هذا أكثر ما يفاجئك في لبنان
يُقال إن حضارة أي بلد تُقاس بمدى التزام أهله بالقوانين والسير بها كما هي من دون لفّ أو دوران أو تحايل. وهذا الأمر يتجّلى بأبهى صوره عندما يزور أي منا بلدًا ما بقصد السياحة من خلال ثلاثة مظاهر لا رابع لها.
أول هذه المظاهر طريقة استقبالك من قبل موظفي المطار. فإما أن يكون هذا الاستقبال لائقًا فتتكون لديك فكرة أولية عمّا ينتظرك خلال اقامتك المؤقتة كزائر في البلد، الذي يستضيفك لتمضية العطلة فيه. وإمّا أن يكون هذا الاستقبال عشوائيًا وفوضويًا فلا تأمل خيرًا عمّا يمكن أن تلقاه من سوء معاملة في هذا البلد، الذي تقصده للراحة والترفيه و”شمّ الهوا”.
أمّا ثاني هذه المظاهر فهي النظافة، وهي مسألة جوهرية بالنسبة إلى السائح، الذي يقصد الأماكن النظيفة خوفًا من أي تلوث، سواء في الهواء أو في المأكل والمشرب أو نظافة الشوارع، والفنادق، والمقاهي، والمطاعم.
وثالث هذه المظاهر، وهو الأهم، الطريقة التي تُقاد فيها السيارات وحركة السير والتنظيم الذي يرعاها. وهذا هو محور ما نحن في صدد كتابته اليوم.
بالنسبة إلى المظهر الأول فلا شعب يضاهي الشعب اللبناني في حفاوة الاستقبال واللقاء. وهذا يتجّلى حيث ما ذهبت، بدءًا من أول خطوة تخطوها على أرض المطار وانتهاء بالفندق الذي تقيم فيه والمطعم أو المقهى اللذين تقصدهما. وهذا ما يميز لبنان عن غيره من البلدان السياحية، التي تخلو من هذه الحفاوة، التي يلقاها السائح في لبنان.
أما الحديث عن النظافة فحدّث ولا حرج من حيث افتقادها لأدنى مقوماتها في بلد لا رقابة فيه ولا تخطيط.
فالروائح الكريهة التي تستقبلك ما أن تخرج من حرم المطار تلفحك من كل صوب، ولا تدري من أين مصدرها، لأنها تختلط بالهواء، الذي يحتاج إلى “فلاتر” عملاقة لتنقيته من السموم، التي تدخل إلى رئتيك من دون استئذان، فضلًا عن الدخان الكثيف، الذي يغلف جو المدينة الناتج عن “دواخين الموتورات”.
وما أن تركب السيارة التي تقلك من المطار إلى وجهتك حتى تشعر بأنك في “عصفورية” حقيقية. لا شيء اسمه قوانين سير في لبنان. فكل “شاطر” بشطارته. فمنطق “التزورب” هو السائد. لا تدري من يقتحمك، شمالًا ويمينًا. ومع كل “قلبة دولاب” مشروع حادث. ومع كل مشروع حادث “أطنان” من الشتائم والسباب من العيار الثقيل. وعند كل منعطف أو مفرق طرقات تداهمك أفواج من “الكاميكازيين” على دراجات من كل الأنواع. وما عليك سوى أن تضع يديك على قلبك وتستنجد بالقديسين والأنبياء.
وعلى رغم كل هذا لا أزال عند رأيي، وهو أن لبنان “ما في متلو” تمامًا كتلك الوالدة التي ترى ولدها “القرد” غزالًا.
المصدر: لبنان 24