أزعور خارج اللعبة… “الخيار الثالث” عاد ليتقدم
أزعور خارج اللعبة… “الخيار الثالث” عاد ليتقدم
في السياسة انتهى ترشيح جهاد أزعور. هذه الخلاصة جاءت بفعل رهان فريق “التقاطع” على الفرز العددي ولعبة الأحجام داخل مجلس النواب. إن بقيَ التقاطع قائماً في ما هو مقبل من أيام، فمن غير المتوخى منه أن يبقى في قوة الدفع أو الحيوية ذاتها. السبب بسيط جداً. من وضع ترشيح أزعور على السكّة جعل حملته تقوم على فكرة تجميع الـ65 صوتاً من الدورة الأولى لما من شأنه أن يُنصّبه نصف رئيس أو رئيساً مع وقف التنفيذ من دون الحاجة إلى العبور للدورة الثانية. في المقابل، نجح الفريق الداعم لسليمان فرنجية من امتصاص الهجمة. أبقى رهاناته متواضعة، وأخرج من حركته السياسية هدف الوصول إلى الرقم 65 من الدورة الأولى، وجعل تركيزه ينصب على عدم خلق “مساحات” بين المرشحين، والأهم، اشتغل بعيداً عن الضجيج الإعلامي. في ظل انتكاسة عدم الوصول إلى الرقم المُحدد لمصلحة أزعور يُصبح كل شيء متوقعاً.
ما أمكن تسجيله بُعيد جلسة الأمس، دخول “المتقاطعين” في ما يشبه “دراسة أثر” أحادية بين كل فريق على حد للتقييم النتائج التي أفضت إليها الجلسة الثانية عشر، فيما يتوقع أن يفرز التقييم، خلال الأيام المقبلة، أسباباً إضافية تعزز مناخ المشاحنات بين أعضاء فريق غير متجانس أصلا، دشّنها أمس رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، حين دعا للتلاقي على الأسماء التي تتناسب من برنامج سيادي – إصلاحي ما اعتبر توطئة للخروج عن الإجماع حول أزعور. ولوحظ أن “ماكينات” حزبية سيّرت طيلة نهار الأمس اتهامات متفاوتة حول توزيع أصوات وخيانات تم تسجيلها في الجلسة.
الوصول إلى هذه النتيجة جاء بفعل حصاد المرشح سليمان فرنجية 51 صوتاً، فيما “ماكينة المتقاطعين” لم تكن حتى مساء أول أمس، تحسب له أبعد من 45 صوتاً. قام الرهان على محاولة عدم وصوله إلى الرقم 50 لمجموعة أهداف: أولا إخراجه من المنافسة وفق المنطق العددي وتصويره كمرشح غير جدي وهو ما سعى إليه التيار الوطني الحر حتماً، وثانياً الفرض على ثنائي حركة أمل وحزب الله الدخول في مفاوضات بضغط التفوّق العددي، وهو ما جسده بالأمس النائب جبران باسيل، حين دعا إلى “إسقاط الشروط المسبقة وملاقاته إلى ورقة الأولويات الرئاسية مع أي تعديلات لازمة عليها”. ثالثاً افتتاح عهد جديد من الدورات الانتخابية من منطلق “كسر” الإرادة الفرنسية. ما أمكن تسجيله عقب الجلسة، أن فريق فرنجية صاحب الكتلة الصلبة تقدم في “التكتيك” على فريق التقاطع ذات الكتلة المتحركة.
طوال الفترة التي سبقت الجلسة، نشطت “ماكينات إعلامية” في توزيع “بوانتاجات” حول الأرقام المتوقع تسجيلها، لتأتي النتائج على عكس ما جرى حسابه، ما ولد نوبات عصبية سيطرت على مجموعة من النواب، لا سيما على خط القوات اللبنانية – تجدد، فيما غاب تكتل “لبنان القوي” عن ردات الفعل المتشنجة ما أوحى أن ثقل ترشيح أزعور يتواجد أساساً في معراب، وليس ميرنا الشالوحي. في مكان آخر، جاء التركيز على مسألة “الصوت الضائع رقم 128” وعلى رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم إعادة التصويت أو الفرز. ولعل التركيز على هذا الصوت تحديداً كان نابعاً من محاولة استعاضة عن الدورة الثانية والرهان على تعديل مزاج بعض النواب، عل ذلك يوصل جهاد أزعور إلى ملامسة الرقم 60، وفقاً لما قامت عليه الاستراتيجية الأساس، ما يضعه في موقع أفضل.
