وسيم منصوري حاكماً لمصرف لبنان
وسيم منصوري حاكماً لمصرف لبنان
حُسم الأمر حيال بقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في منصبه لغاية الحادي والثلاثين من تموز المقبل. سيناريو غير مستغرب صدوره عن أركان الدولة بجميع تلاوينها الموالية والمعارضة، تجاه من خدمهم طيلة سنوات. أكثر ما يُمكن لهذه الدولة أن تبادر إليه، لا يتجاوز إخضاع سلامة إلى جلسة تحقيق “فلكلورية” ثم إصدار قرار قضائي بمنعه من السفر ومصادرة جوازات لم يعد يحتاجها. تدبير إحترازي يفيد سلامة الملاحق دولياً والمدرج على النشرة الحمراء لـ”الانتربول”.
بقيَ السؤال الأهم. ما حال حاكمية مصرف لبنان ما بعد رحيل سلامة، في ظل حكومة تصريف أعمال غير قادرة على تعيين بديل، وإعتراض “شيعي” مصدره رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيال التفرّد بتولي مسؤولية “المركزي” من خلال نائب الحاكم الأول، ومأزق رئاسي يتجلى في عدم وضوح صورة الإستحقاق وصعوبة إتفاق المعارضة المسيحية على إسمٍ تمضي فيه بمواجهة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وإنهماك دولي، أميركي على وجه التحديد، لمعرفة مآلات مستقبل موقع الحاكمية؟
السيناريو الاكثر تداولاً اليوم والذي باتت سائر القوى الأساسية في صورته، هو في عدم القبول بواقع الفراغ الداهم في رأس المصرف المركزي وتعريض سياسية “النقد” للخطر. ما يعنيه ذلك، الخضوع لمقتضيات ما يرد في قانون النقد والتسليف لا سيما المادة 25 منه، لجهة تولي نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعين بديل. تبعاً لذلك، سيغدو وسيم منصوري، الشيعي بالمفهوم اللبناني، حاكماً شرعياً لمصرف لبنان بقوّة القانون. هل يقبل “الثنائي الشيعي” لا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري؟
باب الإجابة دشّنه الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه ما قبل الأخير، حين قال إننا “لسنا مع التعيين او التمديد لحاكم مصرف لبنان وعلى الجميع تحمل مسؤولياته…”. وفي ضوء ما يرد في المادة 25 من قانون النقد والتسليف، يصبح “الثنائي الشيعي” مسؤولاً.
عملاً بما تقدم، يمضي الحزب في إتجاه الإلتزام بما يمليه القانون لناحية حصول فراغ في المصرف المركزي. سبق كلام نصرالله، وفقاً لمعلومات “ليبانون ديبايت”، بحث قانوني وتقني أجراه إستشاريون محسوبون على الحزب، أتت خلاصته داعمة لفكرة التسليم بواقع تسلّم الموقع، وأشارت إلى كون القانون يُعالج حالة الفراغ إن حصلت في موقع الحاكمية، ويعطي الصلاحية للنائب الأول للحاكم، ولا مناص من الإلتزام بمضمون المواد لحسن سير المرفق العام.
ترافق ذلك مع مطالعة ثنائية حول سلبيات وإيجابيات ذهاب الموقع إلى شيعي في ظل “حفلة جنون” تعيشها البلاد على المستويين السياسي والنقدي، فأتت متساوية النتائج لناحية ما قد يترتب من جراء خيار رفض إستلام المركز أو الموافقة عليه. وعلى ما يُنقل، لا مخاوف لدى الحزب من تولي وسيم منصوري (أو غيره) زمام الأمور في مصرف لبنان، إذ يبدو أن الحزب وضع يديه على معلومات أو أنه في جو معلومات، تشير إلى عدم رغبة (أو مصلحة) أي طرف في إستخدام “ورقة المركزي” في الحرب الداخلية ذات البعد الاقتصادي. وإن حصل، لدى المركزي الآليات المناسبة للمواجهة بما يخدم استراتيجية الإستجابة الطارئة المعمول بها. النتيجة ذاتها ستسري على “الثنائي” في حالة رفضه إستلام الموقع، إذ سيجري تحميله مسؤولية أي تطور سلبي قد يشهده النقد.
