطيات العالمية للعملات، في حين كانت تلك النسبة عام 2001 73%، بينما كانت أواخر سبعينات القرن الماضي تبلغ نسبة 85 بالمئة. ورغم ذلك، يؤكد الخبراء أن الابتعاد عن الدولار يسير بوتيرة بطيئة نسبياً، على النقيض مما تشير إليه التقارير الصحفية.

ويعود ارتباط مبيعات الخليج النفطية بالدولار إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث أقامت دول المنطقة شراكة مع الولايات المتحدة، تتمثل في ضمان الولايات المتحدة أمن الخليج مقابل تصدير السعودية والإمارات النفط بالدولار، وقد ربطت معظم دول الخليج عملاتها بالدولار باستثناء الكويت.

حسن الحسن، الباحث في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، أشار إلى أن “أحد أكبر مؤشرات التحول الحقيقي بعيداً عن الدولار، يتمثل في فك ارتباط العملات بالدولار، لكن هذا لم يحدث حتى الآن”.

أما دانيال مكدويل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز في نيويورك، فقد قال للشبكة الألمانية إن حديث المسؤولين العرب عن تلاشي قوة الدولار في الشرق الأوسط ما زال عبارة عن “تصريحات”.

وأضاف مكدويل أن “الإدلاء بتصريحات أمر سهل، لكن تنفيذ ذلك أمر مختلف. بالنسبة للدول المنتجة للنفط مثل السعودية، فإن مثل هذه التصريحات ليست سوى وسيلة لجذب انتباه الولايات المتحدة. إذ قد تدفع مغازلة الصين إلى جعل الساسة في البيت الأبيض يولون اهتماماً أكبر بمصالح دول الخليج”.

ورغم ذلك لم يستبعد مكدويل تماماً احتمال تلاشي هيمنة الدولار فيما هو قادم، مضيفاً: “تنهار جميع الإمبراطوريات في نهاية المطاف، لكن في الوقت الحالي مثل هذا الحديث رمزي وسياسي فضلاً عن أن أي تغيير نراه لا يزال هامشياً وبطيئاً”.

(عربي بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى