برّي “يُفركش” تسوية المركزي
برّي “يُفركش” تسوية المركزي
خلطَ النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، وصحبه من نواب الحاكم الثلاثة الباقين الأوراق في ما له صلة بمستقبل الحاكمية ووضعها واستطراداً وضع السوق. ويتبيّن أن منصوري، كما يؤكد تقاطع المصادر، تراجع خطوةً إلى الوراء، من القبول بتولّي مركز الحاكمية “مؤقتاً” إنفاذاً للمادة 25 من قانون النقد والتسليف، إلى معاودة وضع نفسه في مكان التباس يفتح على التأويل. وهذا مردود إلى سلسلة أسباب وعوامل تختلط بين ما هو داخلي وخارجي.
بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، إتّسمت لقاءات منصوري مع المسؤولين الأميركيين المعنيين خلال زيارته إلى واشنطن بالراحة والإيجابية. وقد سافر إلى هناك وفي ذهنه إنجاز ترتيبات على صلة بالمركزي. غير أن منصوري لم ينل ما وصفتها المصادر بـ”ما يكفي كي يقدم موافقته على تولّي مركز الحاكم”. وفُهم أن ما سمعه في واشنطن، راوحَ بين الإشادة به وبدوره وبقدرة المصرف على “تأمين وضعٍ نقدي مستقر”. لكنه لم ينل جواباً “واضحاً يُزيل الإلتباس”، حول الموقف من تولّيه مركز الحاكمية. ما زاد الأمور تعقيداً أنه وفور عودته إلى لبنان، تواصل مع عين التينة، وفُهم ممّن تواصل معهم، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما زال عند رأيه رافضاً أن يكون “نائب الحاكم الأول الشيعي”، حاكماً بديلاً عن الحاكم الأصيل “الماروني” في مصرف لبنان. وفُهم ايضاً أن بري عكف (أو يعكف) على إجراء مشاورات حول مصير الحاكمية دافعاً نحو إجراء المقتضى قبل 31 تموز المقبل. ولم يبدُ لمنصوري أنه من ضمن الخيارات المحتملة حالياً، إنما بري يعمل على محاولة فهم ما إذا كان ثمة احتمال ولو ضئيل لتعيين بديلٍ عن حاكم مصرف لبنان. ويمكن الإستدلال إلى هذه الفرضية من تصريح بري الأخير، حول “الضرورات تبيح المحظورات”، بالإضافة إلى موقف معاونه السياسي الوزير السابق علي حسن خليل عبر برنامج “صار الوقت” الخميس الماضي، عندما أشار إلى وجود “مشاورات” من خلال قوله أنه “وفي حال حصول توافق على تعيين حاكم جديد للمركزي فلن نعترض”.
كل ذلك أدى إلى خلط الأوراق وجعل من “إخراج” نواب الحاكم بيانهم الأخير، أمراً لا بدّ منه. وهناك من يستدل إلى نيل “النواب” غطاءً سياسياً لبيانهم، وربما أتى لتكريس مفاعيل سياسية ما أو لفرض أمرٍ على مجلس الوزراء أو الطلب منه توفير ضمانات لهم في حالة الإستمرار في الوظيفة كجزء من “إبراء ذمّة مسبق”. وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، جرى إعداد البيان بهدوء وتأنِ وأخذ وقتاً، ما سمح في تأمين توافق كلّي عليه بين نواب الحاكم. ويهدف البيان، بحسب المصادر، إلى إرساء أجواء تفيد في سير المشاورات السياسية الجارية بعيداً عن الإعلام. أي أنه استبطنَ “محاولة حث”، وجاء كمحاولة لرفع الضغط عنهم في حال الإستمرار في أداء الوظيفة. وجاء البيان لمهمة وظيفية أساسية، أن النواب ليسوا في وارد أن يحلّوا بدلاء عن الحاكم، وعلى “الهيئة السياسية” أن تبتكر حلاً.
إلى ذلك نُقل عن مقربين من منصوري، أن الرجل يشعر أن ثمة “كرة نار” تلقى في صدره ويُراد له أن يتحمل مسؤوليتها خلافاً لإرادته أو عنوةً، مؤكدين أن أحداً في لبنان لم يفاتحه بطبيعة مهمته الجديدة، ما زاد شكوكه حول أنه آتٍ إلى مركز لتنفيذ مصالح سياسية تتخطّاه. وفهم منصوري من نواب الحاكم، أن هؤلاء وخلال لقاءاتهم مع المرجعيات الأساسية على رأسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، رفض منحهم أي امتيازات من أجل “إدارة سياسية إنتقالية مؤقتة” في الحاكمية، كما أنه رفض أن تطال أي تغيرات محتملة منصّة “صيرفة”، على اعتبار أن الموظفين يستفيدون منها، والدولة ليس في مقدورها الدخول في مواجهة مع موظفي القطاع العام، وهو ما عاكسَ رغبة نواب الحاكم في مسعاهم لانهاء العمل بالمنصّة مقابل إطلاق “حر” للدولار في السوق.
إلى هذا الجانب يُضاف آخر له علاقة بالظروف الإستثنائية الحالية وحالة الإلتباس الطائفي القائمة التي تزيد الأمور تعقيداً. وتبعاً لها، لا يحقّ لنواب الحاكم التقدم باستقالةٍ “مشروطة” ربطاً بمضمون البيان المُعلن منهم أو فرضها على مجلس الوزراء، صاحب الحق بالقبول أو الرفض. وربطاً بمضمون قانون النقد والتسليف، ثمة موجبات وظيفية ومسؤوليات قانونية مُلقاة على عاتق “النواب” تسري في الحالات الإستثنائية، والمصلحة العامة المنشودة في البيان “لا تتأمّن بالفراغ”، وفق رأي مرجع قانوني كبير. فإدارة النقد في ظل هذا الوضع صعبة وصعبة جداً، وما من أحدٍ من نواب الحاكم مستعدٌ للتجربة. وثمة خشية لديهم من أي تقلبات من المحتمل أن يشهدها السوق فترتد عليهم ومن خلفهم على المرجعية التي عيّنتهم، فيعزلون ويجري تحميل كل شخص تبعات أي تأثير، وهي أسباب مضافة لا تخدم فرضية تأمين “المرحلة الإنتقالية المؤقتة”.
ليبانون ديبايت