اخبار محلية

“الأميركان” يراقبون لبنان.. متى ستقولُ واشنطن كلمتها

“الأميركان” يراقبون لبنان.. متى ستقولُ واشنطن كلمتها

منذ يوم الأربعاء الماضي ووسط جولة الموفد الفرنسيّ جان إيف لورديان على القادة السياسيين لإستطلاع آرائهم بشأن حلّ الأزمة الرئاسيّة المُستعصية، أصبح ممكناً القولُ إنَّ لبنان دخل مرحلة جديدة من دائرة الإهتمام الرئاسي الفرنسي من بوابة الدعم وإيجاد الحلول للأزمة.  

خلال لقاءاته العديدة على مدى الساعات الماضية، كان لودريان مُصراً على عدم الغوص أكثر في تفاصيل حراكه، لكنّهُ أكّد مراراً أنه “يستطلع الوضع” ليبني رؤيته للحلول. ولكن، وبمعزلٍ عن نتيجة المباحثات التي يقومُ بها لودريان، تبقى هناك ثابتة وحيدة وهي أنّ الزيارة التي يجريها الأخير تعدُّ خطوة أولى عمليّة في إطار التقاطع الذي حصل مؤخراً بين فرنسا والسعودية بشأن لبنان، وتحديداً خلال اللقاء الذي جمعَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل أكثر من أسبوع. كذلكَ، فإن ما تقومُ به فرنسا اليوم داخل لبنان، يأتي في سياقٍ قد يكونُ بعيداً عن “كلمة أميركية” وازنة، فواشنطن غير حاضرة حالياً بقوّة على المشهد، وما يتبيّن هو أنَّ فرنسا عادت “المُفاوض الأول” سواء عن السعوديين أو الأميركيين. حتماً، هذا ما حصل خلال المراحل السّابقة، إذ كان لفرنسا الدور الأبرز على صعيد الملف اللبناني، ولكن، السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: أين واشنطن من الوضع القائم حالياً، ومتى ستقولُ كلمتها؟

لا يظهرُ راهناً وجود اهتمامٍ أميركيّ عميق بالأزمة الرئاسية في لبنان، والدليل على ذلك هو عدم وجود أي مبادرة أو إنخراطٍ مباشرٍ على سكّة الحل. هنا، قد يعود هذا الأمر إلى أمرين: الأول وهو أنّ واشنطن ترى أنه بإمكان الفرنسيين أداء المهمّة المطلوبة باعتبار أنهم يمثلون التطلعات الأميركية في المنطقة، فيما الأمر الثاني يعودُ إلى وجودِ إرادة فرنسية حقيقية بحلّ الأزمة في لبنان أكثر من الولايات المتحدة، وقد برزَ ذلك من خلال الإجتماعات والإتصالات التي حصلت مؤخراً بين المعنيين بالملف اللبناني، سواء في باريس أو حتى في المملكة العربية السعودية.
 
ما لا يمكن نكرانه أيضاً هو أنّ الدّفع الفرنسي الأساس باتجاه لبنان قد يكونُ نابعاً من إصرارٍ أميركي على ذلك خلال الفترة الراهنة. بالنسبة للكثير من الأطراف، فإن الدخول الفرنسي إلى لبنان قد لا يُكون منفراً لأطراف عديدة من بينها “حزب الله”، وعليه سيكونُ الحوار أسهلَ بكثير ومن الممكن أن يبادر “الثنائي الشيعي” لتلقف المبادرة الفرنسية الجديدة على قاعدة التعاون. أما في حال كان الأميركيون يقودون المبادرة، فإنه من المستبعد تماماً إنخراط الجميع فيها، وسيُفسر الأمر على أنه تدخلٌ واضح غير مستحب، علماً أن “حزب الله” لن يكون على طاولةٍ واحدة مع الأميركيين، وذلك بعكس ما يفعله مع الفرنسيين.
 