الآن وبعد هذه النتيجة، إلى أين؟
في البداية ثبتت قناعة الفريق الداعم لسليمان فرنجية أن جهاد أزعور ليس سوى “مرشح تقاطع” بين مجموعة قوى متباينة. فالقوات اللبنانية أرادت لأزعور أن يكون له وظيفة محددة: مواجهة حزب الله وإظهار ضعفه النيابي. جاراها في ذلك نواب تجدد والكتائب والتغييريين، بينما اختلفت نظرة التيار الوطني الحر الذي لم يكن من بين أهدافه الذهاب بعيداً في مواجهة حزب الله في المجلس، إنما اقتصرت أهدافه على محاولة “التجميع مسيحياً” وتعزيز مطالبه وشروطه، ورفع سقف التفاوض مع حزب الله. وأساسا، إحجام التيار الوطني الحر عن أي تعليق سلبي بعيد الجلسة وعدم تناول ما دار فيها أعطى انطباعا إلى المدى الذي أراده التيار فعلاً.
ليس سراً أن التيار الوطني الحر، عبر خلال الأيام الماضية وبشكل متفاوت، أن رغبته الأساسية ليس في مقارعة أي طرف في مجلس النواب. فهم من جانب من كانوا يتواصلون مع التيار أنه لن يبلغ مداه في المواجهة داخل المجلس، وسيجعلها مضبوطة وتحت سقف المنافسة الديمقراطية، وإن لاحت إمكانية للمواجهة سيلتزم موقع الحياد. من جهة ثانية، كان من يتواصلون مع التيار قبل أيام من الجلسة، على قناعة شبه تامة أن جبران باسيل على يقين أن التصويت لن يبلغ الدورة الثانية. ويبدو أنه وضع خططاً للتعامل مع احتمال بلوغها. من جملة ما فهمه المتواصلون، إن باسيل “لم يقطع نهائياً” مع الحزب. ولوحظَ أن التيار قد نصح بضبط أي توترات “تهز” العلاقة المارونية – الشيعية بدليل اللجوء إلى “خفض التصعيد” عبر مواقع التواصل قبل أيام من انعقاد الجلسة. كل ذلك يقود إلى أن جبران باسيل، أراد من جلسة اليوم، ضرب الترشيحين (جهاد أزعور وسليمان فرنجية) بحجر واحد، والانتقال للتفاهم على اسم مرشح “خيار ثالث” بديل تغريدته أمس، وهو يعلم ألا جلسة قريبة وبالتالي سيتقلص الداعمون لازعور تدريجياً، ولن يجد سليمان فرنجية أي ملاذ لزيادة حواصله.
ما يراهن عليه التيار يمكن ملامسة شيء منه على مستوى الحزب التقدمي الاشتراكي. الأخير ورغم دخوله “التقاطع” ما زال يُنشد التوافق حول اسم، وإن توفر، سيغدو أول الخارجين عن “الخيار الأزعوري”. في ما سبق، لم يكن أحد في متناول معطيات أن الوزير السابق وليد جنبلاط سيصطف إلى جانب داعمي أزعور. فيما بعد، ومع اتساع التأييد المسيحي، بات توقع انحياز جنبلاط إلى الطرف الآخر أمراً واقعاً. لكن بقي أصحاب هذه النظرية متمسكين من أن جنبلاط لن يمضي في المعركة إلى النهاية في ظل افتقاد الموقف الخارجي. فانحصرت خطوة جنبلاط بإسداء “تطمين” إضافي إلى المكون المسيحي، ومن جهة ثانية إبلاغ رسائل إلى الخارج والسعودية تحديداً، أنه غير محسوب على خيار حلفاء حزب الله.
ليبانون ديبايت