رغم ما تقدم، من المتوقع أن يبقى إعتراض بري قائماً. وفي هذا المجال، توحي التسريبات ومصدرها مقرّبون من عين التينة أن رئيس المجلس مستمر في إعتماد سياسة رفض “تغطية” تسلّم وسيم منصوري الحاكمية. لبري، وفقاً لمتابعين، أسبابه التي ليس من بينها ما هو شخصي متى كان منصوري محسوباً عليه بنسبة 1000%، إنما مآخذ رئيس المجلس ناجمة عن مخاطر قد تتداعى نتيجة تسلّم الموقع. فذهاب الحاكمية إلى “شخصية شيعية” في ظل عدم وضوح في الموقف المسيحي أمرٌ غير مستحب حركياً.
تستعيد شخصية قريبة من عين التينة سيناريو “تعبئة الفراغ” في المديرية العامة للأمن العام قبل أشهر مع إحالة اللواء عباس إبراهيم إلى التقاعد. حينذاك، أقرّ “الثنائي” بوجود أزمة إمرار تمديد وتأمين تعيين. لم يكن من مخرج إلا بتعيين ضابط مسيحي تجنباً للشغور. منح “الثنائي” الغطاء، لتتوفر بعده إستجابة من الطرف المسيحي فجرى تكليف العميد الياس البيسري مديراً عاماً بالانابة.
يفهم إذاً أن ما يطلبه “الثنائي” لتأمين مظلة القبول ليس أكثر من المعاملة بالمثل، من قبيل إعلان تغطية مسيحية علنية لتولي شيعي مركز الحاكم تأتي بعدها إستجابة شيعية لن يكون برّي بعيداً عن توفيرها متى توفرت ظروفها. بالأمس فتح السيد نصرالله باباً في سياق خطابه حين ألمح إلى ضرورة “البحث والإتفاق عن بديل”. في الطريق إلى ذلك، سيستمر رئيس المجلس في تحفيز المكون المسيحي على تحمل مسؤولياته في الموقع ولن يكون برّي إلاّ معترضاً على التسليم.
يبقى موقف النائب الأول للحاكم وسيم منصوري. من يلتقون به، ينقلون أجواءً مفادها أن الرجل منسجم مع نفسه، و “سيلتزم تطبيق مواد القانون”. أعلنها سابقاً ويعود ويكرّرها. لن يستقيل في حال صدور مذكرة توقيف في حق رياض سلامة، ولن يستقيل عشية حصول الفراغ المتوقع في موقع الحاكمية، ولن يهرب من أداء واجباته.
عبارات بجميعها، تدفع إلى التأكيد أن الرجل مُقبل على قبول أن يكون حاكماً شيعياً للمصرف المركزي للمرة الأولى منذ الإستقلال. لكن شأنه شأن رئيس المجلس المنسجم معه والمتبنّي لنظرته قطعاً، يشترط حل “الإشكالية الطائفية” من خلال حصوله على غطاء مسيحي، يُحكى أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لن يكون بعيداً عن توفيره متى دعت الحاجة، كما أن منصوري لن يتخطى المرجعيات الشيعية، وسيستجير بها. وبحكم الضرورات، لن تكون هي الأخرى بعيدة عنه.
في ظل هذا الجو، ثمة من يبحث عن الموقف الأميركي ومآلاته. لغاية هذه اللحظة، يظهر الأميركيون من خلال حراك سفيرتهم في بيروت دوروثي شيا، إهتماماً في مصير موقع الحاكمية وليس يمصير الحاكم الحالي رياض سلامة أو “التخريجة” المثالية لمغادرته مركزه، إنما ما يهمهم فعلاً السيناريوهات المتوفرة لتلافي أي فراغ محتمل في المركزي، ولو كان لديهم إعتراض في الأساس على وسام منصوري، ما كانوا “هضموا” تعيينه نائباً أول للحاكم.
ليبانون ديبايت