وسط ذلك، تحدّثت أوساطٌ سياسية عن أنّ الإبتعاد الأميركي عن المشهد اللبناني سببهُ إنخراطٌ سعودي “غير مباشر” به، وما يُقال أيضاً هو أنّ واشنطن ما زالت تشعرُ بـ”الريبة” من التقارب الذي جرى بين السعودية وإيران قبل أشهر. وإزاء هذا الأمر، ساد استنتاجٌ مفاده أنّ أميركا قررت “الإعتكاف” قليلاً عن بعض الملفات لتأخذ موقع “المُراقب” بعدما وجدت نفسها بعيدةً عن التأثير مباشرة وسط وجود نشاط لافت لقوى إقليمية أخرى معنية أكثر بما يحصلُ في لبنان. إلا أنه مقابل ذلك، تتحدث أوساطٌ مقرّبة من قوى المعارضة عن نظرية أخرى مفادها أنّ الأميركيين لم ينأوا بنفسهم عن متابعة الملف اللبناني بسبب إنخراط سعودي به، مشيرة إلى أنَّ الدول معنية بلبنان والدليل على ذلك هو إستمرارها في دعمه على مختلف الصعد.

بحسب المصادر عينها، فإنه لو كانت هناك قطيعة سعودية – أميركية، لما كان هناك على سبيل المثال تنسيق بين الطرفين لحل أزمة السودان، وتردف: “في مدينة جدة، يديرُ الأميركيون والسعوديون حلقات التفاوض بين أطراف النزاع في السودان، ولو كان هناك نفورٌ بين الجبهتين، لما كان الحوار من أجل السودان حصل بشراكة أميركية – سعودية”.

ما الذي يهمُّ الأميركيين في لبنان؟
 قد لا يكونُ لدى الأميركيين اهتمامٌ كبيرٌ بتفاصيل الترشيحات لرئاسة الجمهوريّة، فالأمرُ هذا قد لا يعني واشنطن لأنه “تفصيلٌ” من ملف أكبر يرتبطُ بالأداء والسلوك الذي سيؤديه الرئيس العتيد بالتعاون مع مخلتف الأفرقاء. حتماً، ظهر هذا الأمر في الرسالة الأميركية الأخيرة تجاه لبنان عقب جلسة 14 حزيران الرئاسية، إذ كان هناك مطلبٌ بمعالجة “زعماء لبنان” المشاكل القائمة. هنا، ووسط كل ذلك، فإن ما يهم الأميركيين هو حصول الإستقرار الداخلي في لبنان وعدم حصول أي خضّات أمنية قد تُساهم في شلّ قدرة الدولة على ضبط الوضع. وفعلياً، فإن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تعزيز سطوة “حزب الله” التي يُحذر منها الأميركيون، ولهذا يجري العملُ على الدفع باتجاه الحل من جهة، وعلى دعم القوى العسكرية من جهة أخرى.

إضافة إلى ذلك، فإنّ ما يسعى إليه الأميركيون في لبنان هو تسيير كافة شؤون التسوية بغض النظر عن الذين يقودونها. بكل ثباتٍ ووضوح، فإنَّ هدف الأميركيين اليوم إتمام إنتخابات رئاسية في لبنان بمعزلٍ عن المُساهم بها، لأن الهدف الأساس يكمنُ في المرحلة التي بعدها والتي ستشهدُ على إستحقاقاتٍ مهمة أبرزها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. بالنسبة لواشنطن، فإن هذين المركزين يأخذان الأولوية في لبنان، فمن خلالهما تُدار وجهة الإستقرار الذي تريدهُ أميركا، مالياً وعسكرياً. بحسب آراء مراقبين، فإن أميركا قد يكونُ لها رأيٌ لاحق في هذين المركزين، فحاكمية البنك المركزي ترتبطُ بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد للخروج من الأزمة، فيما قيادة الجيش تتصلُ بالإستقرار وعملية ضبط الأمن المطلوب بشدّة في المنطقة.

وإنطلاقاً من هذا الأمر، فإنّ ما يعني الأميركيين هو وضوح الرؤية لدى الرئيس العتيد بشأن هذين المركزين، علماً أن هناك ضغطاً كبيراً حالياً لدى الفرنسيين والسعوديين ببحث ملف لبنان ليس من بوابة الرئاسة فقط، بل أيضاً من خلال مقاربة سلة كاملة ومتكاملة لكل شيء. حتماً، هذا ما يريده الأميركيون، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه الفرنسيون والسعوديون في لبنان.. ولكن السؤل الأساس: هل ستتكلل المبادرات القائمة بالنجاح؟ وهل يمكن اعتبارها ضغطاً دولياً على لبنان لحلّ أزمته الرئاسية؟

لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى